Skip to Main Navigation
خطب ونصوص

كلمة رئيس مجموعة البنك الدولي جيم يونغ كيم في جامعة جورج واشنطن

10/01/2013


رئيس مجموعة البنك الدولي جيم يونغ كيم بالصيغة المُعدة للإلقاء واشنطن العاصمة, الولايات المتحدة

بالصيغة المعدة للإلقاء

إستراتيجية مجموعة البنك الدولي: الطريق إلى إنهاء الفقر

السيد الرئيس ستيفن ناب، معالي العميد براون، أعضاء هيئة التدريس والطلاب الأكارم، والسادة الضيوف،

شكرا لكم على استضافتكم لي هنا اليوم. إنه لشرف كبير أن أكون معكم لأتحدَّث عن التحديات الماثلة أمامنا في العالم - وكيف تعمل مجموعة البنك الدولي لتصبح جهودها فعالة قدر المستطاع في تحسين الظروف المعيشية للفقراء والمحرومين.

حينما نلقي نظرة فاحصة على العالم اليوم، ونمعن التفكير في أهم القضايا، يساونا قلق بالغ إزاء استمرار حالة عدم اليقين على صعيد أزمة الميزانية (أزمة رفع السقف القانوني للدين العام) التي تشهدها حاليا الولايات المتحدة. ويحدونا الأمل في أن يوجد واضعو السياسات والمشروعون حلا لهذه القضايا في وقت قريب. فحالة عدم اليقين هذه، عندما تقترن بمصادر التقلبات الأخرى في الاقتصاد العالمي، يمكن أن تلحق أضرارا بالغة بالأسواق الصاعدة والبلدان النامية في أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية التي نجحت في انتشال ملايين البشر من براثن الفقر في السنوات الأخيرة.

ولا يسعنا كذلك إلا أن نُركِّز على الاضطرابات التي تعصف بالشرق الأوسط حاليا. فالحرب التي تدور رحاها الآن في سوريا في شهرها الثلاثين والخسائر فادحة، إذ لقى ما يزيد على مئة ألف شخص حتفهم حتى الآن، ونزح 4 ملايين شخص، وفرَّ مليونا سوري آخرين ليصبحوا لاجئين في بلدان مجاورة، الأمر الذي أضاف أعباء ثقيلة على الأردن ولبنان بوجه خاص. ولا يزال القتال متواصلا داخل سوريا، وتتفاقم يوما بعد يوم آثار أواصر الحياة الممزقة والأوضاع الاقتصادية المنهارة.

ويجب ألا نصرف أنظارنا عن الشرق الأوسط. ومجموعة البنك الدولي لم تفتأ تقوم بعدة أدوار. ففي بعض الأحيان، نكون في الغرف الخلفية مع الدبلوماسيين، وفي أحيان أخرى نكون في خط المواجهة مع العاملين في مجال المساعدات الإنسانية. وعلى الدوام، نعمل مع الحكومات أو الشركات أو منظمات المجتمع المدني للمساعدة في بناء أسس قوية ومستدامة للتنمية. ومن شأن ذلك أن يساند سبل كسب العيش لملايين البشر في الشرق الأوسط، ومليارات آخرين في شتَّى أنحاء العالم يتطلعون إلى الحصول على وظائف جيدة وتعليم جيد ورعاية صحية جيدة.

ويتركَّز جزء مهم من عملنا في البلدان الخارجة من الصراع، أو التي تأثرت بالصراع، أو تعاني من حالة هشاشة دائمة. وكلنا نعلم جيدا أنه حينما يظل بلد ما يعاني من حالة هشاشة لوقت طويل، فإنه غالبا ما ينشب الصراع. ويجب أن تتصدى مجموعة البنك الدولي والمجتمع الدولي الأوسع للتحديات المؤسسية والاجتماعية المعقدة في هذه الدول الهشة، لأن تكلفة التقاعس والتراخي مرتفعة وثمار اتخاذ إجراءات تدخلية جيدة التصميم عظيمة. وحينما تسنح لنا الفرصة لبناء المؤسسات ومرافق البنية التحتية والقدرات البشرية في الدول الهشة، أو حينما يكون بمقدورنا ترتيب صفقة تجلب استثمارات من القطاع الخاص تشتد الحاجة إليها، فإنه يجب علينا أن نغتنمها وألا نهدرها. وحينما نتقاعس عن مساعدة البلدان على تحقيق تنمية شاملة لا تقصي أحدا، أو عن مساعدة البلدان على بناء نظام قوي للحكم الرشيد، فإننا جميعا نتضرر من النتيجة، والتي غالبا ما تكون على غرار ما يجري في سوريا حاليا.

