أهلا ومرحباً بكم جميعا. يسعدني أيما سعادة أن أكون معكم هنا اليوم. وأود أن أعرب عن خالص امتناني لشعب دولة الإمارات العربية المتحدة ولصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم على تفضله بدعوتي للمشاركة في القمة العالمية للحكومات المنعقدة هناهذا العام.
على مدى أكثر من 60 عاماً، تتعاون مجموعة البنك الدولي مع حكومات البلدان النامية من أجل الحدّ من الفقر وتعزيز الكرامة الإنسانية. وإنه لمن دواعي الفخر والاعتزاز أن تكون مجموعة البنك الدولي مسانداً في هذه الفعالية لأن فتقديم الخدمات العامة ذات النوعية الجيدة وتهيئة الظروف التي تشجع مؤسسات الأعمال على توفير فرص العمل هما ركنان أساسيان في بناء الفرص وتحقيق الرخاء للجميع.
ينبثق المحور الرئيسي للمؤتمر هذا العام ،استشراف حكومات المستقبل، في وقتٍ بالغ الأهمية في التاريخ الحديث. ففي العام الماضي أشارت التوقعات إلى هبوط معدل الفقر المدقع في العالم دون 10 في المائة للمرة الأولى؛ وهذا بلا شك تقدمٌ رائع لأن أعداد من يكابدون الفقر المدقع انخفضت الآن بواقع مليار شخص عمّا كانت عليه قبل 15 عاماً. ولكن أكثر من 700 مليون شخص مازالوا يعيشون على أقل من دولارين للفرد في اليوم الواحد.
وتشير أبحاثنا وتجربتنا إلى ثلاثة عوامل حاسمة في تخفيض أعداد الفقراء وتعزيز الرخاء وهي: النمو الاقتصادي الاشتمالي، والاستثمار في الرعاية الصحية والتعليم، والتأمين ضد المخاطر التي يمكن أن توقع الضعفاء في براثن الفقر كمخاطر البطالة والمرض وتغير المناخ وتفشّي الأوبئة. ومن ثم فإن تشكيل حكومات المستقبل على النحو الذي يمكنها من النهوض بهذه المسؤوليات هو واجبٌ مشترك علينا جميعا فقد بات لزاما أن نحقق هدفي إنهاء الفقر المدقع وتعزيز الرخاء المشترك بحلول عام 2030 .
إن معطيات المشهد العالمي تدلّ على أن بلوغ هذين الهدفين ليس بالأمر الهيّن. فالنمو الاقتصادي – وهو أقوى وسيلة عرفها العالم لتخفيض أعداد الفقراء – آخذ في التراجع على مستوى العالم، إذ يعاني العديد من بلدان الأسواق الناشئة من هبوطٍ حاد في النمو نظرا لتراجع الطلب من الصين وانخفاض أسعار السلع الأولية. وأدى ارتفاع درجات الحرارة بفعل تغير المناخ إلى جعل عام 2015 أشد الأعوام حرارة في التاريخ؛ كما تؤثر أعتى موجات ظاهرة النينو المسجّلة على حياة ومصادر رزق مليارات الأشخاص حول العالم. وأصبحت مناطق كثيرة من العالم أكثر هشاشة فصارت الجودة النوعية للقيادات والحوكمة الرشيدة أكثر أهمية مما كانت عليه في أي وقت مضى.
وتأثرت منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بصفة خاصة، تأثّراً شديداً بهذه التغيّرات. فولا يعمل اقتصاد البلدان الخاضعة لهيمنة الشركات الضخمة على تهيئة ما يكفي من فرص العمل، ويصْدُق هذا على البلدان المصدرة والمستوردة للنفط. وعلاوة على ذلك، فإن . ولم تقدم البيروقراطيات الموغلة في المركزية في أنحاء المنطقة الخدمات الصحية والتعليمية الجيدة واللازمة لتمكين الشباب من المنافسة في الأسواق الخاضعة للعولمة. فكانت النتيجة فترة طويلة لم يتم خلالها تشجيع الابداع وريادة الأعمال.
هذا التراجع في الآفاق الاقتصادية يؤدي إلى زيادة هشاشة منطقة تعاني بالفعل قدراً كبيراً من عدم الاستقرار. فقد مما أسهم في حدوث أسوأ كارثة إنسانية منذ الحرب العالمية الثانية. وتزداد ندرة المياه العذبة والأراضي الخصبة مما يخلق المزيد من بؤر التوتر ونقاط الاشتعال المحتملة. وتداعيات كل ذلك على التنمية البشرية تثير القلق والانزعاج.
