رئيس مجموعة البنك الدولي
معهد بيترسون للاقتصاد الدولي
6 أبريل/نيسان 2011
مقدمة: ماذا حدث للتو؟
في أحيان كثيرة يكون لحدث ما أبعاد أكثر من الآثار المباشرة المترتبة عليه.
فمصادرة ميزان محمد البوعزيزي من العربة التي كان يبيع عليها الفواكه في ديسمبر/كانون الأول الماضي، وكيف تعرض للصفع على وجهه من شرطية أمام الملأ، وكيف تجاهل المسؤولون محاولته لتقديم شكوى، كلها عوامل دفعت هذا الشاب الذي بلغ به اليأس والإحباط مبلغهما إلى إضرام النار بجسده على مرأى ومسمع من الجميع. لقد أطلق انتحار البوعزيزي الشرارة التي أشعلت عاصفة من الاحتجاجات انتشرت انتشار النار في الهشيم في عموم تونس ومنها إلى الشرق الأوسط من أقصاه إلى أقصاه.
ومن خلال موقعي الفيس بوك والتويتر وغيرهما من مواقع التواصل الاجتماعي، أدى موت البوعزيزي إلى سقوط نظام استمرت آلته الإعلامية الرسمية تشير لأيام إلى هذه المأساة على أنها ليست سوى مجرد "حادث فردي"، غير أنه اتضح أن تونس بها عشرات الآلاف من أمثال البوعزيزي. والواقع أن هناك نماذج مماثلة للبوعزيزي في شتى أرجاء المعمورة، حيث يُحرم الرجال والنساء والأطفال الفرصَ والأملَ في مستقبل أفضل بسبب الفقر والاستبعاد الاجتماعي والحرمان والتعسف في استخدام القانون.
لكن الدروس المستخلصة من تونس والشرق الأوسط تتجاوز بكثير حدود منطقة أو بلد أو سوق بعينها؛ فثمة معاني كثيرة في موت بائع للفاكهة تفوق الاضطرابات السياسية التي تهز هذه المنطقة حالياً هزاً. وهناك دروس يمكن استخلاصها للمنطقة، وللعالم، وللحكومات، وللمؤسسات الإنمائية، وكذلك لعلم الاقتصاد.
تحديث نظام تعدد الأطراف: هل يختلف العالم العربي عن باقي العالم؟
لم أنفك أنادي، منذ توليت رئاسة البنك الدولي عام 2007، بضرورة "تحديث نظام تعدد الأطراف".
إن ذلك يعني إصلاح المنظمات الدولية، كمجموعة البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، كي تعكس على نحو أفضل واقع التحولات التي تحدث اليوم في القوى الاقتصادية في العالم؛
ويعني الضغط على مؤسساتنا كي يتسم عملها بقدر أكبر من السرعة والمرونة والانفتاح والإنصات لآراء البلدان والجهات المتعاملة معها؛
ويعني التركيز على إيجاد حلول عملية للمشاكل، وليس فقط مناقشة أحوال الفقراء باعتبارهم هدفاً لسياسات الخبراء؛
ويعني إضفاء الطابع الديمقراطي على اقتصاديات التنمية حتى يستطيع الجميع المشاركة في تصميم الحلول التنموية وتنفيذها وتحسينها باستمرار؛
ويعني الإقرار بأن المؤسسات الدولية، التي جرى تصميمها وفق الهياكل الهرمية السائدة في منتصف القرن العشرين، في حاجة الآن إلى التواصل بمزيد من السرعة عبر الشبكات العالمية الفعلية التي تضم الحكومات، ومؤسسات القطاع الخاص، وجماعات المجتمع المدني، والوكالات الدولية الأخرى، والبرلمانيين؛
ويعني عدم السماح باستخدام "تعدد الأطراف" على نحو يصبح معه ذريعة لتقاعسنا عن العمل؛ ولابد أن نعمل على إنجاح نظام تعدد الأطراف؛
ويعني أن نلقي في طيات التاريخ تلك التصنيفات القديمة للعالم التي قسمته إلى عالم "أول" و"ثان" و"ثالث"، مع الإقرار بأن الافتراضات المتعلقة بتدفق المعرفة والقوى من الشمال إلى الجنوب، ومن الغرب إلى الشرق، ومن الدول الغنية إلى الدول الفقيرة لم تعد قائمة.
لكن طي صفحات هذه التصنيفات والتقسيمات لا يعني القول بتماثل الظروف في جميع البلدان والمناطق.
وإدراكاً منا لهذه الفروق والاختلافات، أطلقنا في عام 2007 مبادرة خاصة بالعالم العربي باعتبارها أحد محاور التركيز الإستراتيجية الست للبنك الدولي. وتساءل البعض آنذاك، لماذا كل هذا التركيز؟
وفي كلمتي خلال اجتماعاتنا السنوية لعام 2007، قلت: " من بين أبرز التحديات في عصرنا الحالي كيفية مساندة البلدان الساعية إلى النهوض بالتنمية وإتاحة الفرص في العالم العربي. ففي الماضي، كانت تلك البلدان مركز التجارة والعِلم، وهو ما يشير إلى وجود إمكانات وقدرات يمكن الاستفادة منها إذا استطاعت تخطّي الصراعات والحواجز التي تعوق تحقيق النمو والتنمية الاجتماعية. وبدون تحقيق النمو عريض القاعدة، فإن تلك البلدان ستعاني من توترات اجتماعية وأعداد كبيرة من الشباب والشابات غير القادرين على العثور على فرص العمل." “
كانت أسباب الاهتمام الخاص بالعالم العربي واضحة لنا حينذاك، وهي أكيدة الآن: فمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، لو نحينا قطاع النفط جانباً، غير مندمجة اندماجاً فعالاً في الاقتصاد العالمي. كما أن بها أعلى معدلات للبطالة على مستوى مناطق العالم النامية؛ وأعلى معدلات للبطالة بين أوساط الشباب الأكثر تعليماً؛ وأدنى معدلات للمشاركة الاقتصادية للمرأة.
