بيروت، 15 فبراير/شباط، 2024 - وافق مجلس المديرين التنفيذيين لمجموعة البنك الدولي أمس على مشروع بقيمة 34 مليون دولار أميركي لمساعدة لبنان على استعادة المهام الأساسية للإدارة المالية العامة لدعم تحصيل الإيرادات المحلية وتخصيص الموارد العامة واستخدامها على نحو قابل للمساءلة. وسيساعد مشروع الإدارة المالية على توفير الخدمات العامة للمواطنين وتمهيد الطريق لتحقيق تعافٍ اقتصادي مُستدام.
بعد مرور أكثر من أربع سنوات على الأزمة الاقتصادية والمالية الحادة، شهدت المالية العامة في لبنان تدهورًا كبيرًا، مما أسهم في انهيار تقديم الخدمات العامة. وأدى هذا التدهور إلى تفاقم التحديات القائمة منذ وقت طويل قبل الأزمة والمتمثلة في ضعف القدرات المؤسسية، والافتقار إلى الشفافية، والقضايا الهيكلية التي أسهمت في ضعف أنظمة الحوكمة المالية. وبين عامي 2018 و2022 انكمش إجمالي الناتج المحلي الحقيقي بنسبة 34%، مما قضى على النمو الاقتصادي الذي تحقق على مدار أكثر من 15 عامًا. ومنذ بداية الأزمة في عام 2019، فقدت الليرة اللبنانية أكثر من 98% من قيمتها. وأدى معدل التضخم المكون من ثلاث خانات (100% فأعلى) وانخفاض قيمة العملة إلى تآكل رواتب موظفي القطاع العام، حيث تقلصت على نحو حاد وأصبح الموظفون غير قادرين على تحمل تكاليف الوقود للانتقال إلى العمل وتأمين حاجاتهم الحياتية الأساسية. وقد ترك عدد كبير من الموظفين عملهم في القطاعَ العام، متوجهين إما إلى القطاع الخاص حيث تم تعديل الرواتب جزئيًا أو بحثاً عن فرص عمل خارج البلاد، مما أدى إلى فجوة كبيرة في المهارات وتوافر الموظفين في القطاع العام. وبالنسبة للموظفين المستمرين في الخدمة العامة، فإن معدلات تغيبهم عن العمل تعتبر مرتفعة، حيث بات معظمهم يزاول العمل يومًا واحدًا في الأسبوع. ويؤثر ذلك بشدة على قدرة الحكومة على مواصلة الأعمال الإدارية الأساسية. كما انخفضت قيمة الرسوم الجمركية والإيرادات الضريبية بشكل حاد مع الأزمة، مما جعل الإيرادات المحلية غير كافية لتحقيق الاستقرار الاقتصادي، واستدامة المالية العامة، وتمويل الخدمات الاجتماعية الحيوية.
وتعليقًا على ذلك، قال جان كريستوف كاريه، المدير الإقليمي لدائرة الشرق الأوسط في البنك الدولي: "تُعد المؤسسات العامة التي تؤدي وظائفها على أكمل وجه بالغةَ الأهمية من أجل التصدي بشكل فعال للأزمة المستمرة وإرساء الأساس اللازم لتحقيق التعافي. كما يُعتبر التصدي للتحديات في إدارة الإيرادات والنفقات العامة أمرًا في غاية الأهمية لاستعادة ثقة المواطنين في قدرة الدولة على القيام بدورها الأساسي، ولمساعدة لبنان على الخروج من هذه الحلقة المفرغة."
يهدف مشروع الإدارة المالية إلى استعادة المهام الأساسية لإدارة شؤون المالية العامة في الدولة من خلال تحقيق الاستقرار في إدارة الإيرادات عن طريق رفع مستوى الامتثال الضريبي، وتوفير التدريب وبناء القدرات اللازمة لتنفيذ قانون الجمارك، وإدخال التحسينات الضرورية على أنظمة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات الخاصة بأنظمة الضرائب والجمارك. كما يهدف المشروع إلى استعادة ضوابط المالية العامة، ودعمَ تحقيقِ قدرٍ أكبر من مساءلة الحكومة من خلال تدعيم عملية إعداد الموازنة، وتنظيم إعداد تقارير المالية العامة، وسداد المدفوعات العامة بانتظام، وتعزيز عمل الأجهزة والبرامج الحاسوبية التي توفر دعمًا شاملاً لمهام الإدارة المالية الأساسية. وسيعمل المشروع أيضًا على تعزيز قدرات ديوان المحاسبة والتفتيش المركزي على الرقابة والمساءلة، وتعزيز مهام المعهد المالي في بناء القدرات، ورفع الكفاءة المهنية في مجال المشتريات العامة.