ويستخدم أصحاب الأفكار المتطرفة العنيفة هذه التحديات في استقطاب أنصار لأفكارهم وتوجهاتهم – بما لذلك من تأثير على الصعيد العالمي أيضا. فالهجمات المميتة في غرب وشرق أفريقيا، وأمريكا الشمالية، وجنوب وشرق آسيا، وأوروبا توضح أننا جميعا معنيون بتشكيل ملامح حكومات المستقبل القادرة على مواجهة هذه التحديات.
ويمكن أن تطغي مشاعر الغضب والإحباط على من يشعرون بالإقصاء أو الاضطهاد في مجتمعاتهم. كما تكون مشاعر الإحباط الشخصي مريرة وموجعة عندما يجدّ المرء ويجتهد في دراسته ثم يفشل في العثور على وظيفة أو عندما يكتشف أن تعليمه لم يساعده في اكتساب المهارات اللازمة للحصول على وظيفة. تخلق هذه الظروف دوافع قوية للوقوف في وجه من يعتبرونه مصدرا لمتاعبهم وآلامهم.
منذ خمسة أعوام، في عام 2011، قام محمد بوعزيزي الشاب التونسي البالغ من العمر 26 سنة الذي كان بائعا متجولا للخضروات وعائلا لأسرته المكونة من ثمانية أفراد بإحراق نفسه احتجاجا على سوء المعاملة التي لقيها من حكومته. أقدم بوعزيزي على إحراق نفسه لغياب الحوكمة الرشيدة في بلده. وبعد عشرة أيام من وفاته، أطاحت الاحتجاجات الشعبية بالحكومة في تونس. انفجرت شرارة هذا الغضب في وقت كان الاقتصاد التونسي فيه ماضيا في النمو. وقد أشارت استطلاعات الرأي العام قبل هذه الاحتجاجات إلى أنه على الرغم من إدراك التونسيين لازدياد الرخاء في بلدهم فإن أكثر من 80 في المائة من المستجوبين في الاستطلاعات اعتبروا أنهم يواجهون أو يعانون من صعوبات. أشار الكثير من هؤلاء إلى أن تعاستهم ترجع إلى تدني نوعية الخدمات العامة ومرافق البنية التحتية ولأنهم يتعرضون للتضييق من جانب الحكومة في وسائل كسب العيش. أدى سوء الحوكمة إلى تمزيق النسيج الاجتماعي في الدولة بما لا يدع مجالاً لإصلاحه.
إن الحكومات التي تعمل بطرق وأساليب غامضة وإقصائية وغير خاضعة للمساءلة، أو التي تفشل في تمكين السلطات المحلية، غالبا ما تزرع بنفسها بذور السخط والاستياء. وحين لا تسمح الحكومات للمواطنين بالمشاركة في صنع القرارات فإنها تبذر بذور الشك والريبة؛ وعندما تتخذ الحكومات القرارات على أساس المحسوبية والتقسيمات الاجتماعية أو العرقية والتمييز أو الفساد، يتعمق الشعور بالظلم في نفوس المواطنين.
في الحقيقة، ليست المطالبة بالحوكمة الرشيدة ظاهرة حديثة. بل إنها متجذرة في تقاليد وتاريخ الكثير من الثقافات، بما في ذلك الثقافة العربية والإسلامية. فقد ورد في صحيح الإمام مسلم حديث مرفوع أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) قال: "..... من استعملناه منكم على عمل فليجيء بقليله وكثيره". وكتب الفيلسوف العربي ابن خلدون في المقدمة أن العهد الاجتماعي بين الفرد والقبيلة بمثابة رباط مقدس يقوم على المساءلة المشتركة والحماية والتوفير السليم الموثوق لهذه الخدمات الأساسية مثل الأمن والعدل. وقال ابن خلدون إن أسوأ أنواع الدول الدولة المستبدة حين تغتصب الحكومة حقوق الملكية ولا تحكم بالعدل والقسطاس المستقيم بشأن حقوق الناس.
إذن ما هو أفضل السبل اليوم للمضي إلى الأمام؟ نعتقد أن الإجابة تتمثل فيما نسميها الحوكمة الشاملة. ففي جوهر الحوكمة الشاملة يكمن العهد الاجتماعي بين مسؤولي الحكومة ومواطنيهم وهو عهدٌ يرتكز على ثلاثة مبادئ: أولا، يجب أن تلتزم الحكومات بالشفافية في أفعالها والمشاركة الكاملة مع المواطنين. ثانيا، يجب على الحكومات أن تستثمر في المواطنين بإعطائهم الفرصة لبلوغ الاستفادة القصوى من طاقاتهم وإمكاناتهم. ثالثا، يجب أن تقوم الحكومات بتهيئة بيئة الأعمال التي تشجع الابتكار والمنافسة واستثمارات القطاع الخاص مما يؤدي بدوره إلى خلق فرص العمل وزيادة النمو الاقتصادي.
