وعلى الرغم من أن النهج الحالي للتصدي للأزمات الغذائية من خلال تدابير قصيرة الأجل، إلى جانب جهود بناء القدرة على الصمود، يحدث فروقا ملحوظة، إلا أنه لا يكفي لمعالجة جميع العوامل الأساسية المسببة للأزمة بشكل كامل. ومن الأهمية بمكان إحداث تحول في الأنظمة الغذائية العالمية لتعزيز صحة البشر والكوكب والاقتصادات وبناء القدرة على الصمود في مواجهة الأزمات.
ويتبع البنك الدولي نهجا متعدد الجوانب إزاء هذه التحديات حيث يدعم الإنتاج والمنتجين، ويزيد معدلات التجارة في مستلزمات صناعة الغذاء والزراعة، ويساند الأسر الأكثر احتياجا، ويستثمر في صناعة الأغذية وتعزيز التغذية على نحو مستدام لمساعدة البلدان ليس فقط على التصدي لحالات الطوارئ المرتبطة بالأغذية، بل أيضا على إيجاد حلول مستدامة لتجنب حالات طوارئ في المستقبل.
ما هو الأمن الغذائي وكيف يدعم البنك الدولي الأسر الأكثر ضعفا؟
مواجهة الطوارئ في أفريقيا الوسطى
تعمل تاتيانا كوماندا مزارعة في جمهورية أفريقيا الوسطى. وتقضي تاتيانا أيامها في إعداد الطعام لأسرتها، ورعاية حقولها وحديقة منزلها، وبيع منتجاتها في السوق المحلية.
تقول تاتيانا: "عندما كنت في منزل والدي، علموني كيف أزرع. لقد تربيت على هذا العمل، وبعد الزواج ، ما زلت أمارس هذا العمل مع زوجي "، وساعد هذا العمل تاتيانا بصورة كبيرة، وهي اليوم قادرة على إعالة أسرتها، والأهم من ذلك بالنسبة لها، إرسال أطفالها إلى المدرسة.
كما تقول: "الأموال التي أحصل عليها من بيع منتجاتي تساعد أطفالي على العيش، فعلى سبيل المثال ، يمكنني دفع مصروفات المدرسة والملابس، ويمكنني شراء الأحذية لهم، وأنا سعيدة بحياتي، لا سيما وأنا أرى أطفالي يدرسون ".
لكن الأمر لم يكن دوما كذلك. ففي السنوات السابقة، واجهت تاتيانا صعوبات في تأمين ما يكفي من الغذاء لإطعام أسرتها فقط وليس للبيع في السوق.
وبالنسبة للكثيرين حول تاتيانا، لا تزال الحياة صعبة.
وتردد تاتيانا قائلة: "في السابق، كانت حياتنا صعبة، وحتى العثور على الطعام كان صعبا"، وهي تتذكر بوعي معاناتها بسبب انعدام الأمن الغذائي في الماضي.
ويواصل البنك الدولي العمل مع حكومة جمهورية أفريقيا الوسطى لضمان حصول الناس على ما يكفي من الغذاء اليوم، فضلا عن اكتساب المهارات والحصول على المعدات اللازمة للتوسع في الزراعة بما يتجاوز حد الكفاف، كما فعلت تاتيانا.
ويساعد المشروع الطارئ للتصدي لأزمة الغذاء في أفريقيا الوسطى المزارعين مثل تاتيانا على زيادة إنتاج الأغذية، فضلا عن تحسين قدرة المزارعين أصحاب الحيازات الصغيرة والأسر المعيشية الذين يواجهون انعدام الأمن الغذائي على الصمود من خلال توفير المستلزمات والخدمات الزراعية، بما في ذلك المحاصيل والثروة الحيوانية ومعدات التصنيع وخدمات الإرشاد والتدريب. وساعد أكثر من 3,200 طن من المستلزمات حتى الآن ما يقرب من 36 ألف مزارع على زيادة إنتاج محاصيلهم بنسبة 125%، مما أدى إلى زيادة الغلة وتجنب الصدمات الغذائية في المستقبل.