ولتحقيق الأثر المرجو، سيعمد المشروع إلى ربط بعض أوجه التمويل بالنتائج (عبر اعتماد الشروط المرتبطة بحسن الأداء). فعندما يتم تحقيق الشروط المرتبطة بحسن الأداء - مثل إعداد الموازنة في الوقت المناسب، والإدارة الفعالة لوظائف الإيرادات والجمارك، وإعداد تقارير دقيقة ومُحكمة التوقيت، وسداد المدفوعات الحكومية بانتظام، وإجراء عمليات التدقيق والتحقق من فاتورة الأجور في الوقت المناسب - يصبح بالإمكان استخدام جزء من أموال المشروع في تحفيز الموظفين الأساسيين في وزارة المالية وديوان المحاسبة والتفتيش المركزي. وقد تم تحديد هذه الشروط المرتبطة بحسن الأداء باعتبارها بالغة الأهمية لاستعادة المهام الأساسية للإدارة المالية وتعزيز المساءلة والشفافية. ووسيخضع تسديد التمويل المرتبط بتحقيق الشروط المرتبطة حسن الأداء لنظام حوكمة قوي يتضمن إصدار مرسوم من مجلس الوزراء وقرار وزاري بشأن الحوافز. كما سيخضع للإشراف من جانب لجنة توجيهية تضم العديد من أصحاب الخبرة، ولجنة استشارية لتقديم المشورة، وعملية تحقق من جانب جهة ثالثة مستقلة، وعمليات تدقيق ومراجعة دورية تقوم بها جهات تقنية مستقلة.
ومن الجدير بالذكر أن مشروع الإدارة المالية يُمَولُ بقرضٍ قيمته 28.5 مليون دولار أميركي من البنك الدولي للإنشاء والتعمير وبمنحة قيمتها 5.5 ملايين دولار أميركي من الصندوق الائتماني المُخصَّص للبنان. وسيُخَصِّص المشروع 14.1 مليون دولار أميركي لأنظمة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، بما في ذلك الأجهزة والبرامج الحاسوبية والتراخيص والصيانة. كما سيُخَصِص المشروع 12.3 مليون دولار أميركي على مدى 3 سنوات للتمويل المرتبط بشروط حسن الأداء. وسيتم تخصيص المبلغ المتبقي من المشروع لاستثمارات في الطاقة النظيفة وغيرها من أنشطة الدعم الفني وبناء القدرات. ويأخذ تصميم المشروع في الاعتبار برامجَ الإدارة المالية التي يمولها شركاء التنمية الآخرين في لبنان من أجل تعزيز أوجه التآزر والتنسيق بين مختلف البرامج.
نبذة عن الصندوق الائتماني المُخصَّص للبنان (Lebanon Financing Facility):
أُنشِئ الصندوق الائتماني المُخصَّص للبنان في 4 ديسمبر/كانون الأول 2020 في أعقاب كارثة انفجار مرفأ بيروت وبعد إطلاق إطار الإصلاح والتعافي وإعادة الإعمار (3RF)، وهو صندوق ائتماني متعدد المانحين مدته خمسة أعوام، يهدف إلى جمع الهبات، وتعزيز التنسيق لموارد التمويل دعماً للتعافي الاجتماعي والاقتصادي لتلبية الاحتياجات الملحة للفئات الأشد احتياجاً ومؤسسات الأعمال التي تضررت من الانفجار. حتى الآن، بلغ مجموع المساهمات التي تلقاها الصندوق من حكومات كندا والدنمارك وفرنسا وألمانيا ومن الاتحاد الأوروبي 69.98 مليون دولار أميركي. وتبعاً لالتزام كل الأطراف المعنية من اللبنانيين بالإصلاحات الحيوية، سيوفر الصندوق الأساس للتعافي في الأمد المتوسط وإعادة الإعمار المستدام لمرفأ بيروت والأحياء المتضررة. ويُعطي الصندوق أولوية لثلاثة محاور رئيسية: 1) التعافي الاجتماعي والاقتصادي وتعافي قطاع الأعمال؛ 2) تهيئة الظروف للإصلاح وإعادة الإعمار؛ و3) تعزيز التنسيق والمتابعة والمساءلة والرقابة ضمن إطار الإصلاح والتعافي وإعادة الإعمار. ويستفيد الصندوق من المعايير المالية والتعاقدية الرفيعة المعتمدة من قبل البنك الدولي من خلال تطبيق إطاره المالي والتعاقدي للإدارة المالية والمشتريات والإجراءات الوقائية البيئية والاجتماعية. ويحرص الصندوق كذلك على أن تُعزِّز البرامج الممولة المساواة بين الجنسين والمشاركة المجتمعية وأن تدعم الفئات المستهدفة من النساء والشباب والسكان الأشد احتياجاً.