بغداد، 4 مايو/ أيار 2020- في مواجهة عددٍ من الصدمات الحادة التي بدا أن العراق ليس مستعداً لمواجهتها، ازدادت التوقعات الاقتصادية للعراق سوءًا خلال الأشهر الستة المنصرمة. فمن المتوقع أن ينكمش الناتج المحلي الاجمالي بنسبة 9.7 % خلال عام 2020 متراجعاً عن نسبة النمو الايجابية البالغة 4.4 % التي حققها عام 2019، مسجلاً بذلك أسوأ أداء سنوي منذ عام 2003، وفقاً لتقرير جديد للبنك الدولي صدر هذا اليوم.
يناقش المرصد الاقتصادي للعراق - ربيع 2020 الصادر بعنوان " الإبحار في عاصفة عاتية (مرة أخرى)- التطورات والسياسات الاقتصادية الاخيرة"، ويسلّط الضوء على بعض من تحديات السياسة الاقتصادية الكلية التي تواجه البلاد. ويشير التقرير الى أن الاوضاع القائمة أصلاً في العراق ما قبل الأزمة، سوف تحدّ من قدرته على إدارة وتخفيف الآثار الاقتصادية والاجتماعية الناتجة عن انخفاض اسعار النفط، وتقليص حصص انتاج النفط، والمعوقات التي ولّدتها إجراءات العزل الخاصة بمواجهة تفشي فايروس كوفيد 19 (الكورونا). ذلك أن اعتماد الاقتصاد العراقي الكبير على النفط والدور الواسع للقطاع العام في الأنشطة الاقتصادية والتجارية أمر يعيق خلق الوظائف التي تبرز اليها الحاجة في القطاع الخاص لسكان غالبيتهم من الشباب. وعلاوة على ذلك، فإن الإستياء الشعبي المتزايد حيال سوء تقديم الخدمات، والفساد المستشري، ونقص الوظائف لا يزال راهناً، بل وراح يقترن بالمأزق السياسي الذي يكتنف تشكيل حكومة جديدة.
يقول ساروج كومار جها، المدير الإقليمي لدائرة المشرق في البنك الدولي: "إن ضبط أوضاع المالية العامة والتنويع الاقتصادي من خلال زيادة مشاركة القطاع الخاص أمران على أهمية قصوى للحد من هشاشة العراق أمام الصدمات الخارجية.ومن شأن اعتماد برنامج موجه نحو الاصلاح وتعزيز النمو أن يُسهم في استدامة جهود إعادة الإعمار والحفاظ على التحسينات الإيجابية التي تحققت في قطاعي الكهرباء والزراعة خلال العام الماضي. يُعتبر مثل هذا البرنامج أساسياً لخلق الوظائف التي يحتاجها الشباب والمساعدة في استعادة ثقة المواطنين العراقيين."
إن حزمة المحفزات غير المستدامة التي طرحت منذ تشرين الأول (اكتوبر) الماضي - بما في ذلك زيادة التوظيف في القطاع العام، وخفض سن التقاعد، والتحويلات المالية المختلفة - إلى جانب عائدات النفط الضعيفة، يتوقع أن يكون لها آثار مالية ضارّة. ففي حالة استقرار أسعار النفط ضمن حدود الثلاثين دولاراً المتدنية وعدم اتخاذ أي تدابير إصلاحية، فإن تقديرات البنك الدولي تشير الى أن عجز الميزانية سيتجاوز 29% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2020، وستصل احتياجات التمويل الإجمالية إلى 67 مليار دولار أمريكي (أكثر من 39 % من الناتج المحلي الإجمالي). وفي ظل هذا الوضع، قد تكون خيارات التمويل محدودة. فالاعتماد الشديد على التمويل المحلي سوف يقلّل من السيولة المتاحة لائتمانات القطاع الخاص ويُضعف الميزانية العمومية للبنك المركزي العراقي مما يخلق ضغوطاً على التضخم وسعر الصرف. وفي الوقت نفسه، فإن الوصول إلى الأسواق الدولية قد يكون صعباً نظراً لظروف الأسواق العالمية وضعف اطار الاقتصادي الكلي للعراق.
في مثل هذا السياق، من الضروري أن يشرع العراق في أجندة إصلاح اقتصادي شاملة تتطلع نحو المستقبل من اجل تمكين القطاع الخاص نحو قيادة النمو وخلق التنوع وفرص العمل. ويمكن أن يستند مثل هذا البرنامج الى دعامتين- الأولى: معالجة المعوقات الشاملة التي تعترض التنويع الذي يقوده القطاع الخاص من خلال الاستدامة المالية والحوكمة الاقتصادية، وإصلاحات القطاع المالي، وإصلاحات بيئة الأعمال، وتحسين محصلات رأس المال البشري، فضلاً عن إصلاحات الحماية الاجتماعية ونظام العمل، والثانية: تحسين الحوكمة وتعزيز مشاركة القطاع الخاص في قطاعات إنتاجية مختارة مثل الزراعة والصناعات الغذائية والكهرباء والغاز.
كما تضمّن تقرير "المرصد الاقتصادي العراقي" قسماً خاصاً يسلّط الضوء على أهمية التحول الرقمي للعراق والضرورة الملحة التي تكمن وراءه. إن مزايا الاقتصاد الرقمي القوي تبدو عديدة، وسوف يسهم تسخير هذا الاقتصاد في مساعدة العراق على تحسين الفرص الاقتصادية، وخاصة لشبابه، وبالتالي الاستجابة لمطالب المواطنين. و يتطلّب التحول الرقمي للاقتصاد العراقي إصلاحات اقتصادية وأولويات إنمائية طويلة المدى تغطي الركائز الخمس لإطار الاقتصاد الرقمي المتمثلة في ضمان الوصول إلى الإنترنت عالي السرعة بتكلفة معقولة، وتحقيق اعتماد واسع النطاق للمدفوعات غير النقدية، وتقديم الخدمات الحكومية الرقمية وتحسين الوصول إلى البيانات، ورفع مستوى مهارات الشباب من خلال تزويدهم بالخبرة التكنولوجية، وتوسيع نطاق النظام البيئي الرقمي لريادة الأعمال. ويشكل اعتماد حلول رقمية مبتكرة في مكافحة وباء فايروس كوفيد 19 في مختلف أنحاء العالم في الآونة الأخيرة، مثالاً على مدى أهمية وإلحاحية التحول الرقمي.