السيد الرئيس سيّد - خيّوم، السيدة جورجيفا مدير عام صندوق النقد الدولي، السادة المحافظون، الضيوف الكرام، أشكركم على مشاركتنا في حضور الاجتماعات السنوية. وأود أن أرحب بالسيد جيمس وولفنسون رئيس مجموعة البنك الدولي الأسبق الذي يحضر معنا اليوم. شكرا يا جيم -- وشكرا للقادة الآخرين الحاضرين - - على عملكم الدؤوب وعلى ما أبديتموه من قيادة وقدمتموه من خدمات.
وأشكرك سيدي الرئيس على كلمتك. لقد واجه المندوبون الذين اجتمعوا في مؤتمر بريتون وودز قبل 75 عاما ظلالا كثيفة من الشك وعدم اليقين. كانت الحرب مستعرة في أوروبا والمحيط الهادئ. وكان الاقتصاد العالمي قد ظل يعاني لأكثر من عشر سنوات من ارتفاع الحواجز الجمركية، والكساد، والحروب.
وفي حفل افتتاح المؤتمر حينئذ، قال وزير الخزانة الأمريكي مورجنثو إن النظام العالمي الجديد يجب أن يقوم على أساس فكرتين اثنتين. أولا، أنه لا حدود أمام تحقيق الرخاء. ثانيا، أن الرخاء الذي يتسع نطاق المشاركة فيه يعود بالنفع على الجميع. وأعرب مورجنثو عن أمله في إنشاء "اقتصاد عالمي ديناميكي" تتاح الفرصة فيه لشعوب كل البلدان "لرفع مستوى معيشتهم والتمتع بصورة متزايدة بثمار التقدم المادي".
إننا في مجموعة البنك الدولي عازمون على مساعدة البلدان على تحويل هذا الأمل إلى واقع ملموس. وحتى عندما يواجه الاقتصاد العالمي وقتا عصيبا، فإننا نعتقد أن بالإمكان رفع مستويات المعيشة في الكثير من البلدان. ونحن ملتزمون بتحقيق هدفينا لإنهاء الفقر المدقع وتعزيز الرخاء المشترك -- اللذين يأتيان في صميم الغرض من مؤسسات بريتون وودز وفي صميم اجتماعاتنا السنوية.
لقد عزز الوقت القصير الذي أمضيته في منصبي هذا قناعتي بالطابع العاجل والملّح الذي تتسم به رسالتنا والتحديات التي نواجهها. وقد قطعت بعض البلدان خطوات كبيرة في مساعدة مواطنيها من الفقراء، إلا أنه لا يزال هناك شخص واحد يعيش في فقر مدقع من بين كل 12 شخصا في العالم، ويعيش الكثيرون من هؤلاء في مناطق هشة مزقتها الصراعات. ولا تستطيع المؤسسات القائمة في أحوال كثيرة أن تقدم خدمات مفيدة لمن هم في حاجة إليها، وتظهر توقعات النمو الخاصة بالعديد من البلدان أن معدلات الفقر مرشحة للارتفاع وليس العكس.
لقد استفدت كثيرا من رحلاتي المثمرة إلى بعض البلدان النامية، وهي: مصر وإثيوبيا ومدغشقر وموزامبيق. وأتوقع أن أزور كلا من الهند وباكستان والمكسيك والصين في الأسابيع القادمة لتشجيعها على تسريع عجلة التقدم المحرز نحو تحسين السياسات، وتوسيع قاعدة النمو، ورفع مستويات المعيشة للجميع. ومن بين أكثر الأنشطة ذات القيمّة ذلك الوقت الذي أمضيته في اجتماعاتي الفردية مع قادة العالم -- نحو مائة من رؤساء الدول منذ تسميتي لشغل منصبي هذا. فأنا استمع إلى آرائهم وأتعلم من التحديات التي تواجهها بلدانهم واستبشر خيرا بتقبلهم للإصلاحات التي يمكن أن تزيد معدلات النمو وفرص العمل ومستويات الدخل.
وأود أن أعرض عليكم صورة شاملة بآخر المستجدات عن عمل مجموعة البنك الدولي. تستند هذه الصورة إلى اثنتين من الكلمات التي ألقيتها مؤخرا. ففي معهد بيترسون، قدمت وصفا للآفاق الاقتصادية العالمية الضعيفة، التي تتجلى بصورة خاصة في أوروبا، وكذلك حركة التجارة وغموض الأوضاع الجيوسياسية، وتراجع معدلات الاستثمار، ورأس المال المجمد في السندات ذات العائد المنخفض. وذكرت أن هذا المزيج من العوامل يشكل تحديات خطيرة أمام التنمية. وفي جامعة ماك غيل الأسبوع الماضي، وصفت بعض أدواتنا الإنمائية التي تدعونا للتفاؤل. فنحن نسعى إلى إحداث تأثير جوهري من حيث توسيع قاعدة النمو، والشفافية وسيادة القانون، وتوسيع مشاركة القطاع الخاص-- وذلك بالعمل على نحو فاعل من خلال مجموعة متنوعة من المنتجات والأدوات، منها القروض والاعتمادات والضمانات والمنح والاستثمارات في أسهم رأس المال والتأمين والخدمات الاستشارية وخدمات إدارة المخاطر. وأدعو السادة المحافظين إلى تقديم إسهاماتهم ورؤاهم حول هذه الموضوعات، وأرحب بالآراء الحكيمة والمتبصرة للحاضرين هنا اليوم وغيرهم في مجتمع التنمية.
تنفيذ زيادة رأس المال
يتمثل أحد تعهداتنا الرئيسية في تنفيذ حزمة الزيادة في رأس المال التي وافق عليها مساهمونا في عام 2018. وأرغب في اغتنام هذه الفرصة لأشكرهم على دعمهم الذي يمكننا من تنفيذ الإصلاحات الأساسية. لقد قدم العديد من البلدان الأعضاء وثائق اكتتاباتهم في البنك الدولي للإنشاء والتعمير (IBRD)، وأتم بعضهم بالفعل إجراءات دفع اكتتاباتهم. وأنا في هذا المقام أحث الأعضاء الآخرين على أن يحذوا حذوهم أيضا.