مُحرِّكات الصراع

سجَّلت معظم بلدان منطقة الشرق الأوسط في العشرة أعوام التي سبقت ثورات الربيع العربي نموا قويا نسبيا تراوح من 4 إلى 5 في المائة سنويا. ومع ذلك، كانت تكمن تحت السطح مشكلات خطيرة. فهناك طبقة وسطى متزايدة من الشباب الذين يرتفع مستوى تعليمهم ويشعرون بخيبة أمل أن الوظائف القليلة المتاحة يستأثر بها أصحاب الحظوة لا ذوو الكفاءات والمواهب. وكان القطاع الخاص يعمل من خلال ما يحصل عليه من امتيازات من الدولة، مما أدى إلى ظهور شكل من الرأسمالية القائمة على المحسوبية التي ساعدت القليل فقط، وأضعفت من فرص الصادرات وخلق الوظائف.

وتسرَّبت هذه المظالم ومشاعر الغضب والسخط حتى إلى الصغار. وحينما تدفق مليون شخص على ميدان التحرير بالقاهرة في عام 2011 للتعبير عن غضبهم من الحكومة، كان أطفال هؤلاء المحتجين يقومون باحتجاجات من جانبهم في فصولهم الدراسية. كانوا يطالبون بتطوير نظم التعليم. وهذا هو ما يحدث حينما يكون الرخاء حكرا على فئة مختارة. فيشعر كل الذين أُهمِلوا بوطأة الظلم وقسوته.

ومع الأزمات المستمرة وجد الكثير من بلدان الشرق الأوسط نفسه أمام تحد ذي ثلاثة أبعاد. الأول هو استعادة الاستقرار على صعيد الاقتصاد الكلي، والثاني إصلاح الاقتصاد من أجل تلبية التوقعات والآمال العريضة لمن شاركوا في المسيرات بالشوارع، والثالث هو إدارة فترة الانتقال إلى تبني دستور جديد للبلاد وإجراء انتخابات تعددية أكثر حرية وتنافسية. وهذه التحديات جسيمة يصعب على أي بلد أن يتصدَّى لها بمفرده. لكنها تجمَّعت كلها في منطقة واحدة. ويجعل هذا من الضروري للغاية أن يحشد المجتمع الدولي موارده وإمكانياته لمساندة هؤلاء النساء والرجال الشجعان الذين خاطروا بحياتهم للمطالبة بالكرامة الإنسانية الأساسية التي يستحقونها.

ويحتم ذلك علينا مساعدة الأردن ولبنان اليوم. وقد البنك الدولي 150 مليون دولار في شكل مساعدات طارئة إلى الأردن قبل بضعة أشهر وأنجزنا للتو دراسة شاملة لتقييم الآثار والاحتياجات الاقتصادية والاجتماعية في لبنان خلصت إلى أنه خسر مليارات الدولارات بسبب الحرب في سوريا.

ويأوي لبنان الآن أكثر من 760 ألف لاجئ سوري –وهو ما يمكن تشبيهه بدخول 56 مليون لاجئ إلى الولايات المتحدة، 45 مليونا منهم دخلوا منذ يناير/كانون الثاني وحده. تأملوا معي هذا الوضع المضطرب. لقد حضرت الأسبوع الماضي اجتماع مجموعة المساندة الدولية للبنان على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، وتعهَّد المانحون بتقديم بعض الأموال لهذا البلد، ولكن يجب أن نفعل المزيد والمزيد وإلا فسوف نواجه كارثة في لبنان.

هدفا مجموعة البنك الدولي

قبل ستة أشهر فحسب، وافق مجلس المديرين التنفيذيين على هدفي مجموعة البنك الدولي: الأول هو إنهاء الفقر المدقع بحلول عام 2030، والثاني هو تعزيز الرخاء المشترك من خلال تشجيع نمو الدخل الحقيقي لأفقر 40 في المائة من السكان.

