باكو، 20 نوفمبر/تشرين الثاني 2024 - قالت مجموعة البنك الدولي أن اليمن، الذي يئن بالفعل تحت وطأة صراع يمتد لعشر سنوات، يواجه مخاطرَ متزايدة ناجمة عن تغير المناخ، مما يزيد من حدة التهديدات القائمة، مثل ندرة المياه وانعدام الأمن الغذائي. جاء ذلك في تقرير المناخ والتنمية الخاص باليمن الذي أصدرته المجموعة مؤخراً، وألقت فيه الضوء على حاجته الماسة للاستثمارات المراعية للمناخ، ليتمكن من مواجهة التحديات الملحة المتعلقة بالمياه والزراعة وإدارة مخاطر الكوارث، مع وضع ما تعانيه البلاد من صراعٍ وهشاشةٍ في الاعتبار.
ووفقاً لما ورد بالتقرير، فإن اليمن يواجه ارتفاع درجات الحرارة، والأنماط غير المتوقعة لمعدلات هطول الأمطار، والتواتر السريع للظواهر الجوية بالغة الشدة، وما يرتبط بذلك من تأثيراتٍ كبيرة على السكان الأكثر احتياجاً، وعلى الآفاق الاقتصادية للبلاد. ويتعرض نصف سكان اليمن بالفعل لخطر واحد على الأقل يتصل بالمناخ؛ مثل الارتفاع الشديد في درجات الحرارة، أو موجات الجفاف، أو الفيضانات، مع آثارٍ مضاعفة على انعدام الأمن الغذائي والفقر. ومن المتوقع أن تزداد حدة هذه المخاطر دون اتخاذ إجراءات فورية، ويمكن أن ينخفض إجمالي الناتج المحلي السنوي لليمن بمتوسط 3.9% بحلول عام 2040 في ظل السيناريوهات المناخية غير المتفائلة، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى انخفاض الإنتاجية الزراعية، والأضرار التي لحقت بالبنية التحتية.
وعلى الرغم من هذه التحديات، يحدد التقرير الفرصَ الإستراتيجية لتعزيز القدرة على الصمود، وتحسين الأمن الغذائي والمائي، وفتح الآفاق أمام تحقيق النمو المستدام. فعلى سبيل المثال، يمكن أن تؤدي الاستثمارات الموجهة لتخزين المياه وإدارة المياه الجوفية، إلى جانب الاستثمارات في الزراعة المراعية لتغير المناخ، إلى زيادة إنتاجية المحاصيل بنسبة تصل إلى 13.5% في ظل سيناريوهات مناخية متفائلة للفترة من 2041 إلى 2050. ولا يزال القطاع السمكي في اليمن ضعيفاً، مع خسائر محتملة قد تصل إلى 23% بحلول منتصف القرن بسبب ارتفاع درجات حرارة البحر.
وتعليقاً على ذلك، قال ستيفان جيمبرت، المدير الإقليمي لمصر واليمن وجيبوتي بالبنك الدولي: "يواجه اليمن مجموعة متزامنة وغير مسبوقة من الأزمات - الصراع وتغير المناخ وارتفاع معدلات الفقر.. ويُعد اتخاذ إجراءات فورية وحاسمة بشأن القدرة على الصمود في وجه تغير المناخ، مسألة حياة بالنسبة لملايين اليمنيين. ومن خلال الاستثمار في الأمن المائي، والزراعة المراعية للمناخ، والطاقة المتجددة، يمكن لليمن حماية رأس المال البشري، وبناء القدرة على الصمود، ووضع الأسس لمسار نحو التعافي المستدام."
ويفيد التقرير بأن جميع سيناريوهات التنمية المستقبلية المحتملة في اليمن، ستتطلب جهوداً حثيثة لبناء السلام، والتزاماتٍ كبيرة من جانب المجتمع الدولي. وفي الوقت الذي يمكن للمساعدات الإنسانية دعم قدرة الأسر اليمنية على التعامل مع الصدمات المناخية، وبناء قدرة أوسع على الصمود، سيكون تأمين السلام المستدام مطلوباً لإفساح المجال أمام التمويل، واتخاذ الإجراءات اللازمة لبناء القدرة على الصمود، على المدى الطويل، في مواجهة تغير المناخ.