ويسرني أن أبلغكم أنه منذ أن وصلت زيادة رأسمال البنك الدولي للإنشاء والتعمير إلى المستوى المطلوب البالغ 75% من موافقات المساهمين قبل عام، فإن رأس ماله المكتتب فيه قد ارتفع حوالي 8.7 مليار دولار، أي بحوالي 15% من الزيادة المتفق عليها.
وتقترب حزمة زيادة رأسمال مؤسسة التمويل الدولية (IFC) من المستويات المطلوبة لموافقة المساهمين. ولذا، فقد قمنا بتمديد فترة التصويت إلى 18 مارس/آذار 2020. وتمضي مؤسسة التمويل الدولية في تنفيذ خطة زيادة رأسمالها، حيث تحول تركيزها إلى العمل "المسبق" لفتح أسواق جديدة وإطلاق مشروعات من شأنها زيادة الاستثمارات الخاصة في جميع البلدان، وخاصة الأشد فقرا.
وشهدت الوكالة الدولية لضمان الاستثمار (MIGA) نموا كبيرا في إطار إستراتيجيتها للسنوات المالية 2018 - 2020. ويرجع السبب في هذا النمو إلى تعميق شراكتها مع البنك ومؤسسة التمويل الدولية، وزيادة تركيزها على تطوير أنشطة الأعمال وابتكار المنتجات والأدوات الجديدة. وقد وسعت الوكالة أنشطتها لإعادة التأمين لتصل إلى 70% من إجمالي المسؤوليات الضمانية. وسيمكنها ذلك من مواصلة نموها في الأجل المتوسط مع تطور أوضاع الاقتصاد الكلي العالمية وظروف العمل.
ونعمل حاليا على زيادة حصة القروض لتلك البلدان المقترضة من البنك الدولي للإنشاء والتعمير التي يقل دخلها عن حد التخرج من أهلية الاقتراض. وكجزء من أطر شراكاتنا القُطرية للبلدان المقترضة من البنك الدولي للإنشاء والتعمير ذات الدخل الأعلى، نقوم على نحو منهجي بتحليل العناصر الأساسية لسياسة التخرج من أهلية الاقتراض من البنك الدولي للإنشاء والتعمير وتقييمها. ومن شأن ذلك أن يغير شكل إقراض البنك بصورة كبيرة، مما يساعد البلدان الأشد احتياجا له، لكنه يشكل عبئا على صافي دخله. وقد عدلنا أسعار قروضنا، وننفذ حاليا تدابير مالية أخرى لتحسين الاستدامة المالية للبنك الدولي للإنشاء والتعمير. وفي يونيو/حزيران، وافق المجلس على مخصص للوقاية من الأزمات، وكذلك على حد سنوي لإقراضنا للتأكد من استمرار تمتع البنك الدولي للإنشاء والتعمير بالاستدامة المالية من دون الحاجة إلى إجراء زيادة رأسمالية أخرى.
ويلتزم جهاز الإدارة بممارسة الانضباط في التكاليف طوال العام. وقد حققت مراجعة الإنفاق 4.8 مليار دولار من الوفورات المتوقعة في السنوات المالية 2019 وحتى 2030، ويجري إحراز تقدم نحو تحقيق مكاسب تراكمية إضافية نتيجة لزيادة الكفاءة قدرها 1.8 مليار دولار من حزمة رأس المال. وبالنسبة للبنك، فإن انضباط التكاليف سيتحقق من خلال إحكام النطاقات المستهدفة التي تشكل "ركيزة الموازنة"، أي نسبة المصروفات الإدارية إلى إيرادات الأعمال. وكانت السنة المالية 2019 هي الأولى على مدى عقود عديدة تقل فيها المصروفات الإدارية للبنك الدولي للإنشاء والتعمير والمؤسسة الدولية للتنمية عن إيرادات أعمالهما. وفي إطار زيادة رأسمال مجموعة البنك الدولي، فإننا نلتزم بهدف طموح جديد يتمثل في خفض نسبة الموازنة الإدارية للبنك الدولي للإنشاء والتعمير إلى الدخل المتحقق من هامش الإقراض تدريجيا، ونستهدف أن يكون ذلك في حدود 50 - 60% بحلول السنة المالية 2030. ولا شك أن هذه الأهداف الأساسية قاسية، لكن البنك ملتزم بتحقيقها.
إعادة تجديد موارد المؤسسة الدولية للتنمية
إن ضمان تمتع المؤسسة الدولية للتنمية بموارد تمويلية مناسبة يشكل خطوة بالغة الأهمية في دعم بلدان القرن الأفريقي ومنطقة الساحل وأهدافنا الإنمائية في مختلف أنحاء العالم. وتُعتبر المؤسسة الدولية للتنمية أكبر المنصات وأكثرها فاعلية في محاربة الفقر المدقع على مستوى العالم. وتحقق الدورة التاسعة عشرة الحالية لتجديد موارد المؤسسة (IDA 19)، التي تستمر لثلاث سنوات، تقدما كبيرا، وأنا متفائل بمشاركة البلدان المانحة. وستتواصل المشاورات مع شركاء المؤسسة في الأشهر المقبلة لوضع اللمسات النهائية على حزمة السياسات وإطار التمويل الخاصين بهذه الدورة.
وفي الوقت نفسه، تواصل المؤسسة الدولية للتنمية العمل لتحقيق نواتج إنمائية جيدة وفقا للاعتمادات المالية الحالية. وقد عملنا على مضاعفة ارتباطاتنا للبلدان المتأثرة بأوضاع الهشاشة والصراع والعنف، وكذلك تدعيم قدرة البلدان المقترضة على التصدي للأزمات، بما في ذلك من خلال نافذة الاستجابة للأزمات. ومنذ عام 2010، ساعدت الموارد التمويلية التي قدمتها المؤسسة 769 مليون شخص على الحصول على خدمات أساسية في مجالات الرعاية الصحية والتغذية والسكان، وشمل ذلك توفير لقاحات لأكثر من 300 مليون طفل. وأدت جهود المؤسسة إلى تحسين قدرة حوالي 100 مليون شخص على الحصول على خدمات مياه الشرب، كما ساعدت على تعيين أو تدريب 13 مليون معلم، وعلى إنشاء أو تحسين أكثر من 146 ألف كيلومتر من الطرق.
