مديرة البنك الدولي لمنطقة المغرب العربي، ماري فرانسواز ماري نيلي، تجيب على ستة أسئلة حول أهمية اصلاح البنوك العامة في تونس.
نشرت هذه المقابلة باللغة الفرنسية في صحيفة La Presse
1- لماذا يتم وضع إعادة هيكلة البنوك العامة في صميم إصلاح القطاع البنكي؟
هذا سؤال كثيرا ما يتم توجيهه إلينا. ومع ذلك، وقبل أن أجاوب، دعني أضع هذا السؤال في سياقه. بينما إصلاح البنوك العامة يمثل أولوية عاجلة، فإنه يمثل واحدا فقط من نحو 12 إصلاحا يتعلق بالقطاع المالي بأكمله. يقوم البنك الدولي بإجراء مناقشات مع وزارة المالية حول التدابير التصحيحية التي يتعين الاضطلاع بها في قطاعات التمويل الأصغر، والتأمين، وأسواق رأس المال، والتي يتسم أداء كل منها بالضعف. وتعد البنية التحتية والإطار القانوني، اللذان يحكمان القطاع المالي بشكل مباشر أو غير مباشر، من بقايا باقية من حقبة ماضية. إن تونس تحتاج، أكثر من أي وقت مضى، إلى أن يكون لديها قطاع مالي حديث وفعال ومبتكر يمكن أن يلبي تحديات النمو والاندماج الاقتصادي. هذه هي الإصلاحات التي نريد أن نساندها.
ولكن، لنعد إلى سؤالك. لماذا علينا في الواقع أن نركز فقط على البنوك العامة، في حين أنه تم أيضا إلقاء اللوم على المصارف الخاصة في ضوء ما لديها من حجم كبير من القروض المشكوك فيها؟ كما تم اعتبار تمويلها للشركات الصغيرة والمتوسطة غير كاف ونوعية خدماتها غير مناسبة بالمرة. السبب الأول هو أن البنوك العامة تمثل ثلث السوق، ومن ثم فإن لها تأثير على القطاع المصرفي بأكمله. ثانيا، يوضح تحليل دقيق لديناميكية القطاع المصرفي أن هناك سباقا نحو القاع (nivellement vers le haut) داخل القطاع. هذا يجب أن يتوقف. تحدث هذه الظاهرة في سوق معينة، عندما تتمكن حفنة من الشركات المتنافسة من الاستمرار في الأداء بصورة سيئة، دون أن تضطر إلى تحمل تبعات سوء إدارتها. هذا هو ما يحدث عندما تستفيد جميع الجهات الفاعلة، بما في ذلك تلك الأسوأ أداء، من إطار تنظيمي فضفاض، كما كان الحال بالنسبة للبنوك العامة في تونس منذ فترة طويلة. كان معنى ذلك أن مستوى القواعد الاحترازية المطبقة أقل بكثير من مستوى المعايير الاحترازية الدولية. على سبيل المثال، فإن البنوك العامة لا تحتاج إلى تقديم سجلات كاملة عن خسائرها، حتى رغم وجود عدد كبير من القروض غير المسددة. وقد استفادت البنوك الخاصة أيضا من هذا النظام، حيث أنه يتم تطبيق نفس القواعد الاحترازية على الجميع بشكل متساو. وباختصار، وحتى الآن، وبفضل هذه القواعد، فقد تمكنت المصارف العامة من البقاء والاستمرار، في حين تمكنت المصارف الخاصة من تحقيق ربح مريح بأقل قدر من الجهد، حتى في ظل انكماش اقتصادي حاد، كما هو الحال في الوقت الحاضر. هذا هو ما يعرف باسم "الأعمال البنكية الكسولة".
2- نعم لتعديل اللوائح، ولكن ليس بدون إصلاح البنوك العامة.
