تُسبِّب الحرب معاناة إنسانية مُدمِّرة وأضرارا طويلة الأمد على الاقتصاد والبنية التحتية للبلد الذي تنشب فيه. ويبدو هذا جليا واضحا، ولكن ما مدى سوء العواقب الناجمة عن الحرب؟ يمكننا تصور ذلك بالأرقام من خلال حساب التحسن الذي كان من الممكن أن يطرأ على أحوال الناس في أجزاء من منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لو لم تنشب هذه الحروب.
يُحلِّل أحدث إصدار من الموجز الاقتصادي الفصلي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الآثار الواسعة على رأس المال البشري والمادي، ويستكشف كيف يُمكِن أن تتحسَّن الأوضاع الاقتصادية إذا حل السلام.
في عام 2016، أثرت الحرب مباشرة على نحو 87 مليون شخص من أربعة بلدان في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا— هي: العراق وليبيا وسوريا واليمن—أي نحو ثلث سكان المنطقة. وفي هذه البلدان، تضرَّرت كل مناحي حياة الناس-المنازل والمستشفيات والمدارس والأعمال والغذاء والمياه- من شدة القتال في هذه الحروب المنفصلة.
والأرقام مُذهِلة: هناك نحو 13.5 مليون شخص يحتاجون إلى مساعدات إنسانية في سوريا، وفي اليمن 21.1 مليون، وفي ليبيا 2.4 مليون، وفي العراق 8.2 مليون.
· في اليمن، أصبح الآن 80% من سكان البلاد-أو 20 مليونا من 24 مليون نسمة- في عداد الفقراء، وهي زيادة نسبتها 30% منذ أبريل/نيسان 2015 حينما اشتدت المعارك.
· في سوريا والعراق، انخفض متوسط نصيب الفرد من الدخل بنسبة 23% و28% على الترتيب، أو تقريبا ربع ما كان من الممكن أن يتحقَّق لو لم تنشب الصراعات، وأدت الآثار المباشرة للحرب إلى انخفاض نسبته 14% و16% في متوسط نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي على الترتيب.
· وتُلقِي التوترات السياسية بين السعودية وإيران بظلالها على المنطقة.
قبل خمسة أعوام، كان الجميع يأملون أن تسعى الحكومات الجديدة من أجل تحقيق نمو أكثر إنصافا وشمولا يساعد على خلق المزيد من فرص العمل والتوظيف للأعداد الكبيرة من الشباب العاطلين في المنطقة. ولكن حدث العكس تماما، وتشير التقديرات إلى أن المنطقة خسرت ما تصل قيمته إلى 35 مليار دولار (بأسعار عام 2007) من الناتج أو النمو بسبب الأزمة السورية-أو ما يعادل إجمالي الناتج المحلي لسوريا في عام 2007.
وألحقت الحروب في المنطقة أضرارا بالبلدان المجاورة. وتواجه تركيا ولبنان والأردن ومصر التي تعاني بالفعل من مُعوِّقات اقتصادية ضغوطا هائلة على موارد ميزانياتها. وتذهب تقديرات البنك الدولي إلى أن تدفق ما يربو على 630 ألف لاجئ سوري يُكلِّف الأردن أكثر من 2.5 مليار دولار سنويا. ويعادل هذا ستة في المائة من إجمالي الناتج المحلي، ورُبْع الإيرادات السنوية للحكومة.
ولم يقتصر ضرر الحرب في سوريا على حكومات البلدان المجاورة، إذ إنها أضرت أيضا بمواطنيها، وتُظهر التقديرات أن متوسط نصيب الفرد من الدخل انخفض 1.5% عما كان يمكن تحقيقه (لو لم تنشب الاضطرابات في سوريا) للكثيرين في تركيا ومصر والأردن، وبنسبة 1.1% للكثيرين في لبنان.
ولا تزال معدلات البطالة مرتفعة بين اللاجئين السوريين، لاسيما النساء، والذين يعملون منهم، يحصلون على أجور متدنية. ونحو 92% من اللاجئين السوريين في لبنان لا يحملون عقود عمل، وأكثر من نصفهم يعملون على أساس أسبوعي أو يومي. وشرَّدت الحرب في سوريا نصف سكانها -أكثر من 12 مليون نسمة- داخليا وخارجيا. وأصبح ما مجموعه 6.5 مليون شخص مُشرَّدين داخليا في العراق واليمن. وفي ليبيا، تشرَّد نحو 435 ألف شخص، بينهم 300 ألف طفل.