هناك حاجة ملحة لتمويل المؤسسة الدولية للتنمية، ونحن نعول على استمرار الدعم القوي من البلدان المساهمة والمانحة في تمويل المؤسسة ونحن نواجه هذه التحديات. وترتكز العملية التاسعة عشرة لتجديد موارد المؤسسة (IDA19) على خمسة محاور تركيز خاصة، هي: الوظائف والتحول الاقتصادي؛ والهشاشة والصراع والعنف؛ وتغير المناخ؛ والمساواة بين الجنسين والتنمية؛ والحوكمة والمؤسسات. كما أنها ستدمج أربع قضايا مشتركة أخرى في عملها، هي: معالجة أوجه الضعف المتصلة بالديون، واستغلال الفرص التي تتيحها التكنولوجيا الرقمية، والاستثمار في البشر لبناء رأس المال البشري، وتشجيع احتواء ذوي الإعاقة. وتشتمل هذه الحزمة على توسع كبير في البرنامج الإقليمي، وكذلك زيادة أخرى في الموارد المخصصة لمواجهة أوضاع الهشاشة والصراع والعنف. وستواصل نافذة القطاع الخاص، التي استحدثها البنك في إطار العملية الثامنة عشرة لتجديد موارد المؤسسة (IDA18)، بالتعاون مع مؤسسة التمويل الدولية والوكالة الدولية لضمان الاستثمار، المساعدة في تعبئة رأس المال الخاص والتوسع في تنمية القطاع الخاص، لاسيما في الأوضاع الهشة.
وستوسع العملية التاسعة عشرة نطاق البرنامج الإقليمي للمؤسسة، وكذلك ستزيد الموارد المخصصة لمواجهة أوضاع الهشاشة. ونحن نتوقع أن يصبح الفقر أكثر تركّزا في الدول الهشة والمتأثرة بالصراعات، مع فرار الكثير من اللاجئين إلى بلدان تواجه بالفعل مصاعب في توفير الخدمات الأساسية والأمن والسلام لمواطنيها. ومن الجدير بالملاحظة، أن ارتباطات المؤسسة للبلدان المتضررة من أوضاع الهشاشة والصراع والعنف قد بلغت ثمانية مليارات دولار في السنة المالية 2019.
فيما يتعلق بالسلام والأمن، اسمحوا لي أن أسلط الضوء على اجتماع واحد فقط من بين عشرات الاجتماعات البارزة. في نهاية شهر أبريل/نيسان، التقيت رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد الذي وصف لي بشغف وحماس عمله على ترسيخ السلام في المنطقة، ورحلاته إلى البلدان المجاورة لتحقيق ذلك، وبرنامجه الاقتصادي الرائع الذي نسانده من خلال أحد أكبر برامجنا في العالم. لقد اتصلت برئيس الوزراء آبي يوم الجمعة بعد إعلان فوزه بجائزة نوبل للسلام. وهنأته على حصوله على إحدى أبرز الجوائز العالمية وأرقاها، وذلك في وجود عدد من كبار المسؤولين بمكتبي من مختلف مؤسسات مجموعة البنك الدولي، نساء ورجالا ممن يعملون بجد لمساعدة إثيوبيا والمنطقة. وبفضل الجهود التي شارك فيها آبي أحمد وغيره في المنطقة، هناك فرصة سانحة الآن أمام منطقة القرن الأفريقي للخلاص من دوامة العنف التي طال أمدها.
وفي الأسابيع الأخيرة، أتيحت لي الفرصة لمقابلة بعض زعماء الدول المجاورة وتشجيعهم وهي، دولة السودان والصومال وكينيا ورواندا ومصر، وسيلتقي كذلك مسؤولون آخرون بالبنك الدولي بزعماء كل من جنوب السودان وإريتريا وجيبوتي. ويمكننا جميعا اليوم أن نتوقف لبرهة للبحث عن أفضل السبل لمساعدة هذه المنطقة المهمة على التقدم إلى الأمام بخطى كبيرة.
موظفونا مفتاح النجاح
هذا يقودني إلى أهمية موظفي مجموعة البنك الدولي الذين يواصلون جهودهم المتفانية ويبرهنون على مهاراتهم وخبراتهم في العمل يوميا. وأنا أرحب بقضاء بعض الوقت القيم مع المئات من موظفينا وخبرائنا العاملين في مجال التنمية. وكانت كريستالينا جورجييفا أحد أكثر موظفينا نشاطا وحيوية، وأود أن أغتنم هذه الفرصة الآن للإشادة بمنجزاتها وتهنئتها على تعيينها مديرا عاما لصندوق النقد الدولي.
تهانينا كريستالينا. سنفتقدكِ جميعا في مؤسسات مجموعة البنك الدولي وأروقتها، لكننا نتطلع إلى قيامك بدور قيادي قوي في صندوق النقد الدولي، وإلى العمل معك في برامج النمو في البلدان النامية.
كما أود أيضا أن أطلعكم على التحول الذي يحدث في قيادة البنك. يمضي هذا التحول بخطى سريعة ولكن سلسة. وأود أن أهنئ مديرنا المنتدب الجديد، أكسيل فان تروتسنبرغ. كثيرون منكم هنا يعرف مدى عمق تجاربه وخبراته الواسعة -- التي تشمل على سبيل المثال لا الحصر العمليات الإقليمية وعمليات إعادة تجديد موارد المؤسسة الدولية للتنمية، وعلاقاته مع الأطراف المعنية، فضلا عن مهاراته القيادية. وأنا أعمل بشكل وثيق مع أكسيل، ونتطلع إلى المزيد من الأفكار المبتكرة في مجموعة البنك الدولي، واستمرارية الغاية، وقوة التنفيذ.
وأقدم تهانئي كذلك إلى المديرة المنتدبة أنشولا كانت التي تولت أيضا في 7 أكتوبر/تشرين الأول منصب رئيس الخبراء الماليين. تتمتع أنشولا بأكثر من 35 عاما من الخبرة في العمل المصرفي والتمويل والتكنولوجيا والإدارة، وشغلت حتى وقت قريب منصب المدير العام لمصرف ستيت بنك أوف إنديا.
وأشكر فيليب لو هورو المسؤول التنفيذي الأول لمؤسسة التمويل الدولية على المشاركة في رئاسة العملية التاسعة عشرة لتجديد موارد المؤسسة الدولية للتنمية، بجانب مهامه الحالية، مع أنطوانيت سايح.
