بالصيغة المعدة للإلقاء
دولة الرئيس الدكتور حسان دياب،
أصحاب المعالي والسعادة،
السيدات والسادة،
أيها الحضور الكريم،
تحية طيبة و صادقة من وراء البحار.
نشكركم على دعوة البنك الدولي للمشاركة في هذا الحدث الهام لإطلاق الحملة الوطنية للتلقيح ضد فيروس كورونا. ونُقدّرُ كل الجهود التي بُذِلَت من قِبَلِ الخبراء اللبنانيين والجهات الرسمية لبلورة هذه الحملة الوطنية، بالتعاون الوثيق مع البنك الدولي ومنظمة الصحة العالمية واليونيسيف والهيئات المعنية الأخرى.
كم يؤسفني أن أكون بعيداً عنكم اليوم، بعيداً عن لبنان، هذا البلد الأمين، الذي نراهُ يعاني أسوأ الأزمات في تاريخه المعاصر، وأشدَّها حدّةً وتأثيراً على شعبهِ النبيل.
لن أنسى السنوات التي أمضيتها في بيروت، العاصمة التي استضافتني بكل طيبة ونخوة، والتي خاطبتني بلغة الإنسانية والثقافة والتراث، وقد تركت أثراً في نفسي لن تمحيهِ الذاكرة.
يحزنني أن أرى بيروت اليوم تتألم. هي التي نزفت وتألمت في ٤ آب، ذلك اليوم المشؤوم الذي هز العالم بأسره.
لكن بالرغم من الحزن والأسى، تبقى هذه العاصمة عاصمة الصمود. عاصمة الحياة. عاصمة العيش المشترك.
السيدات والسادة الكرام،
يواجه العالم أصعب جائحة منذ الحرب العالمية الثانية. جائحةٌ غيّرت مسار العالم ومصيرِه، حصدت الكثير من الأرواح، وما زالت تخطف منّا أعز الناس.
وما زال لبنان حتى هذه الساعة يواجه الجائحة على الرغم من محدودية قدراته، وهو يجابه أشرس الأزمات وأصعب الأوضاع الاقتصادية والمالية والاجتماعية، حيث ارتفعت معدلات الفقر خلال أقل من سنة لتبلغ ٤٥٪ من السكان، بينما ٢٢٪ من اللبنانيين يرزحون تحت خط الفقر المدقِع. وقد انتشر فيروس كورونا على نحو مقلق في البلاد في الفترة الأخيرة، فبلغ مجموع الإصابات أكثر من ٣٠٠ ألف إصابة وما يزيد عن ٣ آلاف و٨٠٠ حالة وفاة، مما ضاعف العبء على القطاع الصحي الذي شهد دماراً ضخماً جرّاء إنفجار المرفأ المأساوي.
أيها الحضور الكريم،
لطالما وقف البنك الدولي إلى جانب لبنان، واستمع إلى نداءات شعبه، وقدم الدعم اللازم لتلبية حاجاته الطارئة كما الطويلة الأمد. فقد رأينا بأمِ العين كيف سند اللبنانيون النازحين السوريين الذين أصبحوا يشكلون ثلث السكان تقريباً. وقد شرع البنك الدولي منذ بداية أزمة النزوح إلى تأمين الهبات الضرورية لمساعدة لبنان في التعامل مع هذه الأزمة. ويشهد العالم أن ما قدمه اللبنانيون لإخوتهم النازحين كان درساً قيّماً في الإنسانية.
وما زال البنك الدولي يوفر القروض الميسرة والدعم التقني ليساعد لبنان على تحقيق الأهداف التنموية، وتحريك عجلة الاقتصاد، ومكافحة الفقر، وتخطي الأزمات بأقل ضرر ممكن. فمنذ شهر تقريباً، وافق مجلس ادارة البنك على قرض طارئ لتمويل مشروع التحويلات النقدية وشبكة الأمان الاجتماعي، الذي سيدعم الأسر الأكثر فقراً، والذي سيساهم في الحفاظ على الرأس المال البشري، ونحن ننتظر مصادقة البرلمان على المشروع ليدخل حيّز التنفيذ في أقرب وقت ممكن.
وبهدف التصدي لجائحة كورونا وانقاذ الأرواح، عمل البنك الدولي على إعادة تخصيص ٣٤ مليون دولار من مشروع تعزيز النظام الصحي الجاري تنفيذه لمساعدة لبنان في شراء اللقاحات والمباشرة بحملة تلقيح وطنية تغطي مليوني شخص من اللبنانيين وغير اللبنانيين. وقد وافق مجلس الادارة على هذه المبادرة الطارئة بسرعة قصوى مما خوّل الحكومة اللبنانية شراء اللقاحات في غضون 48 ساعة، ليصبح لبنان البلد الأول الذي يستفيد من هكذا مبادرة على مستوى البنك. وفي الساعات القليلة الماضية، وصلت الدفعة الأولى من جرعات اللقاح.
ويصر البنك الدولي على تبني أقصى معايير الشفافية في إدارة عملية التلقيح. وبموجب الخطة الوطنية التي تستند على توصيات منظمة الصحة العالمية، الأولوية الآن هي للعاملين في المجال الصحي الذين يعرضون حياتهم للخطر كل يوم لإنقاذ المصابين، وكبار السن فوق 65 عاماً، والأشخاص الذين يعانون من أمراض مزمنة ضمن فئة عمرية محددة. وندعو الجميع في لبنان لاستخدام المنصة للتسجيل وانتظار دورهم مهما كانت رتبتهم الوظيفية أو انتماءاتهم السياسية. فالمصداقية والشفافية هما العنصران الأساسيان في جميع برامج ومشاريع البنك الدولي حول العالم، دون استثناءات تحت أي ظرف أو شكل من الأشكال. ونقولُها بكل وضوح: "لا مجال للواسطة".
وبناء عليه، سوف يستمر البنك الدولي بمراقبة كيفية تنفيذ الحملة، وقد كلف الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر بمتابعة ورصد مسار التلقيح، ومدى الالتزام بالخطة الوطنية والمعايير الدولية، وذلك بموجب عقدٍ مع البنك. كما وأنشأ البنك الدولي، بالتشاور مع الشركاء المعنيين في منظمة الأمم المتحدة، لجنة مراقبة دولية مشتركة للمساهمة في متابعة عمليات التلقيح، وتحديد التدابير اللازمة لتعزيز نوعية الحملة الوطنية خلال كامل مدتها الزمنية.
دولة الرئيس، السيدات والسادة،
لقد أكدنا مراراً، ونؤكد مجدداً، على ضرورة تنفيذ الإصلاحات الطارئة من أجل استعادة الاستقرار الاقتصادي في لبنان، وبناء الثقة، وتحفيز النمو، وإعادة البلد إلى خارطة النهوض والتطور والأهداف السامية التي تخدم الإنسان والإنسانية.
"لبنان أغلى تراث في يَديكم"، كما قال الكاتب والشاعر الكبير جبران خليل جبران. فاحرِصوا على هذه الأمانة.
شكراً.