لكن إلى أي مدى يرتبط هذا بالأوضاع على أرض الواقع في منطقة الشرق الأوسط وغيرها من البلدان الفقيرة؟ يمثل هدف إنهاء الفقر المدقع في حد ذاته الأساس الأخلاقي لكل ما نقوم به. وحقيقة أن أكثر من مليار نسمة يعيشون على أقل من 1.25 دولار للفرد في اليوم في عام 2013 هي وصمة في ضميرنا . ويجب أن نساعد في انتشال الناس من براثن الفقر دونما تأخير، ودونما تحيز، مهما كانت الظروف، وأينما وُجدوا.

والهدف الثاني الخاص بتعزيز الرخاء المشترك هو أكثر تعقيدا، لكنه مهم بالنسبة للعالم كله. والاحتجاجات التي شهدتها ثورات الربيع العربي، وتلك التي كانت في عهد أقرب في تركيا والبرازيل وجنوب أفريقيا تستمد جذورها من الرغبة العامة الشاملة في المشاركة في الطبقة الوسطى في العالم.

واليوم يدرك الزعماء في مختلف أنحاء العالم أن تعزيز الرخاء المشترك لأفقر 40 في المائة من السكان تتزايد أهميته لضمان الاستقرار. وكان جانب كبير من هذا السخط يغلي تحت السطح. ولكن وسائل التواصل الاجتماعي خلقت "طبقة وسطى افتراضية" هائلة كما يسميها توماس فريدمان ستستمر في الطرق على باب الفرص إلى أن يُفتح أمام الجميع.

والدرس المستفاد هو أننا يجب أن نولي اهتماما أكبر كثيرا لمسألة هل تصل ثمار النمو إلى جميع السكان، لا إلى النخبة وحدها. وتتمثل إحدى طرق عمل ذلك في النظر فيما وراء النمو العام لإجمالي الناتج المحلي، ويجب أن نتابع بشكل مباشر نمو الدخل بين أفقر 40 في المائة من السكان. ويجب أن يتسم التقدم الاقتصادي كذلك بالاستدامة البيئية والمالية على مر الأجيال.

فكيف يمكن أن تزيد دخول الأقل حظا على نحو مستدام؟ هناك أكثر من طريق لتحقيق الرخاء المشترك. يتمثل أحدها في زيادة الفرص المتاحة بسبب ارتفاع معدلات النمو الاقتصادي. وهناك طريق آخر عبر التوصل إلى عقد اجتماعي مستقر يركز على رفع مستويات معيشة الفقراء والمحرومين. ويمكن لكلا الطريقين أن يؤديا إلى تحسن الفرص المتاحة أمام المواطنين إذا استطاعت المجتمعات أن تصبح أكثر ديناميكية وإنتاجية، مع إفساح مجال أكبر للحراك الاجتماعي.

إن بلوغ هدفنا الأول –وهو إنهاء الفقر المدقع بحلول عام 2030- لن يكون معلما تاريخيا مهما فحسب، ولكنه سيكون أيضا صعبا للغاية. واليوم، تشير تقديرات الخبراء الاقتصاديين إلى أن عدد الفقراء يتراوح حول أكثر قليلا من مليار، أي أنه انخفض بواقع 150 مليونا عما كان عليه في عام 2010.

إننا نحقِّق تقدما، ولكن لا شيء مضمون في هذه المعركة، وسيزداد الأمر صعوبة كلما اقتربنا من الهدف. ويمكن أن يكون النمو العالمي أبطأ من الاتجاهات التاريخية. ويمكن للكوارث الطبيعية الناجمة عن المناخ المتغير أن تقوض سنوات من النجاح الذي تحقق في مجال التنمية. وقد يصبح المستثمرون أكثر قلقا وترددا. وقد ينضب التمويل طويل الأجل – وهو شحيح بالفعل- لمشروعات البنية التحتية الضرورية.