كما أود أن أشكر كايكو هوندا على السنوات الست التي قضتها في الوكالة الدولية لضمان الاستثمار. ونحن بصدد الانتهاء من عملية بحث واسعة لإيجاد خلف لها، ويحدوني الأمل في أن أوافيكم بآخر المستجدات في الأسابيع القادمة.
وبالنظر في مختلف وحدات مجموعة البنك الدولي، فإننا ندرك التحديات المتعلقة بالتحول في قيادة البنك، لكننا ندرك أيضا الفرص المتاحة للتركيز على رسالتنا والعمل الدؤوب والاستفادة من هذا التغيير. وأنا أتطلع إلى إسهامات الموظفين وآرائهم وكذا غيرهم من أصحاب المصلحة. وفي حين يُعد اختلاف وجهات النظر من الأمور الشائعة – بل الضرورية من أجل عملية اتخاذ القرارات الجيدة -- فإن ما يسعدني ويثلج صدري هو كيف يعمل الجميع معا، وأنا واثق من أننا في وضع جيد يُمكننا من إحراز تقدم ثابت نيابة عن أصحاب المصلحة المباشرة.
يعمل البنك الدولي للإنشاء والتعمير والمؤسسة الدولية للتنمية ومؤسسة التمويل الدولية والوكالة الدولية لضمان الاستثمار معا لجعل مجموعة البنك أكثر فاعلية وكفاءة وخضوعا للمساءلة. وتشتمل الخطوات التي تم اتخاذها على تنسيق برامجنا القُطرية، والتشارك في المكاتب، ومواءمة هيكل موظفينا ليلائم احتياجات البرامج القُطرية، وتكييف الأثر العالمي لمجموعة البنك الدولي لزيادة تواجدنا في البلدان الأقل دخلا، ومنح موظفينا مزايا جذابة للاضطلاع بعملهم وعادلة بالنسبة لأصحاب المصلحة، وتطوير منابر قُطرية من شأنها مساعدة الحكومات على العمل بمزيد من الفاعلية مع مجتمع المستثمرين بأكمله. ونشجع أيضا على التوسع في تبادل موظفينا بين مؤسسات ووحدات مجموعة البنك، وتكوين المزيد من الفرق المشتركة للعمل معا إزاء أي مشكلة للتوصل إلى حلول أفضل من أجل البلدان المتعاملة معنا. ويمثل النجاح في تنفيذ هذه التدابير عنصرا بالغ الأهمية في تحقيق رسالتنا.
النتائج المالية
على مدى الأشهر القليلة الماضية، أفدنا عن نتائجنا المالية بعدة طرق. فيما يتعلق بالسنة المالية المنتهية في 30 يونيو/حزيران 2019، نشرنا ارتباطاتنا وقوائمنا المالية و"مناقشات وتحليلات جهاز الإدارة" التفصيلية، وتقاريرنا السنوية التي صدرت مؤخرا. ونحن نؤمن بأهمية الشفافية للبلدان المقترضة ونرغب في ممارستها بأنفسنا. وأبرزت النتائج المالية لهذه السنة قوة المراكز المالية لمؤسسات مجموعة البنك، والطلب المطرد على التمويل، والدعم المستمر الذي تتلقاه من البلدان المساهمة.
إننا نعمل لزيادة ارتباطات قروضنا لمساعدة البلدان الأقل دخلا في سعيها لتحسين آفاق مستقبلها الإنمائي، ولتوجيه الموارد صوب البلدان التي تعاني أوضاع الهشاشة والصراع والعنف. وقد ضاعفنا المخصصات الأساسية للبلدان المتأثرة بأوضاع الهشاشة والصراع والعنف لتصل إلى أكثر من 14 مليار دولار في إطار العملية الثامنة عشرة لتجديد موارد المؤسسة الدولية للتنمية. وقدم البرنامج العالمي لتسهيلات التمويل المُيسَّر منحا بحوالي 500 مليون دولار لتعبئة أكثر من 2.5 مليار دولار من التمويل الميسَّر لمساعدة الأردن ولبنان على التصدي لآثار تدفق اللاجئين السوريين، وكذلك لكولومبيا لمساعدتها على تلبية احتياجات أكثر من 1.4 مليون نازح فنزويلي والمجتمعات المحلية المضيفة لهم.
بالنسبة للسنة المالية 2019، بلغت ارتباطات مجموعة البنك الدولي حوالي 60 مليار دولار.
وكانت ارتباطات البنك الدولي للإنشاء والتعمير مساويةً لمستواها في العام السابق، إذ بلغت 23 مليار دولار، بينما زادت المبالغ المنصرفة بنسبة 16% لتبلغ 20 مليار دولار في السنة المالية 2019. وبلغت ارتباطاتنا للبلدان التي يقل دخلها عن الحد الوارد في مناقشة التخرج من أهلية الاقتراض أكثر من 70% العام الماضي. ومن أجل تقوية إدارته المالية، قام البنك الدولي للإنشاء والتعمير بتطبيق إطار للاستدامة المالية وحد للإقراض.
وبالنظر إلى أقساط القروض المسددة، بلغ صافي المبالغ المنصرفة 10 مليارات دولار في السنة المالية 2019. وزاد هذا محفظة قروض البنك الدولي للإنشاء والتعمير إلى 193 مليار دولار أي بزيادة 5% عن مستواها قبل عام. وفي الموازنة العمومية للسنة المالية 2019، قام البنك الدولي للإنشاء والتعمير بحساب مركز أصوله من المشتقات المالية ومركز الخصومات بالصافي وفقا للمعاملة المحاسبية المفضلة والممارسات السائدة بالأسواق. وقام البنك بتعبئة ديون متوسطة إلى طويلة الأجل بقيمة 54 مليار دولار في السنة المالية 2019. وبلغ الدخل القابل للتخصيص -وهو المقياس الداخلي الذي يستخدمه البنك في اتخاذ القرارات المتصلة بتخصيص صافي الدخل- 1.19 مليار دولار، وهو ما يعكس التأثير التدريجي لمقاييس التسعير الجديدة، وسوف يُستخدم في زيادة الاحتياطيات ومساندة المؤسسة الدولية للتنمية.