وتعاني البلدان الفقيرة والأكثر ثراءً، على حد سواء، افتقار اقتصاداتها إلى التنوع، وضعف المساءلة العامة، وتفشي الفساد، وتعدد النزاعات.
وتعتمد اقتصاداتها اعتماداً كبيراً على صادراتها من النفط والسلع الأولية. ففي عام 2008، لم تزد صادراتها غير النفطية على 16 في المائة من إجمالي ناتجها المحلي، مقابل 44 في المائة في منطقة شرق آسيا.
وغياب التنوع يعني أن المنطقة ليس بها قطاعات صناعية وخدمية نشطة وفاعلة يمكنها توفير الوظائف في الحاضر والمستقبل.
ونظراً لأن متوسط استثمارات القطاع الخاص لا يزيد على نحو 15 في المائة من إجمالي ناتجها المحلي مقارنة بما يقارب 25 في المائة في منطقة جنوب آسيا، فإن الأعداد الكبيرة من الشباب الباحثة عن الوظائف في المنطقة لا تجد سبيلاً أمامها سوى الالتجاء إلى الحكومات حيث تقل الوظائف الجديدة، أو النزول إلى الشارع.
ورغم هذا كله، حققت المنطقة بعض التقدم؛ إذ تحسنت مؤشرات مثل: معدلات وفيات الرضع والصحة النفاسية والإلمام بالقراءة والكتابة والعمر المتوقع عند الميلاد، كما انخفضت نسبة السكان الذين يعيشون على أقل من 1.25 دولار في اليوم للفرد.
وعلى الصعيد الاقتصادي، كانت هناك مكاسب في أداء الاقتصاد الكلي؛ وشهدت بعض البلدان نمواً اقتصادياً مطرداً بالرغم من أن وتيرته لا تكفي لتلبية الطلب على فرص العمل. وقبل اندلاع الأزمة العالمية، كانت هناك بعض العلامات المبكرة الدالة على تحسن تدفقات الاستثمارات الأجنبية.
لكن المؤسسات ظلت جامدة ومتصلبة، وكان التحديث جزئياً للغاية، واعتمد على عدد قليل من الإصلاحيين، مما تعذر معه أن يضرب بجذوره. وأعاقت جهود الإصلاح من القمة إلى القاعدة مشاركة الجمهور أو الشكوى من المظالم، وتم التخلي عن الأشكال التقليدية للمشاورات المجتمعية، وأصبحت النخب الحاكمة منعزلة.
من السياسة إلى الاقتصاد، ما الذي يتعين القيام به؟
في العام الماضي، ألقيت كلمة تساءلت فيها: إلى أين أوصلتنا اقتصاديات التنمية؟ وهل كانت مفيدة لنا؟
وطالبت فيها بإلحاح بأن نجعل اقتصاديات التنمية أداة عملية تعود بالنفع على الناس: الوزراء وواضعي السياسات وقادة المجتمعات المحلية... نعم وبائعي الفاكهة أيضاً، وألا تكون مجرد نظريات محضة فقط. إن الاقتصاد الذي يلبي احتياجات رجل الشارع ويتفهم تطلعاته هو اقتصاد سوق بارع.
ولعل أي منطقة أخرى في العالم لن تكون أكثر حاجة إلى ذلك من منطقة الشرق الأوسط.
قبل أسبوعين، عقدنا مؤتمراً بالبنك الدولي للاستماع للأصوات العربية: جماعات شبابية، وجماعات نسائية، وأدوات تغيير.
ماذا يريدون؟
يريدون الفرص والعدالة والوظائف.
يريدون قوانين وتشريعات تتسم بالإنصاف والوضوح والشفافية.
يريدون توفير الطعام والمأوى لأسرهم، ومدارس جيدة لأطفالهم، والعيش في أمان في أحيائهم.
يريدون من الشرطة أن تكون في خدمة الشعب وليست سيفاً مسلطاً على أعناقه؛ يريدون حكومات تحظى بثقتهم.
يريدون أن يكون لهم صوت، وأن تكون هناك مساءلة ـ ـ يريدون ذلك في القرى والبلدات والأحياء.
يريدون أن يكون لهم رأي في الخدمات العامة التي انحرفت عن مسارها بحيث باتت لا تصغي لآراء الجمهور ولا تقدم أية خدمة فعلية.
يريدون الحصول على المعلومات والحق في المعرفة وفي المشاركة.
يريدون عقداً اجتماعياً جديداً.
يريدون العيش بكرامة.
يريدون أن يحظوا بالاحترام.
وإذا كن نساءً فيردن الحقوق نفسها كاملة غير منقوصة.
وهنالك بين هذا الحضور من سيقول: نعم... قد يكون ذلك هو ما يريدونه، لكنه يتعلق بالسياسة وليس بالاقتصاد.