وفي مجموعة البنك الدولي يتطلَّب بلوغ الهدفين منها تحقيق النتائج للناس. وكما قال الدكتور مارتن لوثر كنغ الابن ذات يوم، فإن أهدافنا يجب "أن تتحوَّل من قصاصة ورق إلى عمل ملموس". فماذا نحن فاعلون –نحن جميعا- حتى تتحوَّل خططنا إلى عمل فعال لإنهاء الفقر؟

إستراتيجية مجموعة البنك الدولي

إجابتنا هي أننا، وللمرة الأولى، لدينا إستراتيجية ستجمع كل مؤسسات مجموعة البنك الدولي – البنك الدولي (البنك الدولي للإنشاء / التعمير والمؤسسة الدولية للتنمية) الذي يعمل مع الحكومات، ومؤسسة التمويل الدولية ذراعنا لتمويل القطاع الخاص، والوكالة الدولية لضمان الاستثمار التي تُقدِّم التأمين ضد المخاطر السياسية. وقد نشرنا هذه الوثيقة قبل بضعة أيام. ولم يحدث قط من قبل، أننا قمنا بتحديد إستراتيجية تضع لنا خارطة طريق شاملة ليسترشد بها كل مكونات مؤسستنا حول أهداف ومبادئ مشتركة.

فما أهمية ذلك؟ النظم البيروقراطية تعمل أحيانا بطريقة تبعد الناس بعضهم عن بعض. وتخلق في العادة مناطق نفوذ منغلقة. وتتحوَّل هذه المناطق إلى حصون أو صوامع محمية بشكل جيد. وأنا أعرف بعض الأشياء عن الصوامع. فقد نشأتُ في إيوا، وكان فيها الكثير من صوامع الذرة التي كانت تقف وحيدة منعزلة، وخاصة في مواسم الشتاء شديدة البرودة والطويلة. والصوامع تؤدي وظيفة حيوية في حقوق الذرة في أيوا، لكن لا مكان لها في مجموعة البنك الدولي.

كيف يمكننا – نحن أو أية منظمة أخرى كبيرة- تحقيق أسمى مطامحنا في خدمة الفقراء إذا كنا نعمل في مجموعة من الصوامع المنعزلة عن بعضها بعضا؟ من الضروري أن نعمل للربط بين العقول اللامعة الذكية في مؤسستنا حتى ينتقل ما لديهم من معارف بحرية.

وتستند إستراتيجية مجموعة البنك الدولي إلى القناعة بأن المنظمة برمتها ستعمل معا ككيان واحد لتحقيق أهدافها الملهمة. ونحن نعلم جيدا أنه إذا كان لنا أن ننجح، لابد أن نكون انتقائيين، أولا يجب علينا أن نختار أولوياتنا، ثم نتخلى عن تلك الأنشطة غير الملائمة.

ما الذي سنكف عن عمله؟ لن نستمر في العمل في مجالات أو مناطق يكون فيها أداء الآخرين أفضل. ولن ندخل في مشروعات لغرض وحيد هو تحقيق مستوى إقراض مستهدف في العام. ولن نبدأ في مشروعات لمجرد أن نثبت وجودنا على أرض الواقع. ولن نتهاون مع أية سلوكيات تُعلِي المصالح الفردية على المصلحة العامة.

ومن ثم، ما هي مبادئنا؟

سنحرص على أن تكون كل أنشطتنا مُركَّزة تركيزا شديدا على هذين الهدفين اللذين نسعى لبلوغهما.

وسنرتقي بمستوى شراكاتنا مع الآخرين حتى يمكننا تحقيق هذين الهدفين.

وسنتحلى بالجرأة.

وسنتحمَّل المخاطر - المخاطر الذكية. وأعني بذلك، أننا سنستثمر في المشروعات التي يمكنها المساعدة على إحداث تحوُّل جوهري في التنمية في بلد من البلدان أو منطقة من المناطق – حتى لو كان ذلك يعني أننا قد نفشل.

وسوف نجيد في تقديم حلول ذات طبيعة محلية بتيسير الوصول إلى معارفنا العالمية وجعلها متاحة للبلدان والشركات التي تحتاج إليها.

وسنستغل خبراتنا العميقة في نشر ممارسات عالمية مبتكرة بشأن قضايا مثل التمويل والتعليم والصحة والبنية التحتية والطاقة والمياه.