أما المؤسسة الدولية للتنمية فقد بلغت ارتباطاتها 22 مليار دولار في السنة المالية 2019، وزاد صافي المبالغ المنصرفة بمقدار الثلث تقريبا، ليصل رصيد القروض غير المُسدَّدة إلى 152 مليار دولار. واستخدمت المؤسسة أدواتها للدين قصيرة الأجل في أسواق رأس المال، ووصل رصيد الديون غير المسددة إلى 1.9 مليار دولار حتى 30 يونيو/حزيران 2019. وفي الأسبوع الماضي، أصدرت سندا دوليا بقيمة 1.25 مليار يورو بأجل استحقاق يبلغ سبع سنوات.
اختتمت مؤسسة التمويل الدولية السنة المالية 2019 بمحفظة قروض طويلة الأجل قدرها 8.9 مليار دولار من حسابها الخاص، وعبَّأت 10.2 مليار دولار إضافية من مستثمرين آخرين، ليصل إجمالي برنامج الإقراض إلى أكثر من 19 مليار دولار. وسجَّلت المؤسسة دخلا من محفظة القروض وسندات الدين بلغ بعد خصم تكاليف التمويل المخصص 872 مليون دولار. وبلغ حجم الدخل المتاح للتخصيص - وهو المقياس الداخلي الأساسي - ما قيمته 909 ملايين دولار في السنة المالية 2019. وقامت المؤسسة بتعبئة ديون متوسطة إلى طويلة الأجل بقيمة 11 مليار دولار في السنة المالية 2019. وفي السنة المالية 2019 أيضا، اعتمدت المؤسسة معيارا محاسبيا جديدا نتج عنه تسجيلها كل الأرباح والخسائر على الاستثمارات في أسهم حقوق الملكية في خانة الدخل الصافي.
تقدم الوكالة الدولية لضمان الاستثمار التأمين ضد المخاطر السياسية وكذلك أدوات تعزيز الائتمان. وأصدرت الوكالة ضمانات بقيمة 5.5 مليار دولار في السنة المالية 2019، أي ضعف ما أصدرته قبل ستة أعوام، كما عبأت 9.3 مليار دولار من التمويل الإنمائي. وبلغ إجمالي التغطية الضمانية التي قدمتها الوكالة مستوى قياسيا قدره 23.3 مليار دولار، أو أكثر من ضعفي ما قدمته قبل ستة أعوام. وسجَّلت الوكالة دخلا صافيا قدره 82.4 مليون دولار في السنة المالية 2019. وعلى الرغم من نمو محفظة عمليات الوكالة، فإن نسبة استغلال رأس المال (وهو مقياس كفاية رأس المال في الوكالة) ظلت مستقرة عند 47%. ويعكس هذا استمرار الوكالة في استخدام قدرات إعادة التأمين في القطاع الخاص في إدارة رأسمالها، مع التنازل عن 64% من إجمالي التغطية الضمانية لصالح إعادة التأمين بنهاية السنة المالية 2019.
وفي ظل تمتعنا بإحدى أكبر الموازنات العمومية ذات آجال الاستحقاق الطويلة المرتبطة بسعر الفائدة المعمول به فيما بين مصارف لندن (LIBOR)، فإننا نتطلع للعمل على أساس استباقي ومنظم للتحول إلى اعتماد سعر فائدة الليبور في الخدمات المالية، ومن ثم الحفاظ على سلامة النموذج المالي للبنك، وفي الوقت ذاته تطبيق مبادئ الإنصاف والشفافية.
برنامج العمل
استشرافا للمستقبل، فإننا نواجه عددا من التحديات الإنمائية. وأود أن أُحدِّد بإيجاز تلك التحديات، وأن أُبيِّن بعض النهج التي نتبعها. لقد تراجعت وتيرة النمو العالمي، ولا تكفي معدلات الاستثمار في البلدان النامية لتلبية الاحتياجات الإنمائية، وتزداد نظم الرعاية الصحية، ونواتج التعلم والتكنولوجيا بعدا عن تلبية الاحتياجات، وتتسبَّب تغيرات المناخ والظواهر المناخية العاتية في خسائر فادحة، وفي بعض البلدان تنمو أعداد السكان بسرعة أكبر كثيرا من الموارد والقدرات المتاحة، ويعاني الكثير من البلدان من أوضاع الهشاشة والصراع والعنف، وهو ما يجعل التنمية أكثر إلحاحا وأشد صعوبة من أي وقت مضى. ونتيجة ذلك كله هي أن عدة بلدان تواجه زيادة معدلات الفقر وتناقص متوسط الدخول، على النقيض مما ترمي إليه رسالتنا.
وإننا نشحذ تركيزنا على وضع برامج قُطرية قوية لتعزيز النمو وتحسين نواتج التنمية. ومن قبيل المبالغة في التبسيط، أقول إننا- أقصد البنك الدولي ومؤسسة التمويل الدولية والوكالة الدولية لضمان الاستثمار- نعمل من خلال المكاتب القُطرية والمديرين القُطريين وبدعم من الخبراء الفنيين ومديري البرامج لمساعدة الحكومات على تحقيق تحسينات. ويمكن تصميم هذه البرامج بما يلائم الظروف الفريدة لكل بلد ومنطقة.
إن التنسيق مع بنوك التنمية متعددة الأطراف الأخرى جزء رئيسي من عملنا في مجال التنمية. ونحن نُشجِّع على تحسين تنفيذ برامج التأهيل، وتمايز الأسعار لتفادي تقويض أعمال وتعهدات ومعايير البعض على يد البعض الآخر. ونعمل بالتعاون مع البلدان ومجتمع التنمية لإطلاق منابر قُطرية. إذ يمكنها مساعدة البلدان على تحديد أولويات قضاياها الإنمائية الرئيسية، وتشجيع المانحين، ومنهم المانحون غير التقليديين على المشاركة على نحو بناء للغاية. ولاتزال الكثير من المجموعات الدولية تقوم بتشكيل المزيد من فرق المناقشة لبحث كيفية تعريف المنابر القُطرية وتوحيدها ونشرها مركزيا وتوجيهها. ولكن وجهة النظر القوية لمجموعة البنك الدولي هي أنه جرت مناقشات وافية، وتم التوصل إلى تقارير ختامية. والخطوات التالية ذات طبيعة عملية، على سبيل المثال مساعدة البلدان على تنظيم اجتماعات داخلية هذا الشهر لتحديد أولويات أنشطتها مع الجهات المانحة الرئيسية. ونحن نعمل بشأن المنابر القُطرية مع 11 بلدا حتى الآن. وسيجري تصميم النواتج بما يتسق وظروف البلدان واحتياجاتها، وستزيد هذه النواتج التركيز على إشراك القطاع الخاص وأنشطته. والهدف المراد تحقيقه هو أن تقوم مجموعة البنك الدولي ومجتمع التنمية الأوسع بدور فاعل قدر المستطاع في مساعدة البلدان على تحقيق نواتج إنمائية جيدة.