وأنا هنا أقول: ربما كانت السياسة، كما نراها، مسؤولة عن جانب من ذلك، لكن معظمه بالتأكيد يتعلق بالرشد الاقتصادي وحسن التدبير؛ فهي أمور في معظمها مفيدة، كما نعلم، في مكافحة الفساد، وفي تحقيق التنمية المستدامة التي تشمل الجميع.
القيام بالتنمية بطريقة مختلفة: عقد اجتماعي جديد
قبل عشرين عاماً، لم يكن البنك الدولي يتحدث عن "الفساد"، واكتفى موظفونا بالإشارة إلى الحرف الأول من الكلمة فقط، وقالت البلدان المساهمة ومجلس مديرينا التنفيذيين إن التعرض لقضايا الفساد ينطوي على تدخل في الأمور السياسية بأكثر مما ينبغي، ومن ثم مارسنا رقابة ذاتية وحذفنا ما يتعلق بذلك من وثائقنا. لكن مكافحة الفساد أصبحت اليوم جزءاً أساسياً من مشروعات البنك الدولي وبرامجه. والبلدان المساهمة تعلم جيداً أن الفساد عبء ثقيل على اقتصاداتها، وله تكلفة باهظة على الفقراء، ويخل بمبدأ تكافؤ الفرص.
وقبل ثمانية عشر عاماً، لم يتحدث البنك الدولي عن قضايا المساواة بين الجنسين سوى في النزر اليسير. وذهب البعض أيضاً إلى القول نفسه وساق المبررات والحجج نفسها. واليوم، فإننا نعلم أن المساواة بين الجنسين هي اقتصاد حصيف قوامه حسن الاستفادة من الموارد البشرية؛ فالبلدان التي ترتفع فيها المساواة بين الجنسين تنخفض فيها في العادة معدلات الفقر؛ ويرتفع احتمال بقاء أحد الأطفال على قيد الحياة بنسبة 20 مثلاً حين يكون الدخل في يد الأم؛ ويمكن أن ترتفع الإنتاجية الزراعية بنحو 20 في المائة في بعض البلدان عند السماح- ببساطة- بقدر أكبر من التحكم للمرأة في المستلزمات الزراعية.
ولم نبدأ في الحديث عن الشفافية إلا قبل عشر سنوات فقط. واليوم، فإن البنك الدولي هو المؤسسة متعددة الأطراف الوحيدة التي لديها سياسة واسعة النطاق لحرية تداول المعلومات؛ فقد فتحنا أبواب قواعد بياناتنا وبحوثنا للجمهور، ونشرنا أكثر من سبعة آلاف مجموعة بيانات؛ ونعكف حالياً على تصميم تطبيقات برمجية، وإقامة مسابقات لابتكار تطبيقات من شأنها تمكين الباحثين والممارسين ومنظمات المجتمع المدني من معالجة الأرقام الخاصة بهم ـ ـ وإعادة التأكد من الأرقام الخاصة بنا.
مكافحة الفساد، المساواة بين الجنسين، الشفافية: قضايا بات ضرورياً في ظل طرحها أن تستمر مجموعة البنك الدولي في إعمال النقد الذاتي بغية تجديد الأفكار بشأن التنمية.
كما بات ضرورياً أن يكون نظام تعدد الأطراف الحديث منفتحاً أمام الأفكار الجديدة.
لكن، لا يجوز أن نتوقف عند هذا الحد.
نعرف أنه من الأهمية بمكان قيام البلدان بنشر إحصاءاتها الاقتصادية، وتفعيل استقلالية وظائف مراجعة الحسابات لديها، أو تعزيز شفافية ماليتها العامة.
ونعرف أنه في مصر، على سبيل المثال، لم يتم حتى نشر العديد من الإحصاءات الاقتصادية الأساسية على الجمهور. لقد عملنا، قبل بضع سنوات، مع الإصلاحيين في مصر على صياغة مشروع قانون تنظيم حرية تداول المعلومات، إلا أنه بقي حبيس الأدراج في نظام يتحرك ببطء شديد.
وقد أحيت الحكومة الانتقالية حالياً مشروع القانون هذا، وترغب في الحصول على المساعدة من البنك في إضفاء مزيد من الشفافية على الإيرادات في قطاعي النفط والغاز.
وفي تونس، تتخذ السلطات حالياً خطوات لاسترداد الأموال التي نهبها النظام السابق على الصعيدين المحلي والدولي، ولتعزيز حرية تكوين الجمعيات والحصول على المعلومات.
نعرف أهمية الشفافية في أنظمة التوريدات والمشتريات؛ فنظم إدارة التوريدات في أي بلد يمكنها المساعدة في مكافحة الفساد، وخلق المنافسة، واختصار النفقات، مما يؤدي بدوره إلى تحسين الخدمات العامة. ونحن نعمل الآن مع 41 بلداً في مختلف أنحاء العالم لتحسين الشفافية والقدرة على المنافسة وكفاءة التوريدات الحكومية.
كما عملنا مع 34 بلداً لتحسين قدرة المواطنين على الوصول إلى المعلومات العامة.
وتساعد مؤسسة التمويل الدولية، وهي ذراع مجموعة البنك الدولي المعنية بالتعامل مع القطاع الخاص، حالياً في إعداد قواعد حوكمة الشركات في 64 بلداً، وتعمل مع أكثر من 3200 شركة.