ثمة قصة من البرازيل تبين مزايا خضوع الحكومات للمساءلة عن أعمالها. فقد ساعدت مجموعة البنك الدولي حكومة البرازيل على بناء برنامج بولسا فاميليا للتحويلات النقدية المشروطة لشرائح مستهدفة. ويتيح هذا البرنامج الفرصة لأشد الموطنين فقراً بتقديم المال للأسر المحتاجة التي تحافظ على انتظام أطفالها في المدارس وحصولهم على التطعيمات اللازمة وإجراء الفحوصات الطبية الدورية بشكل منتظم. ويقدم هذا البرنامج المساعدة لواحدة من الدول التي تشهد أكبر معدلات التفاوت في العالم من خلال الحد من التفاوت في الدخل وهو دافع قوي لانعدام الاستقرار الاجتماعي.
يعزى جزء من نجاح برنامج بولسا فاميليا إلى تفعيل المساءلة في هياكل البرنامج ــ فهناك مسجّل واحد لإلغاء طبقات البيروقراطية وتحقيق شفافية النظام. وحقق هذا البرنامج نتائج رائعة: حيث توضح الدراسات أن أموال البرنامج تساعد الآباء في شراء الغذاء والملابس والمستلزمات المدرسية لأطفالهم. ومنذ عام 2003، أسهم البرنامج في هبوط التفاوت في البلاد بنسبة 21 في المائة. وتبلغ التكلفة الإجمالية لهذا البرنامج 0.6 في المائة فقط من إجمالي الناتج المحلي.
وهنا في دبي، ساعدت البيانات المستقاة من المجتمعات المحلية والأهالي هيئة المعرفة والتنمية البشرية على تحسين جودة التعليم. وينتظم اليوم أكثر من نصف الطلاب في الإمارة في مدارس جيدة أو ممتازة مقابل 30 في المائة عام 2010، وشهد التحصيل الدراسي تحسنا مطّردا في السنوات الخمس الماضية.
سمو الشيخ محمد بن راشد، إن دعوتكم الموجهة في تغريدة على تويتر إلى جامعات الإمارات لأن تختار وزيرا يقل عمره عن 25 عاما لتمثيل الشباب وإسماع صوتهم وتحقيق دور لهم في حكم البلاد هي من أبرز البادرات إلهاماً في مجال الحوكمة في هذا العام الجديد.
ساعدت مشاركة المجتمعات المحلية في البرازيل والإمارات العربية المتحدة الحكومة على تعزيز الاستثمار في الشعوب – وهذا هو العنصر الثاني المهم في الحوكمة الشاملة. نعلم أن الاستثمار في الناس، وخاصة في مجالي الرعاية الصحية والتعليم، هو عامل مهم وحاسم في تعزيز بناء الفرصة وتحقيق الرخاء.
وقد أوضحت الأبحاث أن التعليم يساعد الناس على الإفلات من براثن الفقر بمعدلات مرتفعة للغاية – لا سيما التعليم في مرحلة الطفولة المبكرة. وعالميا، تزداد أجور العاملين بنسبة 10 في المائة في المتوسط عن كل سنة من سنوات التعليم. وفي مقدور النساء والفتيات المتعلمات أن يصبحن عناصر فعالة في تحقيق التقدم الاجتماعي والاقتصادي للمجتمع ولأطفالهن على حد سواء. وتحصل الأمهات المتعلمات على أجور مرتفعة فضلا عن زيادة الاستثمار في الرعاية الصحية والخدمات التعليمية لأطفالهن. وفي باكستان، يقوم الأطفال الذين حصلت أمهاتهم ولو على سنة واحدة من التعليم باستذكار الدروس لمدة ساعة إضافية في المنزل ويحصلون على أعلى الدرجات في الاختبارات.
إن فبدلا من نثر بذور السخط والاستياء، تعمل هذه الحكومات على تعزيز بناء الفرصة التي يمكن أن تؤدي حال اقترانها بتحسين بيئة الأعمال إلى خلق المزيد من فرص العمل.