وفي سياق هذه العملية، ينبغي للبلدان القيام بدور ريادي قوي في اختيار مسار يمكن أن ينجح على كافة الأصعدة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. وقد بات واضحا أن جودة السياسات والمؤسسات لها دور رئيسي في تفسير السبب في أن بعض البلدان النامية نجحت في الخلاص من براثن الفقر، بينما عجزت بلدان أخرى عن تحقيق تقدم. ومن الجلي أيضا أن التنمية لا يمكن فرضها من الخارج، فريادة البلد المعني ومسؤوليته أمران مهمان.
لقد كانت الوظائف والتحول الاقتصادي موضوعا رئيسيا في مناقشات لجنة التنمية هذا الأسبوع. وتشمل المحاور الرئيسية لهذا الموضوع الحصول على الماء النظيف، وإمكانية الحصول المنتظم على الكهرباء، والأسواق، وأسعار السوق لاسيما للمستلزمات والمنتجات الزراعية. والخطوات الرئيسية للتنمية هي إرساء سيادة قانون يمكن التعويل عليه، يُشجِّع على الشفافية في التعاقدات الحكومية ومعاشات التقاعد، ويحارب الفساد، ويبني مؤسسات قوية وخاضعة للمساءلة، ويتيح تكافؤ الفرص حتى يتسنى للقطاع الخاص أن ينافس المشروعات المملوكة للدولة، والجيش، والحكومة نفسها منافسةً عادلة. وبالنسبة لكثير من البلدان يتطلب هذا فتح أسواقها المغلقة والمحمية، والسماح للأسعار أن تُحدِّدها عوامل السوق، وتحرير تدفقات رؤوس الأموال. وثمرة هذا هي أن البلدان التي تتخذ هذه الخطوة تجتذب قدرا أكبر من الاستثمارات، الأجنبية والمحلية، ويمكنها تحقيق نمو يعود بالنفع على قطاع أوسع من السكان.
ويجب أن يضطلع القطاع الخاص بدور محوري في التنمية. ومع ركود المساعدات الإنمائية الرسمية، وازدياد ديون القطاع العام في الكثير من البلدان، أصبح من الضروري أن ننتهج حلولا مستمدة من القطاع الخاص، وأن نخلق بيئة تجتذب مستثمري القطاع الخاص. وقد ابتكرت مؤسسة التمويل الدولية والبنك الدولي ما نُسمِّيه "النهج التعاقبي" الذي يهدف إلى تبنِّي الحلول المستمدة من القطاع الخاص للتحديات الإنمائية، ويُوجِّه برامج البنك الدولي للتغلب على العقبات في إطار القطاع الخاص. ولهذا النهج أهمية بالغة لاجتذاب استثمارات جديدة وتعزيز أثر كل دولار ينفق على التنمية.
وتهدف الدراسة التشخيصية القُطرية المنهجية للبنك الدولي والدراسة التشخيصية القُطرية للقطاع الخاص لمؤسسة التمويل الدولية إلى تقييم الحواجز التي تعوق استثمارات القطاع الخاص، وتوصيان بسبل تذليلها والتغلب عليها. وإننا نعمل لتعميق أسواق رأس المال، وهو عامل رئيسي للتنمية على الأمد الطويل. ومن خلال برنامج أسواق رأس المال المشترك، تساعد مؤسسة التمويل الدولية والبنك الدولي البلدان على إقامة أسواق محلية لرأس المال عن طريق الإصلاحات والاستثمارات من بنغلادش إلى المغرب.
وثمة عقبة كبيرة في طريق الاستثمار ألا وهي حجم الديون السيادية وديون المؤسسات المملوكة للدولة للبلد المعني، وغياب الشفافية بشأن الديون. فقد قفزت الديون العامة في بلدان الأسواق الصاعدة والبلدان منخفضة الدخل إلى مستويات لم نشهدها منذ ثمانينيات القرن الماضي، وجزء كبير من تلك الديون يفتقر إلى الشفافية. وبعض المقرضين، ومنهم مقرضون ليسوا أعضاء في نادي باريس ودائنون من القطاع الخاص، يفرضون بنودا صارمة تشترط عدم الإفصاح عن المقترضين من الحكومات، ويطلبون امتيازات وضمانات تنتهك شروط التعهد السلبي في تعاقدات قروضنا، ويستخدمون معايير أضعف فيما يتعلق بالمشتريات والتعاقدات الحكومية والجوانب البيئية والاجتماعية، ويقدمون ديونا مضمونة لمنشآت مملوكة للدولة وأدوات ذات أغراض خاصة تقوض القدرة على الاستمرار في تحمل أعباء الديون، ولا يولون اهتماما كافيا لسياسات الاقتراض غير المُيسَّر ذات الأهمية البالغة للخلاص من براثن الفقر.
وحينما تتحرَّى البلدان الشفافية في سياساتها، فإنها تتمتَّع في العادة بتصنيفات ائتمانية أفضل، وتكاليف أقل للاقتراض، وقدرة أكبر على اجتذاب الاستثمار الأجنبي المباشر. ولكننا وجدنا أن أقل من نصف البلدان التي استعرضنا أوضاعها تلبي الحد الأدنى من المتطلبات اللازمة لتسجيل الديون ومتابعتها والإبلاغ عنها. وينبغي للمُقرِضين التحلِّي بمزيد من الشفافية، وإلغاء البنود السرية غير المعلنة في قروضهم للهيئات السيادية المقترضة.