وهذه ليست قضايا فنية جافة؛ كما أنها ليست ترفاً ولا كماليات تقتصر على البلدان المتقدمة. فهي تنعكس على نوعية نظم الحكم الرشيد؛ وتؤدي إلى تحسين السياسات العامة؛ وتعطي إشارة واضحة بشأن أهمية النزاهة؛ وتبرهن على احترام الجمهور العام. كما أنها تتناول الموظفين العموميين باعتبارهم مؤتمنين على المال العام. إن هذه القضايا قد تبدو سياسية، لكنها بالتأكيد ذات طبيعة اقتصادية.
وهذه الموضوعات جزء من اقتصاديات الاختيار العام. وقد نبَّهنا أصحاب نظرية الاختيار العام إلى ضرورة التفكير في الأسلوب الفعلي لعمل الحكومات، مقارنةً بأسلوب العمل الذي نرغبه. وطالب المدافعون عن هذه النظرية بتحسين الحوافز والفرص المتاحة للمواطنين لمراقبة عمل الحكومة بمزيد من الفاعلية. وكانوا على حق في ذلك.
أهمية المؤسسات
إن الأحداث التي تعصف اليوم ببلدان الشرق الأوسط بالغة الأهمية.
لكنها لا تختلف عما وقع في الماضي.
فالمهانة التي تعرض لها بائع الفاكهة في تونس تعيد إلى الذاكرة المضايقات والتحرشات التي تعرض لها أحد القساوسة من ذوي الأصول المجرية في رومانيا في عام 1989؛ إذ تحولت الاحتجاجات التي اندلعت في ذلك الوقت إلى انتفاضة دموية أنهت حكم الدكتاتور الروماني نيكولاي شاوشيسكو الذي استمر 22 عاماً، تماماً كما كان الحال بالنسبة للاحتجاجات التي اندلعت في تونس والتي وضعت حداً لحكم الرئيس زين العابدين بن علي.
لكن على الرغم من أن الشرارة التي أشعلت الاحتجاجات في كلا البلدين قد تكون مماثلة، فإن تطور المسار الذي تأخذه أي ثورة لا يمكن التنبؤ به.
ولا نعرف حتى الآن ما إذا كان عام 2011 يشبه السنوات 1989 أو 1979 أو 1968 أو 1848 أو....
لكننا نعرف، وهو ما تؤكده مطبوعة البنك الدولي الصادرة بعنوان "تقرير عن التنمية في العالم 2011:" الصراع والأمن والتنمية" التي ستصدر الأسبوع المقبل، أن لتدعيم المؤسسات الشرعية والحكم الرشيد من أجل توفير الأمن والعدالة وفرص العمل للمواطنين أهمية بالغة في كسر الدوامات المتكررة لعدم الاستقرار والعنف.
فالشخصيات البطولية ليست كافية، كما أن إصلاح الأجهزة الإدارية الحكومية ليس كافياً. أما ما يهم فهو مشاركة المواطنين، ووجود اتصال واضح بين المجتمع والحكومة.
وسيعمل البنك الدولي مع الحكومات بالمنطقة، وفي مختلف أنحاء العالم، للمساعدة في تدعيم درجة فاعليتها وخضوعها للمساءلة. لكن مدى نجاح جهودنا سيختلف من بلد إلى آخر، وذلك تبعاً لمدى رغبة الحكومات في الإصلاح، ومضيها نحو المزيد من الانفتاح.
فإذا أتاحت الحكومات الفرص أمام القطاع الخاص، وتحركت إلى طور ما بعد حكم الأقلية واحتكارات القلة، واستفادت من طاقات مجتمعاتها، واحترمت خيارات جماهيرها، فسيكون هناك الكثير مما يمكننا القيام به.
علاوة على ذلك، من غير الممكن أن يبلغ أي بلد كامل إمكاناته إذا تجاهل قدرات نصف شعبه ـ ونعني هنا النساء والفتيات.
ورسالتنا إلى البلدان المتعاملة معنا، أياً كانت أنظمتها السياسية، هي أنه لا يمكن لجهود التنمية أن تكلل بالنجاح في غياب الحكم الرشيد ومشاركة المواطنين.
وسنعمل على تشجيع الحكومات على نشر المعلومات، وسن قوانين تنظيم حرية تداول المعلومات، والإفصاح عن إجراءات إعداد موازناتها وعمليات التوريدات والمشتريات أمام الجمهور، واستحداث وظائف مراجعة مستقلة، ورعاية إصلاحات أجهزة العدالة.
ولن نقدم قروضاً مباشرة لتمويل الموازنات في البلدان التي لا تنشر موازناتها، أو تلتزم، على الأقل في بعض الحالات الاستثنائية، بنشر موازناتها خلال فترة لا تتجاوز اثني عشر شهراً.
وسنتيح للبلدان المتعاملة معنا أمثلة توضح كيفية نجاح جهود تحسين أسلوب إدارة الحكم وزيادة مشاركة المواطنين في بلدان نامية أخرى.
ففي المكسيك، استخدمت مجموعة تضم ست منظمات غير حكومية قانون حق الحصول على المعلومات لمعرفة المزيد عن أحد القرارات التعسفية بإعادة تخصيص مبلغ 3 ملايين دولار من أموال الدولة المخصصة أصلاً لأحد برامج الوقاية من فيروس ومرض الإيدز. وتم عرض هذه المعلومات على الإصلاحيين بالحكومة المكسيكية؛ مما أدى إلى وضع آليات رسمية للمساءلة، منها إجراء مراجعات منتظمة لتخصيص اعتمادات الموازنة.