"في السابق، كانت حياتنا صعبة، وحتى العثور على الطعام كان صعبا"
تاتيانا كوماندا، مزارعة في جمهورية أفريقيا الوسطى
مشروع النهضة: بناء القدرة على الصمود على المدى المتوسط في مدغشقر
على الرغم من أهمية التصدي لحالات الطوارئ الناجمة عن انعدام الأمن الغذائي وضمان حصول السكان على ما يكفي من الغذاء يوميا، لا يقل أهمية عن ذلك ضرورة مساعدة البلدان والأفراد على زيادة قدرتهم على الصمود لتجنب الطوارئ المستقبلية في إطار عملية التنمية.
وفي مدغشقر، تفاقم الفقر من جراء تغير المناخ، لا سيما بسبب موجات الجفاف وتأخر هطول الأمطار المتأخرة وهجوم أسراب الجراد. وهذه التحديات مدمرة، وخاصة في جنوب البلاد، حيث تقتصر مصادر سبل العيش في المقام الأول على زراعة الكفاف وصيد الأسماك، ويتجاوز معدل الفقر 90%.
وكانت برامج المساعدات الإنسانية موجودة منذ سنوات، وكانت تركز في المقام الأول على حالات الطوارئ قصيرة الأجل. وفي إطار جهود التصدي لموجة الجفاف الأخيرة، عمل البنك الدولي مع منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) لتنفيذ برنامجين من برامج التحويلات النقدية الطارئة لخدمة ما يقرب من 600 ألف شخص، وفي الوقت نفسه استفاد 480 ألف شخص آخر من إمدادات المياه العذبة بالتنسيق مع اليونيسف.
وأدت مثل هذه البرامج دورا بالغ الأهمية في التصدي لحالات الطوارئ التي لا تعد ولا تحصى التي ضربت المنطقة على مدى عقود، ولكنها لم تحد كثيرا من المخاطر على المدى الطويل، ولم تساعد كثيرا أيضا في الاعتماد على الذات. وإدراكا للحاجة إلى مبادرات تتصدى للتحديات الملحة التي يواجهها الناس من جراء الكوارث الطبيعية، فضلا عن الاستعداد لها بشكل أفضل لمواجهة الصدمات المستقبلية، يعمل البنك الدولي مع الشركاء في مدغشقر في إطار مشروع دعم سبل كسب العيش القادرة على الصمود في الجنوب.
واستنادا إلى الدروس المستفادة من المشروعات التي يمولها البنك الدولي ومشروعات المانحين، فضلا عن تجارب وخبرات منظمات المجتمع المدني في جنوب مدغشقر، يعمل مشروع "ميونجو" - الذي يعني "النهضة" باللهجة المحلية، على تحسين فرص توفير خدمات البنية التحتية الأساسية وسبل كسب العيش وتعزيز أجهزة الحكم المحلي، فضلا عن التركيز بشكل أساسي على الشباب والنساء. ويعمل المشروع على مستوى المجتمع المحلي لبناء نهج طويل الأجل ومتكامل لمساعدة جنوب مدغشقر على الانتقال من المساعدات الإنسانية إلى التنمية المستدامة.
وتقول هارييت راسوانومينجانار: "في وقت الغداء، أشعر بالراحة لأن ابنتي تذهب إلى المدرسة وتأكل هناك"، وهارييت أم ترسل ابنتها كريستولين إلى المدرسة الابتدائية بالقرب من منطقة أمبوفومب، وهي واحدة من 800 ألف امرأة من المتوقع أن يستفدن من المشروع، منهن 200 ألف شابة.
وقدم مشروع النهضة البذور للمدرسة لزراعة المحاصيل وتوفير وجبات الطعام للتلاميذ. وفي إطار المشروع، تعمل المدرسة أيضا مع برنامج الأغذية العالمي لتوفير المواد الغذائية الأساسية الأخرى، مثل الأرز والحبوب، ومساعدة الطباخين. وتعلمت هارييت جني المحاصيل من حديقة المدرسة لإعداد وجبات الطعام ، وتحقيق أثر إيجابي وتعزيز الأمن الغذائي للمجتمع.
وهي تقول: "لقد تغيرت حياتنا قليلا بين الماضي والحاضر لأن ابنتي تستطيع الآن تناول الطعام في المدرسة".