 وسنبحث دائما عن فرص لمساعدة البلدان على الاستثمار في شعوبها. ويجب أن نساعد البلدان على أن تصبح أقدر على المنافسة، وأنجع سبيل إلى ذلك هو أن القيام بذلك من خلال الاستثمار في مجالات التعليم والرعاية الصحية وتدريب مواطنيها للحصول على فرص عمل.

وسنعمل من أجل خلق أدوات مالية مبتكرة قادرة على إتاحة فرص جديدة للتمويل طويل الأجل الذي تشتد حاجة البلدان إليه.

جعل الإستراتيجية حقيقة واقعة

تدعو إستراتيجيتنا إلى أن نصبح بنكا للحلول يكون فيه معيارنا الرئيسي هو تحقيق نتائج لصالح الفقراء. ولهذه الإستراتيجية ثلاثة عناصر ينبغي إبرازها.

أولا، سندخل في شراكة مع القطاع الخاص لاستغلال خبراته ورأسماله في مكافحة الفقر. وهذا أمر مهم للغاية لخلق فرص عمل جيدة للفقراء.

وثانيا، سنزيد من التزامنا بمساندة الدول الهشة والمتأثرة بالصراعات، الأمر الذي يتطلب منَّا التحلِّي بمزيد من الجرأة والشجاعة، وتحمُّل مزيد من المخاطر، والتعهد بتقديم مزيد من الموارد.

وثالثا، سنتحلَّى بأقصى قدر ممكن من الطموح في القضايا التي تهم العالم، ومنها الاستثمار في النساء والفتيات ومكافحة تغيُّر المناخ. ويجب، على سبيل المثال، أن تتسم استجابتنا في مواجهة تغيُّر المناخ بقدر من الجرأة يضاهي ضخامة المشكلة.

خلق وظائف جيدة

بالنسبة لأول عنصر، سيكون من أهم أولويات مجموعة البنك الدولي المساعدة في خلق الوظائف وفرص العمل. فكيف يمكننا أن نساعد، بأقصى قدر ممكن من الفعالية، المناطق والبلدان منفردة لتهيئة الظروف المواتية لتحقيق نمو قوي في الوظائف يقوده القطاع الخاص؟ يبدو جليا أن نطاق هذا التحدي جسيم، فالعالم في حاجة إلى خلق 600 مليون وظيفة جديدة خلال العشرة أعوام القادمة.

وهناك طريق حيوي للفقراء للخروج من براثن الفقر من خلال توفير وسائل ارتباط مفتوحة وشفافة بالأسواق المحلية والدولية. فتيسير الوصول إلى هذه الأسواق يطلق العنان لإمكانيات العمل الحر وروح المبادرة للملايين.

وعلى سبيل المثال، فإن أحد المتعاملين مع مؤسسة التمويل الدولية، وهو شركة إيكوم Ecom، يربط مزارعي الكاكاو والبن والقطن في أكثر من 30 بلدا بالأسواق العالمية. وفي العام الماضي، قدمت إيكوم المساعدة لأكثر من 134 ألف مزارع والآلاف غيرهم من خلال منظمات المزارعين.

ونقوم أيضا بتوسيع مجموعة شركائنا لتشمل من يقوم بتجربة نماذج أعمال جديدة. وقبل أسبوعين فحسب، التقيت مع جاك ما، مؤسس شركة علي بابا، وهي شركة صينية، بلغت حصتها السوقية 60 في المائة من 8.8 مليار طرد تم نقلها بالبريد داخل الصين العام الماضي، ولها كذلك أنشطة أخرى. وعرض الرجل أمامي حذاءه الأسود الذي صنعته من قماش الكنفا امرأة في قرية صغيرة بالصين. واستطاعت شركة علي بابا تخفيض تكاليف الشحن والنقل حتى كان بمقدور هذه المرأة تسويق أحذيتها وشحنها إلى أي مكان في الصين بسعر أفضل من المتجر المحلي للأحذية. ولم تمض إلا سنوات قليلة، حتى كانت علي بابا قد شجَّعت على إنشاء أو نمو ما يزيد على 6 ملايين مشروع صغير ومتوسط الحجم في الصين.