ومن الضروري أيضا تحري الشفافية في النفقات العامة ومعاشات التقاعد العامة. ونحن نساند استعراضات النفقات العامة لفهم أوجه النقص والقصور في تقديم الخدمات فيما يتصل بقرارات تخصيص الموارد، والاختناقات المتصلة بهذه العملية. وتساعد هذه الأنشطة التشخيصية البلدان على اعتماد نُهُج أكثر فاعلية وشفافية في تخصيص موارد الموازنة، بما في ذلك ما يتصل بقطاعات مُعيَّنة، مثل الرعاية الصحية أو التعليم أو البنية التحتية.
إن ما نُقدِّمه من تمويل لأغراض سياسات التنمية يقوم على صرف الأموال على أساس تحقيق إصلاحات مُؤثرة على صعيد السياسات مسبقا، وسيلعب هذا التمويل على نحو متزايد دورا مهما في التشجيع على اتباع ممارسات اقتراض أكثر شفافية واستدامة، وكذلك نفقات عامة وإصلاحات للسياسات أكثر فاعلية وكفاءة؛ حتى يمكن للمواطنين الاطلاع على التزامات حكومتهم واستخدامها لحصيلة القروض.
إن الشفافية تساعد على اجتذاب التمويل والابتكار والخبرات حتى يمكن للبلدان إقامة البنى التحتية التي تحتاج إليها. فهذه البلدان تعاني أوجه نقص حاد في خدمات الماء النظيف والكهرباء والطرق والاتصالات السلكية واللاسلكية، وهو ما يحد من الترابط الشبكي، ويضعف جهود خلق الوظائف، والقدرة على الوصول إلى الأسواق. ويمثل تيسير التجارة جزءا حيويا في الكثير من برامجنا القُطرية لأن المنافع الاقتصادية التي تتمخض عن التجارة والتبادل التجاري هائلة، والسياسات البناءة –مثل الأعمال الجمركية، والمواءمة بين التعريفات، وسندات الشحن الموحدة- يمكن تحقيقها.
ونحن نوجه موارد كبيرة لجهود سد الفجوة بين الجنسين. ففي السنة المالية 2019، ساعد ما يربو على 60% من عمليات البنك الدولي للإنشاء والتعمير والمؤسسة الدولية للتنمية مجتمعين على معالجة الفجوات بين الجنسين، وشجَّعت على الإدماج الكامل للنساء في الأنشطة الاقتصادية. وعالمياً، تخسر البلدان 160 تريليون دولار من ثرواتها بسبب التفاوت بين الرجال والنساء في مستويات الدخل التي يحققونها خلال حياتهم. وفي وقت لاحق من اليوم سأنضم إلى حلقة نقاشية لأتحدث عن إطلاق إمكانيات رائدات الأعمال.
إننا نستثمر في رأس المال البشري. فأكثر من نصف كل الأطفال في سن 10 أعوام في البلدان المنخفضة الدخل والمتوسطة الدخل لا يمكنهم القراءة، وهو أمر غير مقبول. وفي بيانات عن التعليم والتعلم هذا الأسبوع، وضعنا لأنفسنا هدفا هو تقليص فقر التعلم بمقدار النصف على الأقل. ونقوم أيضا باستثمارات مهمة في مجال الرعاية الصحية. ومن بين أهدافنا إنهاء الوفيات النفاسية ووفيات الأطفال التي يمكن الوقاية منها، وتيسير حصول النساء والأطفال على الخدمات الصحية الشاملة، وتقليص معدلات الإصابة بالتقزم في الأطفال.
إن النمو الهائل للمدن جزء حتمي لا مفر منه من آفاق الوضع في المستقبل. وهو ينطوي على تحديات جسيمة، ويخلق فرصا، للتنمية. ومثال مهم على ذلك هو تصميم وتنفيذ شبكات إنارة الشوارع مع نمو المدن. وتساعد مجموعة البنك الدولي في بناء مدن مستدامة عن طريق الاستثمار المباشر في مرافق البنية التحتية الحضرية، ومساعدة الحكومات الوطنية والبلديات على وضع أنظمة للمالية العامة والخدمات المالية تكفل زيادة الإيرادات وتتيح الوصول إلى رأس المال الخاص.
إن الاستثمارات المناخية والبيئية جزء رئيسي من عمل مجموعة البنك الدولي، وفي السنة المالية 2019، ارتبطنا بتقديم 17.8 مليار دولار من أجل استثمارات ذات صلة بالمناخ. وبين بنوك التنمية المتعددة الأطراف والمنظمات الدولية الأخرى، كنا أكبر مُموِّل منفرد للأنشطة المناخية، إذ قدَّمنا ما يقرب من نصف التمويل الإجمالي المتصل بالمناخ. واشتمل أكثر من 30% من ارتباطات الإقراض للبنك الدولي للإنشاء والتعمير/المؤسسة الدولية للتنمية ومؤسسة التمويل الدولية على منافع مناخية مشتركة في السنة المالية 2019، وهو ما يتعدى المستوى الذي كنا نستهدفه. وقد ضاعفنا المستويات المستهدفة لارتباطاتنا الإقراضية المتصلة بالمناخ للسنوات المالية الخمس 2021-2025 إلى 200 مليار دولار.
وقمنا في الآونة الأخيرة بتدشين صندوق بروجرين (PROGREEN)، وهو صندوق استئماني شامل، لتعزيز الجهود الرامية إلى وقف إزالة الغابات، وتأهيل الأراضي المتدهورة، وتحسين سبل كسب الرزق للمجتمعات الريفية الفقيرة. ونعمل من خلال صندوق بروبلو (PROBLUE) – وهو صندوق استئماني شامل جديد متعدد المانحين- لمساعدة البلدان على تنمية اقتصاداتها الزرقاء تنمية مستدامة. ونسعى حثيثا لتوسيع عملنا فيما يتصل بالنفايات البلاستيكية البحرية والوقاية من التلوث البحري. وتساعد المساندة التي نقدمها البلدان على توفير الهواء النظيف، والمياه النظيفة، وحفظ سلامة المحيطات، وتزويد المدن بالقدرة على الصمود في وجه الصدمات، ووضع أنظمة غذائية وزراعية مستدامة. ولتوسيع نطاق الاستثمارات المتصلة بالمناخ، أطلقنا مبادرات مثل مبادرة التوسع في استخدام الطاقة الشمسية، التي تساعد البلدان على تسريع وتيرة إقامة محطات كبيرة للطاقة الشمسية. ونحن من أكبر مُموِّلي مشروعات الطاقة المتجددة وكفاءة استخدام الطاقة في البلدان النامية. وخلال دورة التمويل الحالية التي تستمر ثلاث سنوات للمؤسسة الدولية للتنمية، سنساهم بأكثر من مليار دولار سنويا في الحلول المرتبطة بالشبكة العامة للكهرباء وغير المرتبطة بها لتيسير الحصول على الكهرباء في البلدان التي تعاني نقصا كبيرا في إمدادات الكهرباء.