وفي جنوب أفريقيا، قام برنامج معني برصد المساءلة في الخدمات العامة، تديره جامعة رودس بالتعاون مع المؤسسات العليا لمراجعة الحسابات، باستخدام مبدأ الشفافية لتحسين تطبيق اللوائح المالية العامة، مما أدى إلى تحسين تقديم الخدمات.
أهمية المواطنين
للمؤسسات أهمية كبيرة، وكذلك الحال بالنسبة للمواطنين.
فالمجتمع المدني النشط يمكنه أن يراقب إجراءات إعداد الموازنات، وأن يطلب الحصول على المعلومات وينشرها، وأن ينتقد الأجهزة الإدارية الحكومية المعوقة، وأن يحمي الملكية الخاصة، وأن يتابع تقديم الخدمات. ويمكن للمجتمع المدني أن يصر على تفعيل احترام حقوق المواطنين، ويمكنه أن يضطلع بمسؤولياته الأخرى أيضاً.
فالجمهور الذي يتمتع بأسباب التمكين والقوة هو الأساس لمجتمع أكثر قوة، وحكومة أكثر فاعلية، ودولة أكثر نجاحاً.
وتتوفر لدينا الشواهد الدالة على ذلك من عمليات الاستثمار في مجال التنمية المدفوعة باعتبارات المجتمعات المحلية في مختلف أنحاء العالم، حيث تقدَّم الأموال مباشرة إلى المجتمعات المحلية حتى يمكنها اتخاذ قراراتها وفقاً لأولوياتها، والإشراف على مشروعاتها، وتتبع أوجه إنفاق هذه الأموال. ومن الممكن أن يكون تمكين المواطنين، حتى وإن اعتراه بعض النقصان، أداة بالغة القوة. فعلى مدى السنوات العشر الأخيرة، ساند البنك الدولي عشرات الآلاف من القرى والأحياء من خلال مشروعات التنمية المدفوعة باعتبارات المجتمعات المحلية في 100 بلد.
وقد رأينا آثار ذلك في أوغندا عندما تم نشر موازنات المدارس المحلية على أبواب المدارس حتى يتسنى لأولياء الأمور تتبع مدى توفّر الكتب الدراسية أو المعلمين، وتحسن النتائج.
وفي الصين، جرى استخدام "التصويت على أساس التداول والتحاور" في المجتمعات المحلية الريفية للتشاور حول تعرفة المياه أو الكهرباء أو إعادة توطين المزارعين. وقد بدأ بعض المسؤولين الصينيين في إجراء استطلاعات للرأي لتقييم مستوى الأداء. ويقوم البنك الدولي حالياً بتمويل مشروع للحد من الفقر في 70 قرية فقيرة يستفيد من عناصر التنمية المدفوعة باعتبارات المجتمعات المحلية لمساندة عمليات صنع القرارات الجماعية، والإدارة، ومتابعة التنمية المحلية.
ويُمكِّن استخدام التكنولوجيا الجديدة من زيادة فاعلية الحصول على التعليقات والمعلومات التقييمية في حينه، وتصميمها حسب الاحتياجات.
لننظر إلى السنغال، على سبيل المثال، حيث يعتزم أحد برامج المجتمعات المحلية متابعة أوضاع تغذية الأطفال عن طريق استخدام الرسائل النصية لمعرفة وزن الأطفال وحالتهم الصحية.
أو لننظر إلى مشروع يوشاهيدي، وهي كلمة تعني الشهادة، الذي دشنته في البداية مجموعة من الشباب الأفارقة في كينيا، ولكنه الآن أصبح ظاهرة عالمية. ويُمكِّن هذا المصدر- المفتوح والمتاح للجمهور - المستخدمين في مختلف أنحاء العالم من تقديم أشكال عدة من المعلومات والصور الرقمية وتسجيلات الفيديو من خلال الهواتف المحمولة التي يمكنها إرسال الرسائل النصية، والهواتف الذكية، والموقع الإلكتروني للمشروع.
لقد نما مشروع يوشاهيدي، الذي أُنشئ في الأصل لرصد الأحداث التي تلت الانتخابات في كينيا في عام 2008 والتعاطي معها، ليُمكِّن المستخدمين في أنحاء المنطقة من تتبع بيانات التفشي العالمي لفيروس أنفلونزا الخنازير، أو رصد جهود إغاثة ضحايا زلزالي هايتي وشيلي.
ويساند البنك الدولي حالياً مبادرات مماثلة تستهدف تعزيز المساءلة الاجتماعية.
ففي أفريقيا، يقوم البنك بحفز الجهود لإنشاء ائتلافات "لمراقبة التعاقدات" داخل البلدان من منظمات المجتمع المدني والحكومة والقطاع الخاص، وذلك بغرض الدفاع عن الشفافية ومراقبة ترسية العقود وتنفيذها، بما في ذلك عقود الامتياز المتعلقة بالصناعات الاستخراجية.
ويهدف البنك، من خلال برنامجه "رسم خرائط خاصة بالنتائج المتحققة" إلى التواصل مع المنتفعين عن طريق الهواتف المحمولة والأجهزة اليدوية للحصول على معلوماتهم التقييمية بشأن المشروعات، حتى يمكننا- بالعمل معاً- التحقق من النتائج الفعلية ومن ثم تحسينها.