هذا مثال لنموذج أعمال من شأنه إحداث تحوُّلات كبيرة. ولكن هناك الكثير من البيئات التي تبتعد عنها شركة علي بابا والشركات الأخرى. ونحن في مجموعة البنك الدولي نقوم بدور مستشار موثوق به للقطاع الخاص، وكثيرا ما يقتضي ذلك أن نبادر بدخول بيئة محفوفة بالمخاطر لنجعل الآخرين يتشجَّعون ويشعرون بارتياح أكبر للاستثمار فيها. ونحن نعلم أن صناديق الثروة السيادية والمستثمرين من المؤسسات يديرون عدة تريليونات من الدولارات، يقبع جزء كبير منها في صناديق منخفضة الأداء دون أن تؤدي دورا فعالا. ولذلك، سنسعى جهدنا لإيجاد سبل جديدة لاجتذاب هذه الصناديق الخاصة إلى مشروعات البلدان النامية. وأحد الأمثلة لهذا الاتجاه في الآونة الأخيرة كان إطلاق البرنامج الموجَّه لمحافظ الإقراض المشترك في الصين. وقد وافقت الحكومة الصينية على استثمار 3 مليارات دولار إلى جانب مؤسسة التمويل الدولية، وعبَّرت بلدان أخرى عن اهتمامها بالانضمام إلى البرنامج.

أولوية خاصة بالدول الهشة

يتضمَّن المثال الثاني لإستراتيجيتنا الالتزام بتحمُّل المخاطر في بعض من أكثر الأماكن اضطرابا في العالم: الدول الهشة والمتأثرة بالصراعات.

وفي وقت سابق من هذا العام، سافرت أنا والأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون إلى منطقة البحيرات الكبرى في أفريقيا لمساندة الاتفاق الإطاري للسلام والأمن والتعاون الذي وقَّعه 11 بلدا. لقد شهدت تلك المنطقة حالة حرب على مدى أكثر من عقدين، وكانت جماعات المتمردين في شرق الكونغو قد بدأت معركة جديدة قبل وصولنا هناك ببضعة أيام. لكن وقبل أن تهبط الطائرة التي نصل إلى غوما بساعتين، أعلنت تلك الجماعات وقفا لإطلاق النار. وعلى الرغم من التوتر، اصطفت حشود من الناس معظمهم من النساء على جانبي الطريق من قاعدة الأمم المتحدة إلي مستشفى محلي. وهتفوا لتحية موكبنا. ولكنهم رفعوا أيضا لافتات تتحدث عن الصدمات العميقة التي أصابتهم. ولن أنسى أبدا لافتة كانت ترفعها امرأة مكتوبا عليها فقط: أوقفوا الاغتصاب. وهي محقة في ذلك.

علينا أن نتحرك بسرعة أكبر كثيرا وبهمة أكبر لنجلب ثمار السلام إلى البلدان الخارجة من سنوات من الصراع. ونحن نعلم أن التنمية لا يمكن أن تتحقق في غياب السلام. ولكننا كثيرا ما ننسى أن السلام لن يدوم بدون تنمية. وفي منطقة البحيرات الكبرى، تحركنا بسرعة لتعبئة مبلغ مليار دولار من المساعدات الإضافية لدعم المنطقة. وفي أعقاب زيارتنا، وافق مجلس المديرين التنفيذيين للبنك الدولي على تقديم 340 مليون دولار للمساعدة في تمويل مشروع شلالات روسومو للطاقة الكهرومائية على نهر روسومو لتوفير الكهرباء لملايين من الناس.

واليوم، أتعهد بزيادة مساندتنا إلى الدول الهشة والمتأثرة بالصراعات زيادة كبيرة. وآمل أن نزيد حصة التمويل الأساسي المقدم من المؤسسة الدولية للتنمية - وهي صندوق البنك الدولي لمساعدة بلدان العالم الأشد فقرا - إلى الدول الهشة بنسبة 50 في المائة في السنوات الثلاث القادمة. وستلتزم مؤسسة التمويل الدولية –ذراعنا لتمويل القطاع الخاص- أيضا بزيادة مساندتها للدول الهشة بنسبة 50 في المائة خلال الأعوام الثلاثة القادمة.

