Skip to Main Navigation
عرض مختصر2023/07/19

فتح آفاق النجاح: كيف يمكن لنماذج الملكية المختلفة للمؤسسات المملوكة للدولة أن تؤدي إلى تقديم خدمات فعالة

المؤلفان: يارا سالم ونادر محمد ,وجورجينا بوب 

تتمتع المؤسسات المملوكة للدولة بالقدرة على دفع عجلة النمو الاقتصادي من خلال الموازنة بين الأهداف التجارية وأهداف السياسة العامة. وفي منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، تعمل المؤسسات المملوكة للدولة في قطاعات متنوعة، منها الصناعات الأولية والنقل والصناعات التحويلية والتمويل. وغالباً ما يكون لهذه المؤسسات أهداف مختلفة، تتراوح بين توريد السلع والخدمات، والعمل في قطاعات ذات خصائص احتكارية طبيعية، ودعم المصالح الإستراتيجية الوطنية أو أهداف السياسات العامة على الصعيد الاجتماعي.

وفي خضم الاضطرابات الاقتصادية التي نشهدها حالياً، تعتمد الحكومات بشكل متزايد على المؤسسات المملوكة للدولة للتخفيف من الآثار الاقتصادية السلبية عن طريق ما تتخذه من إجراءات تدخلية. ومع ذلك، أدت محدودية الحيز المتاح في المالية العامة وارتفاع مستويات الدين العام إلى تكثيف الضغوط على المؤسسات المملوكة للدولة لتعزيز كفاءتها أو الانسحاب من الأسواق بشكل كامل. ونتيجة لذلك، أصبحت قضية إصلاح المؤسسات المملوكة للدولة مصدر قلق بارز، لا سيما فيما يتعلق بنماذج ملكيتها وما يرتبط بها من مكاسب في الكفاءة.

ويمكن تصنيف نماذج ملكية المؤسسات المملوكة للدولة وترتيبات إدارتها إلى عدة أشكال، منها نموذج الإدارة المركزية، ونموذج الهيئة التنسيقية، ونماذج المسار المزدوج، ونموذج المسار المنفصل، ونموذج الملكية المزدوجة، ونماذج الملكية اللامركزية. وتختلف هذه النماذج من حيث مستوى المركزية أو اللامركزية، وعدد الجهات المسؤولة المالكة والهيئات الإدارية ذات الصلة، كما أنها تختلف من حيث العمليات والإجراءات الخاصة بكل منها. والهدف من كل هذه النماذج هو التصدي للتحديات السياسية والمالية والتنظيمية والإدارية المرتبطة بعمليات المؤسسات المملوكة للدولة، مع ضمان مستوى معين من جودة الخدمات والتخفيف من مخاطر المالية العامة. ومع ذلك، يمكن أن يتفاوت التأثير على أداء المؤسسات المملوكة للدولة ونواتج السوق تفاوتاً كبيراً تبعاً لبعض العوامل الإضافية. وتشمل هذه العوامل مدى فعالية أنظمة حوكمة المؤسسات المملوكة للدولة، وكذلك السياسات التي تعزز انضباط السوق والبيئة التنافسية العادلة. 

وتشير الممارسات الدولية المحمودة إلى ميلٍ متزايدٍ نحو وظيفة مركزية ملكية الدولة. ففي نموذج الملكية المركزية، يتولى كيان واحد يتخذ القرار دورَ المساهم الأوحد بالنسبة لجميع الشركات والمؤسسات التي تسيطر عليها الدولة أو تمتلكها بشكل مباشر أو غير مباشر. ويمكن أن يأخذ هذا الكيان شكل هيئة ملكية متخصصة أو وزارة حكومية مُعينة. وفي هذا النموذج تكون الهيئة المركزية مسؤولةً عن تحديد الأهداف المالية، ومعالجة المسائل الفنية والتشغيلية، ومراقبة أداء المؤسسات المملوكة للدولة. وقد تبنت عدة بلدان، مثل شيلي والصين وكولومبيا وبيرو وروسيا وجنوب أفريقيا، نموذج الملكية المركزية كجزء من إطار حوكمة الشركات المملوكة للدولة.

وقد خطت بعض البلدان خطواتٍ كبيرة نحو مركزية الملكية عن طريق نقل محفظة من المؤسسات كبيرة الحجم أو ذات الأهمية الإستراتيجية المملوكة للدولة إلى شركة قابضة حكومية أو إلى صندوق ثروة سيادي. وتُخضع هذه الكيانات محفظةَ مؤسساتها لتوقعات أداء أكثر صرامة، مع التأكيد في أغلب الأحيان على الاعتبارات التجارية البحتة. وتشير الأبحاث إلى أنه في الصين، وعندما وُضعت المؤسسات المملوكة للدولة تحت سيطرة الشركة القابضة الحكومية "ساساك"، فقد حدث تحسن ملموس في أدائها. ومع ذلك، أظهرت أبحاث أخرى أن وجود شركات قابضة مملوكة للدولة في الصين أدى إلى قيام الحكومة باستخلاص قيمة من الشركات المملوكة للدولة والمطروحة للتداول العام. وفي أمريكا اللاتينية، أظهرت الأبحاث أن إنشاء هيئات متابعة مركزية قلل من مخاطر التدفق النقدي وأيضاً من الالتزامات الطارئة في الشركات المملوكة للدولة. كما أظهرت الأبحاث أن هذه الهيئات تعمل على الحد من حالات عدم اليقين بشأن الأداء وتظهر فهماً أفضل لمستويات التزامات الشركات المملوكة للدولة التي تشرف عليها. 