ومع أن المزارعين ورجال الأعمال في لبنان وتركيا استفادوا من الأيدي العاملة الرخيصة، فإن العمال المحليين تضرروا. ولم يستفد اقتصاد لبنان من انخفاض أسعار النفط بسبب ضغوط استضافة أكثر من مليون لاجئ سوري، وتشير تقديرات البنك الدولي إلى انخفاض معدل نمو إجمالي الناتج المحلي الحقيقي بنسبة 2.9 نقطة مئوية سنويا في فترة 2012-2014، وأصبح أكثر من 170 ألف لبناني آخرين في عداد الفقراء، وتضاعف معدل البطالة في البلاد متجاوزا 20%.
ومع هذا كله، هل يمكن التغلُّب على الأضرار الاقتصادية الناجمة عن الحروب في المنطقة؟
إن انتهاء الحروب، إذا تحقَّق، فسوف يُؤدِّي إلى تحسين مؤشرات الاقتصاد الكلي. ومن شأن تحويل الموارد العامة من الإنفاق العسكري، إلى قطاعات التعليم والرعاية الصحية أن يعزز أيضا المؤشرات الاجتماعية. بيد أن وتيرة التعافي تختلف باختلاف ما يمتلكه البلد من ثروات طبيعية: فالاقتصاد اللبناني استغرق 20 عاما ليتعافى من آثار الحرب في الماضي، والكويت استغرقت سبع سنوات فحسب لتتعافى، والعراق استغرق عاما واحدا. وتتعافى البلدان الغنية بالنفط بسرعة أكبر لأنه من السهل نسبيا إنعاش إنتاج النفط. ولكن إذا استمر انخفاض أسعار النفط، وضعْف المساعدات الدولية، فإن ليبيا وسوريا والعراق واليمن-وكلها بلدان مُصدِّرة للنفط- ستجد صعوبة أكبر في التعافي من الأوضاع الحالية. وستكون استثمارات القطاع الخاص ضرورية.
وفي هذا المجال، تكتسب حقوق الملكية أهمية حاسمة. فهي تُستخدَم أيضا كمُؤشِّر للحريات الاقتصادية، وكلما زادت متانة حقوق الملكية وسلامتها، زاد شعور المستثمرين المحليين والأجانب بالأمان عند استثمار أموالهم في بلدان مزقت الحروب أواصرها. وحدوث تحسينات دائمة في حقوق الأراضي والملكية، تصاحبه زيادات في متوسط نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي تصل إلى 1.7% بعد مرور عام، وبمرور الوقت ما يصل إلى 13.5%.
وقال كبير الخبراء الإقتصاديين في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا شانتا ديفاراجان"وبالنظر إلى أن هذه الصراعات والحروب جاءت في أعقاب انتفاضات الربيع العربي، وجانب من هذه الانتفاضات تمثل في رغبة المواطنين في العالم العربي في تحقيق مزيد من الديمقراطية في مجتمعاتهم، فإننا سألنا أنفسنا: لنفترض أنه حل السلام، وأن هذه البلدان عادت للسعي من أجل تعزيز الديمقراطية، واستطاعت تحقيقها، فما هو مقدار الزيادة في معدل النمو حينئذ؟ ما هي "مكاسب الديمقراطية"؟
إن التحوُّل من نظام غير ديمقراطي إلى الديمقراطية يزيد متوسط نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي، وذلك إلى حد كبير من خلال التشجيع على كل الأمور التي تحتاج إليها البلدان التي مزقتها الحرب للعودة للوقوف على قدميها- الاستثمار والتعليم والإصلاحات الاقتصادية وتوفير سلع النفع العام. وفي الأمد الطويل (بعد نحو 30 عاما)، سيكون نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي أعلى نحو 20 % في بلد تسوده الديمقراطية عن نظيره في بلد يفتقر إليها. ولو افترضنا، نظريا، أن بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تحوَّلت إلى الديمقراطية في عام 2015، لكان متوسط نصيب الفرد من نمو إجمالي الناتج المحلي قد وصل إلى 7.8% في غضون خمسة أعوام بالمقارنة مع 3.3% في غياب هذا التحوُّل.
ولكن التقديرات تشير إلى أن مُعدَّل النمو الاقتصادي لعام 2015 بلغ 2.6 %، وهو تعديل يخفض المستوى الذي كان متوقعا في أكتوبر/تشرين الأول الماضي وقدره 2.8 %، مع آفاق تبعث على "التشاؤم بحذر" في الأمد القصير. ولعبت أسعار النفط المنخفضة، والهجمات الإرهابية، والحروب كلها دورا في هذا. وحالما تضع الحرب أوزارها، سيكون أفضل سبيل للمنطقة للتعافي من الركود الاقتصادي هو تحقيق مزيد من الديمقراطية (وما يستتبعه ذلك من الحريات الاقتصادية).