إن اعتماد التقنيات الرقمية المتقدمة طريق حيوي آخر للتنمية. وانخفاض تكاليف المعاملات مفيد للغاية للداخلين الجدد إلى الأسواق، والنساء، ومنشآت الأعمال الصغيرة، والفقراء. ونحن الآن على وشك التوصل إلى أنظمة ستتيح للفقراء أن يتلقوا، بوسائل إلكترونية، التحويلات، والمساعدات الأجنبية، ومدفوعات شبكات الأمان الاجتماعي، ودخول أعمالهم، ومن ثم تمكينهم من الادخار وإجراء المعاملات بحرية. وحينما يستخدم مزيد من البلدان هذه التقنيات، قد يتبيَّن أن الابتكارات تمثل تقدما كبيرا في السياسة الإنمائية يعادل في أهميته التطورات التي مكَّنت الناس من الانتقال من اقتصاد المقايضة إلى اقتصاد السوق. وثمة تحد مهم يتمثل في جعل الأنظمة الجديدة متسقة مع اهتمام العالم بجهود مكافحة غسل الأموال ومحاربة الإرهاب. ونحن نساعد البلدان المتعاملة معنا على الحفاظ على البنوك المراسلة والتفاعل مع مجموعة العمل المالي الدولية، ونساعد هيئات إقليمية على غرار هذه المجموعة على التعامل مع البلدان النامية.
إن تحقيق الشمول المالي وتحرير الخدمات المالية خطوات حيوية على طريق التنمية. ونحن نستخدم أداة تمويل البرامج وفقا للنتائج في طائفة من البلدان لتشجيعها على تحقيق نواتج ملموسة وضمان الخضوع للمساءلة. ونعكف على توسيع عملنا لمساندة العلاقات المصرفية مع بنوك المراسلة لخدمة البلدان النامية، وهي إحدى المهام الرئيسية في بناء أنظمة مالية أقوى، والمساعدة على الاستفادة من الحلول التي تستند إلى مبتكرات التكنولوجيا في تحسين مستويات الشمول المالي.
ونريد في عملنا مع البلدان الاستماع إلى أفكار واضحة جديدة، وأفضل الشواهد المتاحة. وفي هذا الصدد، نسعى إلى إنتاج بحوث تعزز سمعة البنك الدولي بوصفه مبتكرًا في مجال التنمية ورائدًا من رواد الفكر. وقد أسعدني أن أرى أن جائزة نوبل في الاقتصاد التي أعلن عنها في الآونة الأخيرة سلطت الضوء على التنمية وأهمية البيانات والتقييم الدقيق للنتائج.
وقد شرح تقريرنا عن التنمية في العالم الذي صدر في الآونة الأخيرة كيف أن توسيع سلاسل التوريد العالمية ساعد البلدان على تقليص معدلات الفقر وتعزيز الرخاء المشترك. ويلقي تقرير ممارسة أنشطة الأعمال الذي سنصدره في وقت لاحق من هذا الشهر الضوء على ما تحقَّق من تقدم في قواعد تكوين منشآت الأعمال. ويساعد تقرير النساء والأعمال والقانون على رصد الحواجز التي تحول دون الإدماج الكامل للنساء في المجتمعات والاقتصادات. وتضمَّن تقرير مؤسسة التمويل الدولية المعنون " الاستثمار من أجل إحداث أثر إيجابي" مسحا استقصائيا لسوق الاستثمار المؤثر، وبحث الشروط اللازمة لتمكين السوق من تحقيق إمكاناتها الواسعة. ويتتبع تقرير الآفاق الاقتصادية العالمية نصف السنوي الاتجاهات الاقتصادية السائدة. وتضمَّنت نسخة التقرير التي صدرت في يونيو/حزيران خفضا لتوقعاتنا لآفاق النمو الاقتصادي العالمي، وإنني أتوقع خفضا آخر في الإصدار القادم للتقرير.
التصدي للتحديات
أعلم أنني أغفلت كثيرا من أجزاء برنامج عملنا، لكنني أردت أن أذكر بعض الأجزاء الرئيسية. فالتنمية العالمية عملية مُعقَّدة، ولكن إذا حافظنا على يقظتنا وجعلنا رسالتنا نصب أعيننا، فإنني على يقين بأنه سيكون بوسعنا المساعدة في تحسين النواتج. وإننا-في مجموعة البنك الدولي- لدينا ثقافة قوية تستند إلى مبادئنا التأسيسية ويجسدها موظفونا المتفانون في عملهم. ومن الضروري أن نتحلى بالانفتاح والشفافية بشأن كيفية أداء عملنا، والنتائج التي نحققها. وأود ألا يتحرج الموظفون والمساهمون من إثارة القضايا في ثقافة قوامها التواصل المنفتح والصريح.
إن أداء رسالتنا أصبح ملحا. وقد منحنا مساهمونا توجيها واضحا من خلال حزمة زيادة رأس المال، ولديهم تطلعات إنمائية عالية بالنسبة للعملية التاسعة عشرة لتجديد موارد المؤسسة الدولية للتنمية. ولا يمكن تحقيق مقترحات العملية التاسعة عشرة بدون مساندة قوية من كل شركاء التنمية. وأتقدم بالشكر إلى شركائنا في المؤسسة الدولية للتنمية على إخلاصهم وسخائهم. وإنني على يقين بأنه بالعمل معا يمكننا تهيئة ظروف أفضل، من خلال أُطُر أقوى للسياسات، ومؤسسات أكثر نشاطا تسعى إلى تحقيق نمو ذي قاعدة عريضة يؤدي إلى الحد من الفقر وتعزيز الرخاء المشترك.
شكرا لكم.