وتوجد أنواع أخرى من نماذج الملكية والهيئات الإدارية، ولكن باختصاصات مختلفة. ويمكن للهيئة التنسيقية أن تعمل بصفة استشارية للوزارات المساهمة بشأن المسائل الفنية والتشغيلية، بالإضافة إلى كونها مسؤولة عن متابعة أداء المؤسسات المملوكة للدولة. وتعتمد بلغاريا وكوستاريكا والهند والمغرب والفلبين هذا النموذج. 

ويتضمن نموذج المسار المزدوج قيام مؤسستين حكوميتين مختلفتين بممارسة وظائف الملكية حصرياً في محافظ كل منهما من المؤسسات المملوكة للدولة كما في حالة تركيا. وفي نموذج المسار المنفصل، يقوم عدد صغير من الهيئات المالكة أو الشركات القابضة أو وكالات الخصخصة أو الهيئات المماثلة بامتلاك محافظ من المؤسسات المملوكة للدولة بشكل منفصل كما في حالة كازاخستان وماليزيا. 

وعندما تلجأ البلدان إلى الملكية المزدوجة، فهذا يعني اشتراك وزارتين أو مؤسستين عامتين أخريين من المؤسسات رفيعة المستوى بممارسة الملكية. وهذا هو الحال عندما يتم إسناد الجوانب المختلفة لوظائف الملكية إلى وزارتين مختلفتين - على سبيل المثال تكون وزارة مسؤولة عن الأداء المالي للمؤسسة والأخرى عن عملياتها، أو أن تقوم كل وزارة بتعيين عدد معين من أعضاء مجلس الإدارة. وتعتمد البرازيل وكرواتيا والجمهورية التشيكية وإستونيا وإندونيسيا ورومانيا هذا النموذج.

في نموذج الملكية المتفرقة، تمارس العديد من الوزارات الحكومية أو المؤسسات العامة رفيعة المستوى الأخرى حقوق الملكية على الشركات المملوكة للدولة (في غياب هيئة تنسيقية كما هو الحال في الأرجنتين والمكسيك والمملكة العربية السعودية وتونس وأوكرانيا). واتضح أن الملكية المتفرقة للمؤسسات المملوكة للدولة في بلدان وسط وشرق وجنوب شرق أوروبا قد أثر على تنفيذ وظائف الملكية الحكومية، وربما على صياغة السياسات القطاعية. وقد تؤدي نماذج الملكية هذه إلى "السيطرة على الهيئات التنظيمية"، لأن الجهة التنظيمية وجهة تَمَلُك المؤسسات المملوكة للدولة هما نفس الهيئة الحكومية، مما يعرض مبادئ الحياد التنافسي للخطر.

وبشكل عام، تعتبر المركزية ممارسة محمودة لعدة أسباب، فعلى المستوى السياسي، يمكن أن تساعد على الفصل بين ملكية الدولة والوظائف التنظيمية والحد من نطاق التدخل السياسي. أما على المستوى التنظيمي، فيمكن أن تُسهل تطبيق سياسة موحدة فيما يتعلق بحوكمة الشركات. وعلى مستوى الإدارة، فإن المركزية تسهل عملية تحديد الأهداف، وتطبيق الحوافز، وتوزيع المسؤوليات، وتنسيق سياسات التشغيل. وعلى المستوى المالي، فإن المركزية تخلق وفورات الحجم وتساعد على زيادة الكفاءة داخل الإدارة العامة. 

ومن الواضح أنه لكي ينجح أي نموذج للملكية في تحقيق أهداف المؤسسات المملوكة للدولة، فإن الحكومة يجب أن تلعب دوراً رئيسياً في تهيئة البيئة المناسبة عن طريق الانضباط وفق آليات السوق لصالح المؤسسات المملوكة للدولة لكي تتمكن من تحقيق أهداف سياستها على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي. ولذلك، فإن توضيح المبررات الاقتصادية للمؤسسات المملوكة للدولة التي تتمتع بصلاحيات صريحة، وتركيز الموارد الشحيحة على المجالات ذات التأثير الاجتماعي والمالي الأعلى، والنظر في خيارات تصفية الاستثمارات في حالة المؤسسات المملوكة للدولة ذات الأداء الضعيف، وأيضاً في حالة بقائها في الأسواق، واعتماد حوكمة شاملة لهذه المؤسسات وإصلاحات السوق لضمان الحياد التنافسي تُعد جميعها أموراً حتمية لا مفر منها. ويمكن الاسترشاد بالممارسات الدولية المحمودة في وضع النُهج التي تستهدف إصلاح المؤسسات المملوكة للدولة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وخارجها.