ويعمل البنك مع الشبكات التابعة المعنية بالمساءلة الاجتماعية، ويشمل ذلك المساعدة في إطلاق ومساندة شبكة جديدة خاصة بالعالم العربي: وهي شبكة إقليمية من الممارسين بشأن أسلوب الحكم النيابي المستند إلى إرادة الشعوب والمشاركة، والمساءلة الاجتماعية في مختلف أنحاء العالم العربي، ومن المقرر إطلاقها هذا العام.
ضرورة تطور نظام تعدد الأطراف الحديث
في عام 1944، قامت الحكومات بإنشاء البنك الدولي بغرض تقديم القروض لحكومات البلدان المساهمة.
وفي عام 1956، أنشأت البلدان المساهمة مؤسسة التمويل الدولية بغرض الاستثمار في القطاع الخاص.
والآن، ربما حان الوقت للاستثمار في مؤسسات القطاع الخاص غير الهادفة للربح ومنظمات المجتمع المدني، وذلك بغرض المساعدة في تقوية قدرات المنظمات التي تسعى إلى تعزيز الشفافية والمساءلة في مجال تقديم الخدمات.
تبرز إستراتيجية البنك الدولي الخاصة بالحوكمة ومكافحة الفساد، التي يدعمها مجلس مديريه التنفيذيين، أهمية توسيع نطاق عملنا مع المواطنين المعنيين من خلال جملة من الإجراءات منها تدعيم الشفافية، والمشاركة، ورصد عمليات البنك من قبل الغير.
ووجد استعراض أُجري مؤخراً للصندوق الياباني للتنمية الاجتماعية التابع للبنك الدولي أن إشراك منظمات المجتمع المدني يؤدي إلى تحسين أداء المشروعات. كما أظهرت دراسات خارجية أنه عندما تشارك منظمات المجتمع المدني في تصميم الخدمات العامة ورصدها وتقييمها وإدارتها، يجري استخدام الموازنات استخداماً أفضل، وتصبح الخدمات أكثر استجابة وتلبية للاحتياجات وطلبات المواطنين، ويقل الفساد.
ونحن نعمل بالفعل مع المجتمع المدني والمستفيدين في أكثر من نصف عملياتنا الجديدة.
لكن كي تتمكن من المشاركة بفاعلية، يجب على جماعات المجتمع المدني العمل على بناء قدراتها. ويُعتبر صندوق الحوكمة والشفافية البريطاني من الجهات الرائدة في تقديم الدعم العام.
وأرى أنه قد حان الوقت أن يقوم البنك الدولي، مع مديريه التنفيذيين والبلدان المساهمة، بدراسة ما إذا كان البنك بحاجة إلى قدرات أو برامج جديدة يمكنها حشد الدعم من البلدان ومؤسسات العمل الخيري وغيرهما بغرض تقوية قدرات منظمات المجتمع المدني التي تعمل على تعزيز المساءلة والشفافية في تقديم الخدمات. ويمكن للبنك الدولي أن يعطي أولوية للبلدان الواقعة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وفي منطقة أفريقيا جنوب الصحراء. ويمكننا دعم هذا العمل برأس مال أولي لبدء عمله، ومن خلال تبادل المعرفة والبحوث التي تستهدف تحسين البيئة المواتية من أجل ترسيخ المساءلة الاجتماعية.
هل يُعد ذلك من قبيل التدخل في الأمور السياسية؟
لابد أن يقر نظام تعدد الأطراف الحديث، بشكل أو بآخر، أن الاستثمارات في المجتمع المدني والمساءلة الاجتماعية لا تقل في أهميتها، بالنسبة لعملية التنمية في بلدان الشرق الأوسط وخارجها، عن الاستثمارات في مجالات البنية التحتية أو الشركات أو المصانع أو المزارع.
خلق المزيد والمزيد من فرص العمل
يمكن أن تحدث المؤسسات الشرعية والمواطنون المتمتعون بأسباب القوة والمنعة والتمكين، تغيرات إيجابية واسعة. لكن المواطنين مازالوا بحاجة إلى الوظائف.
لقد سعت حكومات بلدان الشرق الأوسط إلى التعامل مع ارتفاع معدلات البطالة عن طريق استخدام مزيج من التدابير والسياسات، منها القمع السياسي، والتوظيف بالقطاع العام، وتقديم الدعم لأسعار الغذاء والوقود وغيرهما من المواد والسلع الضرورية.
لكن هذه التدابير في الواقع لم تحقق شيئاً سوى كسب بعض الوقت؛
إذ أدت التدابير المكلفة والمفتقرة إلى الكفاءة إلى استشراء محاباة الأقارب بدلاً من تلبية الاحتياجات؛ والمحسوبية بدلاً من القدرة على المنافسة؛ والفساد بدلاً من ترسيخ أسس الاقتصاد الرأسمالي.
وتشير تقديرات منظمة العمل الدولي إلى أن معدل البطالة في الشريحة العمرية 15-24 عاماً في منطقة الشرق الأوسط يبلغ 25 في المائة. وكشفت دراسة استقصائية للبنك الدولي شملت 1500 شاب وشابة أن معدلات البطالة الفعلية أو المتصورة كانت أعلى من ذلك، في حدود 35-40 في المائة. وتبلغ نسبة البطالة بين الشابات في مصر والأردن 40 في المائة.