وينبغي على الحكومات التأكد من أن بيئة الأعمال مهيأة بما يساعد على إطلاق طاقات الإبداع والابتكار وريادة الأعمال والتنافسية. وثمة مثال نستقيه من الصين التي حققت سجلا رائعا للنمو الاقتصادي وخلق الوظائف على مدى الخمس عشرة سنة الماضية، وقام القطاع الخاص بتوفير الأغلبية العظمى منها. وفي السنوات الخمس الأخيرة، حتى نهاية 2015، خلقت الصين 64 مليون وظيفة.
وعندما لا تقوم الحكومات بتشجيع بيئة الأعمال القائمة على العدالة والتنافس، وعندما تُحدّ من توفر الفرص بسبب المحسوبية، فإنها بذلك تشجع رأسمالية المحسوبية التي يمكن أن تؤدي إلى الفوضى وعدم الاستقرار.
توضح التجربة أن بمقدور الحكومات ضمان الإنصاف والنزاهة في بيئة الأعمال باتخاذ مبادرات خاصة لتخفيض التكاليف الناشئة عن الإجراءات التنظيمية والتي يتحملها القطاع الخاص. ففي ظل مشروع تخفيف أعباء الإجراءات التنظيمية "بيردن هانترز" في الدانمارك، يتعاون الموظفون مع الشركات لتبسيط القواعد الإجرائية التي يرى مجتمع رجال الأعمال أنها الأكثر إرهاقاً. وساعد هذا النهج التعاوني الدانمارك على أن تحتل المرتبة الأولى في أوروبا والخامسة عالميا في سهولة ممارسة الأعمال في تقرير ممارسة أنشطة الأعمال الذي أصدره البنك الدولي العام الماضي. هذه مجرد أمثلة قليلة. ومما لاشك فيه أنكم سوف تستمعون للمزيد من الابتكارات في مجال الحوكمة في سياق هذا المؤتمر.
بالنسبة لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ولجميع المناطق في العالم، الطريق إلى الاستقرار والرخاء يمر عبر الحوكمة الشاملة ــ التدابير التي تشجع الفرص الفردية من خلال تقديم الخدمات العامة الجيدة وإيجاد بيئة الأعمال القائمة على الانفتاح والمنافسة.
وتثبت تونس اليوم أن ذلك أمرٌ ممكن، فبعد الثورة في تونس اعتمدت الحكومة مجموعة من القوانين والسياسات التي أضفت مزيدا من الشفافية على عملية اتخاذ قرار الموازنة. ويحق لعموم التونسيين الآن الاطلاع على المعلومات الحكومية الرسمية. ويمكن لأي تونسي الوصول عبر الإنترنت إلى بيانات مبسطة ولكنها تفصيلية عن إيرادات ومصروفات الدولة، وأموال الخزانة العامة والهيئات الإدارية العامة. وفي عام 2013، عندما هددت عمليات الاغتيال والاضطرابات الاجتماعية بتقويض هذه المكاسب وأوجه التقدم الأخرى، استخدمت اللجنة الرباعية للحوار الوطني في تونس، وهي تحالف يضم نقابات ومنظمات لحقوق الإنسان، سلطتها الأدبية في الجمع بين المواطنين والأحزاب السياسية والسلطات في حوار سلمي. وعلى الرغم من أنه مازالت هناك أشواط يجب أن تقطعها هذه اللجنة، فإن هذا الحوار بدأ في تحقيق المساءلة والمشاركة بين الحكومة والمواطنين في عملية بناء الدستور مما يساعد على بناء التوافق على مجموعة من القضايا التي شهدت انقسامات سياسية ودينية. كما ساعد الحوار أيضا على الحدّ من العنف وحصلت اللجنة الرباعية التونسية على جائز نوبل للسلام في عام 2015.
بل إن هذا هو وقت المزيد من الطموح لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وقد تعهدنا في لندن الأسبوع الماضي باستخدام أدوات مالية مبتكرة لتقديم دعم جديد إلى الأردن ولبنان لتحمّلهما الكثير من الأعباء في استضافة اللاجئين السوريين. أولا، يعمل مجلس المديرين التنفيذيين مع الإدارة العليا لمجموعة البنك الدولي بشأن إجراء استثنائي لتقديم 200 مليون دولار في شكل تمويل مباشر بشروط ميسرة من أجل خلق فرص عمل وزيادة فرص التعليم في لبنان والأردن. وثانيا، نسعى بالتعاون مع الأمم المتحدة والبنك الإسلامي للتنمية للوصول إلى مانحين لتقديم مليار دولار في شكل منح يتم استخدامها لتوفير 3 إلى 4 مليارات دولار كتمويل ميسر لتقديم الخدمات العامة وتلبية الاحتياجات الأخرى.