تحديات تغيُّر المناخ

المثال الثالث والأخير لإستراتيجيتنا يرتبط ارتباطا مباشرا بهدفنا الخاص بتعزيز الرخاء المشترك. والمشترك لا يعني فحسب ضمان أن يكون أفقر الناس جزءا من عملية النمو، ولكنه يعني أيضا أن النمو لن يأتي على حساب الأجيال القادمة. فمن الضروري أن نتقاسم العالم وثرواته مع أطفالنا وأحفادنا وأحفاد أحفادنا، ويقتضي ذلك أن تكون لدينا خطة جريئة لمكافحة تغيُّر المناخ.

 فتغيُّر المناخ يُشكِّل خطرا أساسيا على التنمية في وقتنا هذا. وقد يجعل تحقيق الرخاء لملايين من البشر صعب المنال. وسوف تتأثر به كل منطقة من مناطق العالم، وسيكون أشد المتضررين من هذه الآثار هم الأقل قدرةً على التكيف من الفقراء والمستضعفين. وإذا أردنا إنهاء الفقر المدقع، فعلينا بناء مجتمعات محلية تتسم بالقدرة على تحمل الصدمات مثل الكوارث المناخية حتى يحصل الفقراء على مكاسب خلال حياتهم ويمكنهم الإبقاء على تلك المكاسب على الأجل الطويل.

إن معالجة مشكلة تغيُّر المناخ جهد لا يمكن للحكومات وحدها الاضطلاع به. ونحن في حاجة إلى استجابة تجمع الحكومات والقطاع الخاص ومنظمات المجتمع المدني والأفراد وفق خطة طموحة ومُنسَّقة. ويمكننا تقديم يد العون بطرق كثيرة، ولكن ربما يكون أكثرها ثمرا بإبراز التكاليف المتزايدة لتغيُّر المناخ وحشد التمويل اللازم للأنشطة المناخية من القطاعين العام والخاص.

إن التكاليف الاقتصادية الناشئة عن الظواهر المناخية العاتية هائلة. ففيضانات المدن الساحلية اليوم تتسبب في خسائر قيمتها 6 مليارات دولار سنويا، وقد تصل إلى تريليون دولار بحلول عام 2050. واستثمار 50 مليار دولار سنويا في وسائل الحماية سيجنبنا تلك التكاليف، ويؤدي إلى إتاحة 950 مليار دولار سنويا للاستثمار في أنشطة تحسين المدارس والمستشفيات وشبكات الأمان الاجتماعي.

إنني اليوم أتعهد بأن تُوجِّه مجموعة البنك الدولي نسبة أكبر من تمويلنا إلى هذه المعركة، وأن تعمل أيضا مع كافة الشركاء المهتمين بالعمل من أجل حل هذه المشكلة بطريقة جدية.

والطاقة النظيفة هي منطلقنا على هذا الدرب. وسنجمع المعارف وأفضل الممارسات والمساندة المالية لتقديمها إلى البلدان لمعالجة التكاليف المرتفعة والمعوقات المتصلة بالسياسات التي تحول دون تبني حلول الطاقة الأنظف. ونحن ماضون في الطريق الصحيح نحو إتمام وضع خريطة موارد الطاقة المتجددة في عشرة بلدان على الأقل خلال الأعوام الثلاثة القادمة. وسنعمل على تسهيل إصلاحات نظم دعم أسعار منتجات الطاقة في 12 بلدا على الأقل ونعمل مع شركاء لوضع نماذج عمل جديدة للطهي والإضاءة تستغل تقنية شبكات الطاقة المُصغَّرة الآخذة في التحسُّن بسرعة. وأود أن أرى أيضا على الأقل تركيب 10 آلاف ميجاوات من الطاقة الإضافية بمساندة مباشرة منَّا على مستوى العالم في ثلاث سنوات--- وهو ما يعادل إجمالي طاقة توليد الكهرباء المستخدمة في بيرو.

