الرياض، 27 نوفمبر/ تشرين ثان، 2018 – شهدت دول مجلس التعاون الاقتصادي انتعاشا اقتصاديا بسبب الزيادة المستمرة لأسعار النفط خلال العامين الماضيين إلا أنه يجب استمرار الإصلاحات التي تقودها الحكومات للحفاظ على زخم هذا التعافي، وذلك بحسب التقرير نصف السنوي للبنك الدولي الصادر تحت عنوان "المرصد الاقتصادي لمنطقة الخليج" والذي أعلن عنه في الرياض اليوم.
ومن المتوقع أن يصل معدل النمو الاقتصادي لمنطقة مجلس التعاون الخليجي إلى 2% في 2018 مرتفعًا من سالب 0.3% في 2017 فيما يُعزَى جزئيا إلى ارتفاع إنتاج النفط وتباطؤ وتيرة إجراءات ضبط أوضاع المالية العامة.
ومع انحسار الاختلالات المالية والخارجية، ظلت المنطقة إلى حد كبير بمنأى عن تقلُّب الأسواق المالية الذي أصاب اقتصادات الأسواق الصاعدة الأخرى في منتصف 2018. ويتوقع البنك الدولي أن يتعافى النمو الاقتصادي للمنطقة تدريجيا في الأمد المتوسط ليصل إلى 2.7% بحلول عام 2020، إذ إن ارتفاع أسعار الطاقة وزيادة الإنفاق الحكومي يساعدان على تعزيز الإنتاج وتحسين الشعور السائد بالأسواق.
ومن المتوقع أن يتعافى معدل النمو في المملكة العربية السعودية إلى نحو 2% في 2018-2019 بعد انكماشه في 2017، وأن يتحسن بالمثل في دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى. وتشير التوقعات أيضا إلى أن الاختلالات الخارجية والمالية ستتقلَّص، وأن تقترب السعودية والإمارات العربية المتحدة من مستوى توازن الميزانية بحلول عام 2020، وأن تعودا مع قطر والكويت إلى تحقيق فوائض في الحسابات الجارية في السنوات 2018-2020.
وتعليقا على ذلك، قال عصام أبوسليمان المدير الإقليمي لدول مجلس التعاون الخليجي في البنك الدولي: "لقد طبقت دول الخليج بعض الإصلاحات البارزة في الأعوام الأخيرة، منها إلغاء نظم الدعم التشويهية باهظة التكلفة، وتطبيق ضريبة القيمة المضافة، وتوفير بيئة مواتية لأنشطة الأعمال وإصلاحات سوق العمل. ولكن من الضروري أن تواصل دول مجلس التعاون الخليجي السير في هذا الطريق لأسباب ليس أقلها أن أي تراجع في زخم الإصلاحات قد يعوق قدرة هذه الدول على اجتذاب الاستثمارات الطويلة الأجل، وهي ذات أهمية بالغة لجهود تنويع النشاط الاقتصادي."
إلا أن هناك عدة مخاطر تشوب آفاق الاقتصاد الإقليمي في الفترة المقبلة تنبئ باحتمال تدهور الأوضاع. فالتوترات التجارية العالمية، وتقلُّب الأسواق المالية العالمية، والتوترات الجيوسياسية قد تُضعِف الطلب العالمي والتجارة، وتؤثِّر في إمكانية الحصول على التمويل وتكلفته، وتؤدي إلى تراجع أسعار المحروقات. ويتمثل أحد المخاطر المحلية الرئيسية التي قد تتعرض لها منطقة مجلس التعاون الخليجي في تباطؤ وتيرة الإصلاحات بسبب ارتفاع أسعار النفط.
ويُركِّز تقرير المرصد الاقتصادي لمنطقة الخليج على النظر إلى الإصلاحات من منظور أربعة مجالات رئيسية يلزم تحقيق مزيد من التقدم فيها. فعلى صعيد المالية العامة، لم تبحث دول مجلس التعاون الخليجي بشكل منهجي بعد إجراء إصلاحات فاتورة الأجور والتوظيف في القطاع العام كاستراتيجية للحفاظ على استدامة المالية العامة على الأمد الأطول ولتحسين مستويات تقديم الخدمات. وينبغي للحكومات أيضا ملاحظة أن تحسين الإنفاق لا زيادته سيكون على الأرجح العامل الرئيسي لتحقيق تحسن في الإنتاجية نتيجةً للإنفاق على البنية التحتية. ومن الضروري إجراء إصلاحات لبيئة الأعمال وسوق العمل لزيادة الاستثمارات الخاصة، وتعزيز جهود خلق فرص العمل، وضمان أن يكتسب مواطنو دول الخليج المهارات التي يتطلَّبها القطاع الخاص.
ويلفت تقرير المرصد الانتباه أيضا إلى جانب منفصل وإن كان ضروريا للاستدامة على الأمد الطويل، وهو إدارة الموارد المائية في المنطقة، إذ إن دول مجلس التعاون الخليجي تشهد بعضا من أعلى مستويات استهلاك المياه في العالم، وتعتمد اعتمادا كبيرا على أنشطة كثيفة الاستخدام للطاقة لتحلية المياه. ولأن إدارة الموارد المائية مسألة تشمل عدة قطاعات، سيتعيَّن على الحكومات أن تحرص على تكامل السياسات والإستراتيجيات وانتظام تطبيقها في مختلف القطاعات. ويجب أن تعطي الحكومات أولوية لترشيد استخدام المياه، وإدارة مكامن المياه الجوفية وإعادة التدوير والتحلية والاستخدامات الزراعية وإدارة المناطق الساحلية.