من المتوقع أن يصل إجمالي مبادرات التمويل الجديدة هذه، مقترنة ببرامجنا الحالية، إلى حوالي 20 مليار دولار في غضون السنوات الخمس القادمة – أي ما يمثل تقريبا ثلاثة أضعاف استثماراتنا في المنطقة في السنوات الخمس الماضية.
يجب أن نعمل بوتيرة أكثر سرعة للاستجابة لهذه الأزمات الإنسانية لأننا نعلم أن اللاجئين يمكن أن يظلوا لاجئين لسنوات أو حتى عقود. ويجب أن نجد طرقا للحصول على المعارف من المنظمات المعنية بالتنمية مثل مجموعة البنك الدولي من أجل تحسين حياة اللاجئين بعد وصولهم مباشرة إلى البلد المضيف – بدلا من الانتظار سنوات لفعل ذلك.
في الحقيقة، أعتقد أنه يتوجب علينا أن نستجيب لما يسميه مارتن لوثر كينج "الحاجة الملحة لهذه اللحظة". وأقتبس منه قوله: "ليس هناك شيء اسمه انتهى الأمر وكان ما كان. فهذا ليس وقت اللامبالاة والرضا بما نحن عليه. لقد حان وقت العمل الإيجابي الدءوب".
أعتقد أيضا أنه يجب علينا التحرك بصورة عاجلة لا للاستجابة لهذه الأزمات الإنسانية فحسب بل لمنع تكرار هذه الأزمات في المقام الأول. ويعني ذلك بالنسبة لهذه المنطقة وأمريكا اللاتينية وأفريقيا وآسيا بناء الحوكمة الرشيدة.
من الشخصيات الأخرى الملهمة لي المفكر والكاتب الفلسطيني إدوارد سعيد، فقد كان لكتابه "الاستشراق"، الذي يُعنى إلى حد كبير بكيفية تصور الغربيين للشرقيين، تأثير عميق على طريقة تفكيري. ركز إدوارد سعيد على قوة الحوكمة الرشيدة أيضا. وأقتبس مما كتبه ما يلي: "القوة على أية حال ليست مجرد القوة العسكرية. إنها القوة الاجتماعية التي تأتي من الديموقراطية، والقوة الثقافية التي تأتي من حرية التعبير والبحث، والقوة الشخصية التي تخول لكل مواطن عربي أن يشعر في الحقيقة أنه مواطن لا مجرد نعجة في قطيع الراعي العظيم".
هذه هي اللحظة التي ينبغي على القادة المستنيرين في المنطقة وحول العالم اغتنامها للعمل سويا من أجل بناء الحوكمة الشاملة. ويعني ذلك أنه يجب على القادة تحقيق الشفافية في أعمالهم والمشاركة مع المواطنين لكي يشعروا – كما يقول إدوارد سعيد – أنهم مواطنون حقا؛ كما يعني وجوب الاستثمار في الناس؛ ويعني أنه عليهم خلق بيئات الأعمال التي تشجع استثمارات القطاع الخاص. فأعظم قوة لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تتمثل في شعوبها – وخاصة الشباب. وإذا استثمر القادة في الرعاية الصحية والتعليمية لهؤلاء الشباب وأتاحوا للشباب الفرص من خلال تنويع الاقتصاد وإطلاق العنان لديناميكية القطاع الخاص، فإن مستقبل هذه المنطقة سوف يصبح أكثر إشراقا. بالحوكمة الرشيدة ستكون الفرصة أعظم مع تحقيق الرخاء للجميع.
أود أن أدلي بملاحظة أخيرة للشيخ محمد بن راشد. خلال زيارتي للإمارات العربية المتحدة – وهي أول زيارة لي – أُعجِبتُ أيما إعجاب بما حققه هو والشيخ محمد بن زايد والقادة الآخرون. وإذا التزمت بقية المنطقة بنوعية الحوكمة الرشيدة التي قامت عليها دولة الإمارات الحديثة الديناميكية فإن آفاق السلام والرخاء ستتحسن إلى حد كبير.
أتعهد أن نستمر في التعلم منكم وننقل قصص النجاح هنا إلى بلدان أخرى حول العالم. كما أتعهد أن نقف إلى جانبكم لنقدم يد العون والمساعدة وأنتم تحققون إنجازات لم تتخيلوها اليوم، وهي إنجازات سوف نشعر بها جميعا في السنوات القادمة.