واشنطن 5 فبراير/شباط 2019- يتناول تقرير جديد للبنك الدولي بالتحليل عودة 103090 لاجئا سوريا لبلادهم طوعا لتحديد العوامل الرئيسية التي أثَّرت على قرارات عودتهم. جاءت المقارنة بين هذه المجموعة من اللاجئين الذين عادوا إلى سوريا بين عامي 2015 و2018، وملايين آخرين في العراق والأردن ولبنان اختاروا ألا يعودوا في دراسة شاملة تستند إلى الشواهد والأدلة لأنماط عودة اللاجئين السوريين.
يستند التقرير الجديد، المعنون "قدرة اللاجئين السوريين على العودة الى ديارهم: تحليل اقتصادي واجتماعي"، إلى قدْر كبير من البيانات عن اللاجئين السوريين جمعتها المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، بالإضافة إلى المسوح الاستقصائية التي أجرتها الدراسة. وقُورِن بين نتائج الدراسة وأوضاع لاجئين آخرين في أنحاء العالم، يتراوحون من اللاجئين العراقيين في سوريا قبل نشوب الحرب إلى اللاجئين الصوماليين في كينيا. ويُتيح هذا النهج التحليلي فهما أفضل لمجموعة مُعقَّدة من العوامل التي يتعيَّن على اللاجئين مراعاتها عندما يدرسون العودة إلى بلادهم.
وفي هذا الصدد، قال ساروج كومار جيها المدير الإقليمي لدائرة المشرق في البنك الدولي: "يدفع اللاجئون ثمنا باهظا لأمنهم. فاللجوء يتيح سبيلا للنجاة من أذى وشيك، لكن قد يكون الثمن معاناة الفقر والعوز أمدا طويلا. وعلى الرغم من الجهود الكبيرة التي تبذلها البلدان المضيفة والمجتمع الدولي، فإن معدلات التحاق أطفال اللاجئين السوريين بالمدارس تقل في البلدان المضيفة عما هي عليه في سوريا، وهو ما يقضي على أجيال بأكملها بالبقاء على الدوام في أوضاع بائسة."
وخلص التقرير إلى أن الظروف الأمنية في سوريا هي العامل الأكبر في تحديد العودة المحتملة للاجئين السوريين. ومن العوامل المهمة للعودة أيضا مدى توفر فرص الحصول في سوريا على الخدمات الأساسية مثل الرعاية الصحية والتعليم، وكذلك أحوال البنية التحتية الأساسية. واستخدم التقرير نماذج محاكاة تستند إلى تحليل مُوسَّع للبيانات لتقييم تأثير هذه العوامل الرئيسية. ووفقا للتقرير، فإن 10% إضافية من اللاجئين الذين شملتهم الدراسة قد يعودوا إلى سوريا إذا زاد إلى الضعفين معدل تحسُّن الأوضاع الأمنية، وارتفع ثلاثة أضعاف معدل استعادة الخدمات خلال السنوات الخمس التالية. وهذا بالإضافة إلى من سيعودون في غياب هذه التحسينات. ولكن على النقيض من هذين العاملين في سوريا، نجد تأثير الظروف السائدة في البلدان المضيفة للاجئين أكثر تعقيدا بكثير.
من جهته، قال هارون أوندر الخبير الاقتصادي الأول بالبنك الدولي والمؤلف الرئيسي للتقرير: "كانت إحدى النتائج التي أثارت دهشتنا أن قسوة الظروف في المهجر لا تؤدِّي دائما إلى زيادة أعداد العائدين. وتُظهِر البيانات على سبيل المثال أن اللاجئين السوريين الذين يتاح لهم الحصول على وجبة طعام إضافية يوميا يزيد احتمال عودتهم إلى سوريا بنسبة 15%. ويتسق هذا مع التعقيد الذي شهدناه في دراستنا للتجارب الدولية. وفي حين كان الفقر أحد المحركات الرئيسية لعودة اللاجئين العراقيين من سوريا قبل نشوب الصراع، فإن الوضع اختلف في ليبريا حيث كان اللاجئون ذوو الدخول المرتفعة هم أول من غامر بالعودة إلى الوطن."
يأتي هذا التقرير في وقت تحسَّنت فيه احتمالات تراجع التصعيد في سوريا، لكن تسود التصورات المتعلقة بغياب الأمن والتي تحد حتى الآن من عودة اللاجئين. وقد يكون الاستثمار في استعادة الخدمات في سوريا مفيدا، لكن نماذج المحاكاة تُظهِر أن هذا سيعادل في تأثيره وفعاليته ضعفي تحسُّن الأوضاع الأمنية الذي يشتمل على إنهاء الاحتجاز التعسفي، والتجنيد الإجباري، وغيره من انتهاكات حقوق الإنسان والملكية.
وأخيرا، يُشدِّد التقرير على أن العودة الطوعية في ظل الظروف المناسبة تؤدي إلى تحسين مستوى الرفاهة. بيد أن اتباع سياسات تركيزها الوحيد على تعظيم أعداد العائدين قد يحد من الرفاهة إذا لم تكن الظروف مناسبة. ومن شأن اتباع نهج أوسع نطاقا هدفه تحسين الظروف للسوريين والمجتمعات المضيفة أن يفسح المجال أمام اتخاذ قرارات طوعية بالعودة، وأن يساعد في الوقت ذاته على تحسين الرفاهة لجميع الأطراف.