التحدي:
عانى الصومال، أحد أفقر بلدان منطقة أفريقيا جنوب الصحراء، من عقود من الحرب الأهلية والاضطراب السياسي. هذا علاوة على أربعة مواسم متعاقبة من انخفاض معدل هطول الأمطار بين أبريل/نيسان 2016 وديسمبر/كانون الأول 2017 مما تسبب في حالات من الجفاف الشديد في أنحاء البلاد، وفاقم انعدام الأمن الغذائي الذي يهدد 6.2 مليون صومالي، أي ما يزيد عن ثلث عدد السكان. وغادر ما يزيد عن مليون شخص منازلهم هربا من الصراع الدائر والعنف من جانب بعض الأطراف الفاعلة غير التابعة للدولة.
لكن بينما كانت مجموعات الإغاثة الدولية والعاملون في المجال الإنساني يعرفون مدى ضخامة الاحتياجات في الصومال، فإن حجم هذه الضخامة ظل مجهولا. ونظرا لعدم إجراء تعداد على المستوى الوطني منذ عام 1987، فإن البيانات كانت في الأغلب غير متوفرة بشأن كل شىء من الأماكن التي يشتد فيها الفقر، إلى مظاهره، وإلى ما يمكن للصوماليين القيام به لتجاوز صدمات شديدة لسبل عيشهم، وقدرتهم على توفير الطعام لأبنائهم، وسلامتهم الشخصية.
ومما زاد الأمور تحديا، فإن الحكومة الصومالية كانت تحمل عبء دين هائل. لكن لكي تطلب تخفيف أعباء الديون عبر الآليات المالية الدولية، فإنها كانت بحاجة لإحصاء للفقر يستند إلى بيانات واقعية.
وقال أوتز بيب، وهو خبير اقتصادي أول بقطاع الممارسات العالمية للفقر والمساواة التابع للبنك الدولي وقائد فريق مشروع مسح الصومال عالي الدقة "لم يكن هناك تقدير للفقر أو تعداد للسكان في الصومال منذ الإطاحة بالحكومة في 1991...
كانت هناك حالة من الغياب الكلي للبيانات منذ الثمانينات. وحتى من أجل طلب تخفيف أعباء الديون، فقد اضطروا لإعداد ورقة لاستراتيجية الحد من الفقر. هذا هو السبب في ذهابنا للعمل هناك والسبب وراء أننا ضغطنا من أجله حقا".
النهج
المسوح الأسرية، والتي يلقي فيها الباحثون سلسلة من الأسئلة التفصيلية ويسجلون ملاحظات على عينة ممثلة لجميع الأسر من السكان، هي أداة أساسية لوضع استراتيجيات الحد من الفقر. لكن في الصومال، تعين على خبراء الاقتصاد لدى البنك الدولي التوصل إلى وسيلة جديدة بالكامل لتنفيذ ذلك المسح من أجل التوصل إلى نتائج ذات مغزى.
وللتغلب على الافتقار إلى بيانات التعداد، والتي عادة ما تُستخدم لتصميم عينة إحصائية عشوائية للمسح، استفاد باحثو البنك الدولي من صور الأقمار الصناعية لتقسيم البلاد بأكملها إلى قطاعات سكانية متساوية نسبيا.
ولاحتساب أعداد كبيرة من السكان الرحل الذين لم تشملهم أي مسوح أسرية في السابق، ولضم أصوات الأشخاص النازحين، انتشر القائمون على المسح في مناطق من البلاد كان يعتقد أن من المتعذر الوصول إليها.
وللتغلب على المخاوف الأمنية التي جعلت من الصعب على القائمين بالمسح إلقاء أسئلة على الأسر لفترة زمنية طويلة، كان على الفريق العثور على سبل للدخول والخروج من كل منزل سريعا. وفي المعتاد، يتحقق القائمون على المسح من قائمة شاملة تضم ما يصل إلى 600 بند في المنزل، ويجمعون معلومات بشأن حجم إنفاق الأسرة وما يستهلكه الجميع من الأرز إلى الدقيق والصابون. وقد تستغرق عملية استكمال الاستبيان شديد التدقيق ساعات.
وفي الصومال، أعدّ الفريق منهجية جديدة سمحت لهم بإلقاء عدد محدود من الأسئلة على كل أسرة لكن مع الحفاظ على إمكانية جمع بيانات إحصائية مُجازة فيما يتراوح بين 45 و 60 دقيقة.
في نهاية المطاف، ومن أجل تقديم صورة حية لأصوات ووجوه الشعب الصومالي للحكومة والشركاء في مجال المساعدات الإنسانية والمجال الإنمائي، ووسائل الإعلام والأكاديميين، جمع فريق البنك الدولي شهادات بالفيديو من مجموعة واسعة من الصوماليين ونشرها مع التقرير.
وبدأ القائمون على المسح بمشروع تجريبي في العاصمة مقديشو لاختبار المنهجية الجديدة وضمان أنها ستتمخض عن بيانات ذات مصداقية. ثم شرعوا في توسيع نطاق التغطية الجغرافية بوتيرة بطيئة، في البداية في ربيع 2016، وفي مرحلة ثانية من نوفمبر/تشرين الثاني 2017 إلى يناير/كانون الثاني 2018. وقد أطلق على هذه الجهود مسح الصومال عالي الدقة، وجرى تنفيذه بتعاون وثيق مع سلطات الإحصاء الصومالية.
وقال بيب "ما تدركه هو أن القيام به كان أمرا محفوفا بالمخاطر تماما ولم يكن باستطاعتنا حل ذلك باستخدام أساليب تقليدية... العمل في البنك الدولي، يسمح لنا بالابتكار، والتوصل إلى منهجيات جديدة، نهج جديد".
وأضاف بيب "أحد الأمور المهمة التي ينبغي أن نستطيع القيام بها هي مراقبة الفقر على نحو أكثر تواترا في الصومال وأماكن أخرى" . وواصل القول إنه في صميم هذه الجهود كانت القدرة على الابتكار.