برنامج أرضي: الأردن وبناء القدرة على الصمود على المدى الطويل
على بعد أكثر من 3,500 ميل في اتجاه الشمال من المدرسة التي تدرس بها كريستولين، يرعى مفلح الشرفات (أبو عايد) قطيع أغنامه في الأردن، ويقودها إلى الماء من خزان تم إنشاؤه مؤخرا في إطار برنامج الزراعة والقدرة على الصمود وتنمية سلاسل القيمة والابتكار (أرضي) الذي يموله البنك الدولي.
وبالإضافة إلى مساعدة مفلح وغيره من الرعاة على توفير الوقت والطاقة، يوفر هذا الخزان، الذي يستمد المياه من نبع قريب لم يُستغل بعد، مصدر مياه دائم تشرب منه الماشية في المنطقة، ويضمن المزيد من الاستدامة، ويساعد الأردن على تجنب طوارئ انعدام الأمن الغذائي، وإيجاد سبل عيش أكثر وازدهارا وقدرة على الصمود.
ولا يمكن إغفال أهمية أساليب حفظ المياه ومبادرات الاستدامة الأخرى في الأردن، سيما وأن هذا البلد يقع على مسطح مائي يعتبر الثاني من حيث درجة الملوحة في العالم (البحر الميت) ونحو 75% من أراضيه صحراء. وعلاوة على ذلك، فإن الاحترار العالمي، وزيادة شح المياه، وزيادة النمو السكاني بسبب اللاجئين الفارين من الحرب الأهلية السورية كل هذا يزيد الضغوط على الأمن الغذائي في الأردن.
وتوسيع رقعة الإنتاج الزراعي الذكي مناخيا والقادر على الصمود غاية في الأهمية للتغلب على انعدام الأمن الغذائي في الأردن، فضلا عن زيادة الاستثمارات في قطاع الأغذية الزراعية لخلق فرص العمل في المناطق الريفية، وزيادة قوة سلسلة القيمة الزراعية التي تتيح المزيد من الفرص الاقتصادية، وتعزيز القدرة على الصمود من خلال مشروعات المياه مثل المشروع الذي يساعد على توفير المياه لأغنام مفلح بهدف تحسين الحياة اليومية وسبل كسب العيش الناس اليوم وفي المستقبل.
وفي هذا يقول مفلح: "الآن تتوفر المياه لقطعان الماشية دون صعوبة، ولم نعد نعاني بعد من شح المياه، لقد كان من الصعب العثور على الماء للماشية ، لكن الآن تستطيع أن ترتوي بسهولة وتستفيد من هذا المشروع، لقد حقق لنا هذا المشروع قدرا كبيرا من الراحة في حياتنا اليومية ".
من الممكن أن تساعد الزراعة على الحد من الفقر، وزيادة مستويات الدخل، وتحسين الأمن الغذائي لدى 80% من فقراء العالم، الذين يعيشون في المناطق الريفية ويعملون بالزراعة بصفة أساسية. وتعد مجموعة البنك الدولي أحد الممولين الرئيسيين لهذا القطاع.
تعمل المنصة العالمية للأمن الغذائي التابعة لمؤسسة التمويل الدولية على الحد من التقلبات في أسواق الغذاء من خلال التمويل الطارئ للمزارعين وتجار السلع الأولية ومصنعي الأغذية والأعلاف وغيرهم من العاملين في هذا المجال من القطاع الخاص الذين يعانون من محدودية فرص الحصول على التمويل والزيادات المفاجئة في التكاليف تحد من أنشطتهم. مزيد من المعلومات.
من المهم تسريع وتيرة التحول في النظام الغذائي العالمي لتعزيز صحة البشر والكوكب والاقتصادات وبناء القدرة على الصمود. وفي إطار التصدي لهذه التحديات، يتبع البنك الدولي نهجا متعدد الجوانب يركز على الإنتاج والمنتجين، ويساند الأسر الأكثر احتياجا ببرامج مواجهة الطوارئ وبناء القدرة على الصمود، فضلا عن الاستثمار في إنتاج الأغذية وتحقيق استدامة التغذية.
في إطار استجابة عالمية شاملة لأزمة الأمن الغذائي القائمة، أعلن البنك الدولي في أبريل/نيسان 2022 إتاحة ما يصل إلى 30 مليار دولار على مدى 15 شهراً بما في ذلك 12 مليار دولار في مشروعات جديدة. تعرف على آخر المستجدات بشأن أوضاع الأمن الغذائي العالمي.