الخلاصة

بوسعنا بلوغ هدفينا المتمثلين في إنهاء الفقر وتعزيز الرخاء المشترك وتقاسم هذا الرخاء مع الأجيال القادمة، ولكن لن يتحقق ذلك إلا إذا عملنا معا مع شعور مختلف تماما بدرجة الإلحاح والعجلة. وكما ذكرت آنفا، لابد أن نقوم ببناء حراك اجتماعي من أجل إنهاء الفقر. ويعني ذلك أننا نحتاج إلى المساعدة منكم جميعا، من تجلسون هنا اليوم، أو تشاهدون هذا البث المباشر على الشبكة الإلكترونية أو تسمعون عنه عبر موقع فيسبوك أو في تغريدة على تويتر.

قبل ستة أشهر فحسب، أرسى مجلس المحافظين في مجموعة البنك الدولي أساسا لحراك اجتماعي بموافقته على هذين الهدفين وإعلانه أنه يمكننا إنهاء الفقر المدقع بحلول عام 2030. ونحن الآن نشهد اهتماما من كافة أرجاء المعمورة. والزعماء السياسيون ومنهم الرئيس أوباما ورئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون يدعون إلى إنهاء الفقر. وتدعو المنظمات الدينية، مثل منظمة الرؤية العالمية، إلى إنهاء الفقر. وجماعة حملة واحدة ومنظمة أوكسفام وجماعة إنقاذ الأطفال ومنظمة النتائج والكثير من منظمات المجتمع المدني الأخرى تدعو إلى إنهاء الفقر. كما يدعو الشباب إلى إنهاء الفقر.

وفي عطلة نهاية الأسبوع الماضية، تجمَّع 60 ألف شخص في حديقة سنترال بارك لمشاهدة المهرجان العالمي للمواطنين الذين احتشدوا حول هدف إنهاء الفقر بحلول عام 2030. وإني أدعوكم جميعا هنا اليوم إلى أن تنضموا إلى هذا الحراك. ادفعوا هذا الحراك قدما إلى الأمام. وهناك أشياء كثيرة يمكنكم عملها، وأحدها يمكنكم عمله من مقاعدكم على هواتفكم الذكية الآن: هو الدخول على الموقع الإلكتروني لمشروع إنهاء الفقر في العالم --www.zeropoverty2030.org، والتوقيع على التماس يدعو إلى إنهاء الفقر خلال جيل واحد. اجعلوا قادة العالم يعرفون أن هذه قضية ذات أهمية حيوية لكم.

وهذان الهدفان واضحان في مجموعة البنك الدولي. إنهاء الفقر المدقع بحلول عام 2030. وتعزيز الرخاء وضمان تقاسم ثماره مع أفقر 40 في المائة من السكان، ومع الأجيال القادمة. ولدينا فرصة لثني قوس التاريخ والالتزام بعمل شيء لم تكن الأجيال الأخرى لتحلم به. وفي الاحتفال الذي أقيم في سنترال بارك ناديت ابني نيكو البالغ من العمر أربعة أعوام لينضم إلي على خشبة المسرح. وكانت هذه طريقة لجعل هذا الهدف أمرا ملموسا. فعندما يصبح نيكو في مثل طولي وطالبا في صف التخرج في كلية مثل بعضكم، فسيكون بوسعنا حينئذ أن نترك له ولزملائه عالما خاليا من الفقر المدقع.

هذه هي القضية الأخلاقية الحاسمة في عصرنا. ويجب ألا نسمح بأن يعيش أكثر من مليار شخص في فقر مدقع مع أن لدينا الأدوات والموارد اللازمة لتغيير حياتهم إلى الأفضل. وينبغي ألا نسمح بحرمان أفقر 40 في المائة من السكان من فرص الحصول على الوظائف والرعاية الصحية والتعليم. فبوسعنا أن نفعل ما هو أفضل. وعلينا أن نقوم بعمل أفضل لنيكو، ولجميع الأطفال البالغين من العمر أربعة أعوام في مختلف أنحاء العالم ولجميع الأجيال القادمة. والوقت عنصر حاسم الأهمية بالنسبة لبعض المشكلات كتغير المناخ، لكن وكما قال الدكتور كينغ مرة أخرى، "فإن الوقت ملائم دائما لعمل الشيء الصحيح". لقد حان الوقت لذلك، ونحن من سيقوم بهذه المهمة. لنجعل ذلك واقعا ملموسا.

شكراً جزيلاً لكم.




Api
Api