لهذا السبب كان من الضروري إدخال أنظمة مصرفية أكثر صرامة، لا من أجل إرضاء الهيئات الدولية مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، ولكن لرفع مستوى الكفاءة المهنية لدى بنوك القطاع العام والخاص وزيادة التنافس فيما بينها، مع الحفاظ في الوقت ذاته على مستوى مقبول من تحمّل المخاطر. لقد تفهم البنك المركزي التونسي هذا الهدف وتبناه بشكل كامل، حيث بدأ على الفور بعد الثورة في تبني قواعد بنكية أكثر تقييدا. فهل تقاوم البنوك العامة هذا التغيير؟ بالفعل، أثرت التغييرات التي أدخلها البنك المركزي التونسي على القواعد المعنية بمخصصات تغطية الخسائر سلبا على الميزانيات العمومية للبنوك العامة. هذا الصيف، كان لابد من ضخ ما يقرب من 700 مليون دينار في شكل رأس مال إلى بنك الاسكان والشركة التونسية للبنك. وبهذه الخطوة لإعادة الرسملة، تمكنت البنوك العامة من التشبث بهامش التغيير في أقصى الحالات. ومع ذلك، فإنها لا تزال بحاجة إلى بذل جهود كبيرة لتحديث نظم معلوماتها، ومجموعة منتجاتها وخدماتها، ونظامها المؤسسي وثقافتها المصرفية. لأن عجلة التحديث لن تبطئ من سرعتها.
3- ما هي الإصلاحات المطلوبة للبنوك العامة؟
بمجرد تحديد جوهر مشكلة القدرة على المنافسة في القطاع المصرفي؛ والتي تتمثل في سوء إدارة البنوك العامة، واجه المسؤولون العديد من الخيارات: 1- إعادة الودائع لأصحابها وإغلاق البنوك؛ أو 2- بيع البنوك لمستثمرين من القطاع الخاص؛ أو 3- تنفيذ إعادة هيكلة جذرية لجعل البنوك قادرة على المنافسة ووضعها في وضع أفضل لتمويل الاقتصاد.و كان هذا الأخير هو اختيار وزارة المالية. لم يكن هذا موقفا تلقائيا مفروضا بطبيعة الحال، بل خيارا جريئا وطوعيا تم تبنيه بعد تحليل معمق لنقاط القوة والضعف في هذه البنوك. إنه خيار دعمته فكرة أنه يمكن لهذه البنوك أن تعمل بشكل جيد مرة أخرى من خلال شكل جديد من أشكال الإدارة العامة، الذي يستخدم أفضل ممارسات القطاع الخاص على أفضل نحو. يمكن لوزارة المالية أن تستفيد من أمثلة ناجحة لإعادة هيكلة البنوك العامة (على سبيل المثال، في تركيا). في الواقع، تتركز جميع مناقشاتنا الحالية مع وزارة المالية حول أفضل طريقة لجلب وتطبيق خبرات هذا القطاع الخاص. وفكرتنا هي أن يكون لدينا شريك استراتيجي، سواء كان محليا أو دوليا، يكون قادرا ويتمتع بالمهارات اللازمة. ويمكن لهذا الشريك أن يلعب دورا إيجابيا في مساعدة هذه البنوك على السير في طريق التعافي، ولاسيما بالنسبة للشركة التونسية للبنك، التي يبدو أنها تواجه أكثر الأوضاع صعوبة. إننا نعتقد أن هذا هو أفضل طريق لضمان حُسْن استخدام الأموال التي تم ضخها لإعادة الرسملة مؤخرا. ولكن يجب أيضا محاسبة البنوك العامة على ما تتخذه من إجراءات، وتسوية حالات استغلال النفوذ أمام المحاكم وهي الحالات الخاصة بالأشخاص والشركات أصحاب المعارف القوية. إذا فشل ذلك، فإن عملية إعادة الهيكلة لن تأتي بثمارها مطلقا، ولن يمكن مطلقا تحديث القطاع المصرفي.