وتشير التقديرات إلى أن التكلفة المباشرة للفرص البديلة للبطالة بين الشباب في العالم العربي تصل إلى 50 مليار دولار سنوياً.
وتواجه حكومات بلدان الشرق الأوسط حالياً توقعات هائلة من شريحة الشباب؛ فهم يريدون وظائف الآن. وينطوي التقاعس عن معالجة هذه المشكلة أو معالجتها معالجة خاطئة على مخاطر كبيرة.
ولا تقل أهمية إصلاح السياسات عن أهمية توفير الموارد المالية.
لكن الإصلاحات المتعلقة بالسياسات يجب أن تستند إلى عملية تشاورية عريضة القاعدة تضم شرائح المجتمع كافة، بما في ذلك الشباب المعنيون. ويجب أن تتسم الإصلاحات بالشفافية والسرعة.
ولابد أن يمعن واضعو السياسات النظر في إيجاد حلول متكاملة تغطي الأمد القصير والمتوسط والطويل.
وفي الأمد القصير، قد تكمن الأولوية في تطبيق حلول سريعة المردود لبناء الثقة وحشد التأييد السياسي.
وقد يعني ذلك القيام بمشروعات قصيرة الأمد كثيفة الاستخدام للأيدي العاملة. لكن، ينبغي ألا يعني زيادة ترهل القطاع العام المتخم أصلاً، وألا يعني خلق وظائف من شأنها تقويض إمكانية خلق القطاع الخاص لفرص العمل في الأمدين المتوسط والطويل.
ويظهر استعراض للبنك الدولي عام 2009 للمبادرات كثيفة الاستخدام للأيدي العاملة في 43 بلداً منخفض ومتوسط الدخل على مدى 20 عاماً أن بوسع البرامج جيدة الإدارة، التي تعطي رواتب لا تنفر من العمل في القطاع الخاص، تقديم المساعدة للفقراء والشرائح المعرضة للمعاناة.
ففي ليبريا، أدت خطة توظيف طارئة إلى خلق 90 ألف فرصة عمل في غضون عامين. وأتاح البرنامج الوطني للطرق الريفية في أفغانستان 12.4 مليون يوم عمل، وأدى إلى إنشاء أو إصلاح 10 آلاف كيلومتر من الطرق. وساعد ذلك على سرعة تثبيت الأوضاع الهشة في كلا البلدين.
وفي تونس والأردن ولبنان، هناك برامج خدمات للشباب يمكن التوسع فيها، مثل توظيف خريجي الجامعات في تعليم المجتمعات المحلية الفقيرة.
ويمكن أن تشمل الحلول سريعة المردود إرسال إشارات مبكرة للقطاع الخاص لإظهار الالتزام بمساندة أصحاب مشروعات العمل الحر، والمنشآت الصغيرة، والمستثمرين.
ويمكن لتدابير، مثل: الحد من الإجراءات الروتينية، وتسريع إجراءات الموافقة على إصدار التراخيص، وإصلاح قوانين شهر الإفلاس، وتخفيف أوجه الجمود لدى الهيئات التنظيمية، أن تشكل إشارات بحدوث التحول والتغيير. هل تذكرون مشاعر الإحباط لدى بائع الفاكهة التونسي الذي سعى لكسب لقمة عيشه دون أن يحصل على تراخيص حكومية، وما تعرض له من منازعات مستمرة بشأن المكان، ومضايقات وتحرشات دائمة من صغار الموظفين؟ لا شك أن حكومات المنطقة ستحسن صنعاً إن تذكرته أيضاً.
وإذا ما قامت الحكومات بدور ريادي في هذه الإصلاحات، فيمكن لمجموعة البنك الدولي وغيرها تعظيم المكاسب من خلال تشجيع بعض الاستثمارات الكبيرة. ففي أوائل الستينيات، شهدت كوريا ظروفاً مماثلة. وينبغي لبلدان منطقة الشرق الأوسط اليوم، شأنها شأن كوريا حينذاك، العمل على تحقيق توسع سريع في الصادرات كثيفة الاستخدام للأيدي العاملة.
إن الحلول سريعة المردود قصيرة الأمد بطبيعتها، بيد أن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تواجه اليوم مشكلة تتعلق بتوفير فرص العمل في الأمد الطويل.
وخلال السنوات العشر المقبلة، سيتعين على المنطقة خلق 40 ألف فرصة عمل على أقل تقدير.
ووصف ماركوس نولاند وهاورد باك في كتاب لهما بعنوان "الاقتصادات العربية في عالم متغير"، صدر هنا في عام 2007 عن معهد بيترسون للاقتصاد الدولي، بعض السياسات الواجب تطبيقها في هذا الصدد.
فكي تتمكن من خلق فرص العمل وزيادة الإنتاجية وتحسين الاندماج في الاقتصاد العالمي، سيتعين على بلدان المنطقة الاستعانة بالدراية الفنية ووسائل التكنولوجيا وأنظمة الصناعات التحويلية والنظم اللوجستية من الخارج، سواء أكان ذلك عن طريق استثمارات أجنبية، أم عقود تراخيص أم غير ذلك من علاقات وأشكال العمل، وذلك حتى تتمكن من إخراج اقتصادات المنطقة من تقوقعها.
ويمكن للظروف الجديدة أن تعطي دفعة أخرى لجهود إزالة الحواجز أمام اندماج المنطقة التي مازالت متأخرة في هذا الصدد عن باقي مناطق العالم.