ويشدد التقرير على أن إدارة مخاطر الكوارث تُعد أمراً بالغ الأهمية، لا سيما مع تزايد تواتر الفيضانات المفاجئة، كما أن المناطق الحضرية والبنية التحتية الحيوية معرضة للخطر بشكل خاص، وفي غياب تدابير التكيف مع تغير المناخ، ستؤثر الصدمات الاقتصادية على المجتمعات المحلية الهشة بالفعل أكثر من غيرها. ويمكن أن تؤدي التحديات الصحية المرتبطة بالمناخ إلى تحميل اليمن تكاليف صحية إضافية بأكثر من 5 مليارات دولار بحلول عام 2050، مما يزيد من تكاليف الرعاية الصحية والضغط على الأنظمة الصحية التي تعاني بالفعل من الهشاشة. وتتطلب مواجهة هذه التحديات، دمج القدرة على التكيف مع تغير المناخ في خطط الصحة العامة، مع التركيز على الفئات الأكثر احتياجاً من السكان، مثل النساء والأطفال.
ويؤكد التقرير أيضاً أن اليمن يتمتع بإمكانات هائلة في مجال الطاقة المتجددة، والتي يمكن أن تكون مكوناً رئيسياً في استجابته لتغير المناخ وتعافيه منها. ولا يوفر تسخير موارد الطاقة المتجددة مساراً للحد من الاعتماد على الوقود الأحفوري فحسب، بل يتيح أيضاً إنشاء بنية تحتية للطاقة تكون أكثر قدرة على الصمود. وسيكون ذلك ضرورياً لدعم الخدمات الحيوية؛ مثل خدمات الرعاية الصحية، وإمدادات المياه، وتوزيع المواد الغذائية، لا سيما في المناطق المتأثرة بالصراع.
وفي السياق ذاته، صرح خواجة أفتاب أحمد، المدير الإقليمي لمؤسسة التمويل الدولية لمنطقة الشرق الأوسط بقوله: "للقطاع الخاص دور حيوي في مواجهة تحديات التنمية الملحة في اليمن. ومن شأن تسخير إمكاناته من خلال آليات التمويل المبتكرة وأدوات الضمان وخلق مناخ استثماري مناسب، من شأنه أن يسهم في تعبئة التمويل الذي يركز على المناخ الذي تحتاجه البلاد بشكل عاجل لبناء مستقبل أكثر مراعاة للبيئة وأكثر قدرة على الصمود."
ويؤكد التقرير على أهمية اتخاذ قرارات تتسم بالمرونة والوعي بالمخاطر من أجل تكييف الإجراءات المناخية مع المشهد السياسي غير المستقر في اليمن. ويتيح النهج القائم على السيناريوهات الذي اعتمده التقرير، استثمارات مناخية مصممة خصيصاً استناداً إلى تقدم اليمن نحو تحقيق السلام، أو نحو المزيد من تصعيد الصراع. وفي ظل سيناريو "السلام والازدهار"، يمكن تنفيذ مستوى أعلى من التكيف مع تغير المناخ، مما يؤدي إلى تحقيق منافع أكبر على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي.
تقارير مجموعة البنك الدولي القطرية عن المناخ والتنمية:
تمثل تقارير مجموعة البنك الدولي القطرية عن المناخ والتنمية دراساتٍ تشخيصية أساسية جديدة تتناول تغير المناخ واعتبارات التنمية. وستساعد هذه التقارير البلدان على تحديد الأولويات الخاصة بالإجراءات الأكثر تأثيرا للحد من انبعاثات غازات الدفيئة وتعزيز التكيف مع تغير المناخ، فضلا عن تحقيق الأهداف الإنمائية الأوسع نطاقاً. وتستند هذه التقارير إلى البيانات والبحوث الدقيقة، وتحدد المسارات الرئيسية للحد من انبعاثات غازات الدفيئة ونقاط الضعف المحددة إزاء أخطار تغير المناخ، ويشمل ذلك التكاليف والتحديات والمنافع والفرص الناجمة عن ذلك. وتوصي هذه التقارير باتخاذ إجراءات ملموسة ذات أولوية لدعم التحول نحو مسار منخفض الانبعاثات الكربونية وقادر على الصمود في مواجهة الصدمات. وتهدف هذه التقارير، بوصفها وثائق عامة، إلى إثراء معلومات الحكومات والمواطنين والقطاع الخاص وشركاء التنمية وتمكين المشاركة في أجندة التنمية والمناخ. وستمثل هذه التقارير مراجع لدراسات تشخيصية أساسية أخرى لمجموعة البنك الدولي ولأنشطتها في البلدان المعنية وأيضاً لعملياتها، وذلك بغرض المساعدة في جذب التمويل والتمويل المباشر.