4- ما هو الموقف الحالي لإصلاح البنوك العامة؟
التغييرات الجذرية التي ألمحت إليها للتو يجري تنفيذها حاليا. لقد تم تعيين مجالس إدارة جديدة، تتمتع بصلاحيات جديدة، في حين سيتولى مديرون عموم جدد مقاليد الأمور قريبا. لقد علمنا أن هؤلاء المديرين يتمتعون بخبرات تراكمية ناجحة في النظام المصرفي بالقطاع الخاص، مما سيساعد على تعزيز عملية إعادة الهيكلة. وبعد ذلك، سيكون الأمر متروكا لهذه البنوك كي تشكل على وجه السرعة فرقا من كبار المديرين أكفاء ونشطاء لتنفيذ خطط إعادة الهيكلة في أقرب وقت ممكن، في حين ستعزز الوزارة وحدة رصد خطط إعادة الهيكلة (المديرية العامة للمشاركة). يجب أن تمضي قدما في هذه التغييرات سريعا ويتم تنفيذها بالكامل حتى تكتمل تماما. من شأن الإصلاح الضعيف أن يزيد من مخاطر الاضطرار إلى ضخ رؤوس أموال جديدة خلال العامين أو الثلاثة أعوام المقبلة. هذا هو السبب، أكثر من أي وقت مضى، في أنه يجب على الوزارة أن تنحاز بشكل واضح لصالح تسيير على النحو الخاص ووحدة رصد معززة بالوسائل اللازمة لضمان عدم انحراف خطط إعادة هيكلة البنوك العامة عن مسارها. ولهذا السبب أيضا فإننا ندعو بقوة إلى وجود شريك فني يتمتع بالقدرات اللازمة للإشراف على عملية الانتقال نحو نظام إدارة عامة أفضل.
5- هل إعادة رسملة البنوك العامة تعني أن الشعب التونسي مطالب بالغاء وشطب ما حصل عليه رجال الأعمال عديمو الضمير من أموال؟
لا. التكلفة المحملة على الموازنة هي أولا وقبل كل شيء نتيجة لسوء الإدارة السابقة من قبل المصارف العامة. ولفترة طويلة، كانوا قد عانوا من عدم وجود أدوات حديثة وثقافة الأعمال المدفوعة بالأداء. ببساطة، كانت اللوائح تغطي الخسائر الكامنة جنبا إلى جنب مع التراخي في تطبيق هذه اللوائح. ولكن هذا أصبح بالفعل جزءا من الماضي القديم. فخطط إعادة الهيكلة موضوعة على وجه التحديد لتغيير هذا الوضع. كانت هناك أيضا حالات من استغلال النفوذ من قبل العملاء من أصحاب المعارف القوية كما قلت من قبل، وهذه الحالات منظورة الآن أمام المحاكم. لم يتم تحويل أو تسجيل هذه المبالغ المعنية بهذه الأنشطة الاحتيالية إلى أرباح وخسائر. وبقدر علمي، فإن الدولة ومجالس الإدارة ملتزمون تماما بمواصلة جهودهم حتى يتم سداد جميع القروض غير المسددة.
6- ماذا ينبغي أن نتوقع حقا من هذه الخطط لإعادة الهيكلة؟
الهدف من هذا الإصلاح للبنوك العامة هو الخروج بالنظام المصرفي من منطق دوامة السقوط المستمر، الذي يتسبب في نهاية المطاف في ضرر شديد لتمويل الاقتصاد التونسي. ينبغى أن تكون البنوك العامة أفضل تجهيزا و إدارة للمضي على المسار الصحيح وبالتالي المساعدة على زيادة روح التنافس فيما بينها، بما يحقق أكبر فائدة للشركات والأسر التونسية. ومع ذلك، فإن إعادة هيكلة البنوك العامة لا يمكن أن تحل كل شيء. يجب على الدولة أن تغير البيئة الائتمانية كي تجعل تقديم القروض أكثر يسرا، وخاصة للشركات الصغيرة والمتوسطة. سيتحقق ذلك من خلال إصلاح طال انتظاره لنظام إدارة الشركات التي تعاني من مواقف صعبة، وإنشاء مكتب ائتمان، ومن خلال تخفيف وتيسير قواعد حساب أسعار الفائدة القصوى. ويرى البنك الدولي أن كل هذه الإصلاحات، إذا ما نُفذت في مجملها، ينبغي أن تساعد على دفع قاطرة الاقتصاد التونسي وخلق أكثر من 38 ألف فرصة عمل جديدة سنويا.