وسيتعين سد الفجوة بين المناهج التعليمية ومتطلبات سوق العمل، وبمقدور التعليم الفني تسريع وتيرة استيعاب الأفكار وأفضل الممارسات.
ويمكن للسياسات العامة، عند توفر الحوافز الصحيحة، أن تساعد على نجاح التدابير التي يقوم بها القطاع الخاص: تقوم مؤسسة التمويل الدولية حالياً بتنفيذ برنامج استثمار جديد للتعليم من أجل التوظيف (E-4-E )، يهدف إلى إعطاء دفعة لعلاقات الشراكة بين القطاعين العام والخاص من أجل التدريب المهني والفني الذي يحركه الطلب.
وستكون الخيارات الاقتصادية التي تتخذها بلدان المنطقة بالغة الأهمية. ففييتنام والجزائر كانتا مستعمرتين فرنسيتين وعانتا لسنوات طويلة من الحروب الأهلية، وقد بادرت فييتنام وانتهزت الفرص المتاحة للانفتاح على الأسواق والتكنولوجيا العالمية، مستندة في ذلك إلى النماذج الآسيوية. وستضيء نماذج النجاح في بعض البلدان العربية الطريق أمام بلدان أخرى بالمنطقة كي تحذوا حذوها؛ فهناك العديد من الطرق لتحقيق الرخاء والازدهار، لكن يتعين السير في إحداها؛ فالتقاعس عن القيام بما يلزم لا يؤدي إلى شيء.
شبكات الأمان
الحقيقة أنه ستكون هناك قلة في الوظائف المتاحة في الأمد القصير، في الوقت نفسه سيكون هناك نشاط كبير في العمل السياسي.
ونحن نعرف أن الحصول على وظيفة هو أفضل شبكة أمان مع مرور الوقت.
لكن في الأمد القصير، فإن توفر شبكة أمان تقوم بوظائفها على الوجه الصحيح هو أفضل شبكة أمان يمكن إتاحتها ـ ـ أي تعمل بكفاءة وفاعلية ولا تشكل عبئاً ثقيلاً على كاهل الاقتصاد.
ومع تصاعد أسعار الغذاء والوقود، وارتفاع معدلات البطالة، والتعرض لضغوط سياسية، ستكون الحكومات أكثر ميلاً للاستمرار في مساندة برامج الدعم الشامل بدلاً من الاقتصار على التحويلات الموجهة.
لكن بالنسبة للكثير من البلدان التي لديها نسبة كبيرة من الأسر التي تعيش قرب خط الفقر، فإن الفقراء والضعفاء هم المحتاجون للحماية أكثر من غيرهم.
ففي جيبوتي، يعكف البنك الدولي على إعداد برامج تتيح فرص عمل مؤقتة بغرض تحسين أوضاع التغذية، وإعداد مشروعات للتنمية المجتمعية المدفوعة باعتبارات الطلب من جانب المواطنين؛ وفي الأردن والأراضي الفلسطينية، يعمل البنك على تعزيز شبكة الأمان من أجل الاستعداد لمواجهة أوقات الشدة؛ وفي لبنان والأردن، يسعى البنك إلى تحسين المعلومات والشفافية في السجلات المركزية للمنتفعين. ويمثل ذلك بداية يمكن البناء عليها. ومن الضروري للغاية أن تقوم الحكومة المصرية بتوحيد برامج شبكة الأمان المجزأة حتى يصل الدعم إلى مستحقيه من الشرائح الفقيرة.
المعلومات، المجتمع المحلي، المواطنين، المشاركة. وها نحن قد عدنا إلى نقطة الانطلاق
الخاتمة: ما يجب أن نتعلمه ونحن نتجه للمستقبل
قلة هي التي يمكنها الإدعاء بأنها توقعت الأحداث التي تشهدها اليوم منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. ومن هنا ينبغي لنا توخي الحرص والحذر بشأن ما نفترض أنه قد يحدث في قادم الأيام. ويجب أن نتعامل مع قضايا التنمية بالقدر ذاته من التواضع.
فبدلاً من الحديث عما نعرف، لابد أن ننشغل بما لا نعرف.
وبدلاً من التركيز على المجالات التي نحسن التعامل معها، لابد أن ننشغل بالمجالات التي لا نحسنها. فلقد خسرنا الكثير حين لم نرفع أصواتنا بما فيه الكفاية؛ حين مارسنا الرقابة الذاتية ـ ـ ليس فقط على أصوات المواطنين، ولكن أيضاً على أصواتنا.
السياسة والاقتصاد مختلفان؛ لكنهما أيضاً متطابقان إلى حد بعيد في مجالات كثيرة. الناس، والحوافز، وعلم النفس، والطبيعة البشرية، والحكم الرشيد، والخيارات، والنتائج، والمساءلة، والشفافية، والأمن، والمساواة بين الجنسين، والمشاركة، وإبداء الرأي. هل تتعلق هذه الأمور بالسياسة أم بالاقتصاد؟ أم ربما بكليهما؟
هل سيكون عام 2011 مشابهاً للسنوات 1848 أو 1968 أو 1979 أو 1989؟ أم هل سيكون عام 2011 العام الذي تعلمنا فيه أن لمشاركة المواطنين في التنمية أهميةً كبيرةً، وأن هناك أموراً أخرى كثيرة قد تغيرت، بجانب أنظمة الحكم.