مساندة تحقيق نواتج قوية بشأن رأس المال البشري
يتمثل رأس المال البشري في الصحة والمعارف والقدرات والمهارات والمقدرة على الصمود التي تتراكم لدى الأشخاص خلال حياتهم، بما يمكِّنهم من استغلال كامل إمكاناتهم وأن يصبحوا أفراداً منتجين في المجتمع. ويُعد رأس المال البشري محركاً رئيسياً للنمو الاقتصادي، والحد من الفقر، وتحقيق الرخاء المشترك. فالبلدان التي تستثمر بكفاءة وإنصاف في بناء رأس المال البشري وحمايته وتوظيفه ستكون هي الأقدر على المنافسة في الاقتصاد العالمي الذي يعطي أفضلية للمهارات الإدراكية عالية المستوى.
وتبرز جائحة فيروس كورونا أهمية حماية رأس المال البشري في أوقات الأزمات. وتقدم مذكرة السياسات التي أصدرها البنك بعنوان "حماية البشر والاقتصادات: الاستجابات المتكاملة على صعيد السياسات في مواجهة تفشي فيروس كورونا" سلسلة من التوصيات من بينها: (1) الجمع بين عدد من التدابير، مثل الفحص والتتبُّع، والعزل والحجر الصحي، والعلاج لاحتواء المرض ومكافحة الجائحة؛ (2) بذل جهود للحفاظ على الوظائف وضمان تعزيز استدامة نمو الأعمال وخلق الوظائف، وحماية دخل الأسر المعيشية والأمن الغذائي، وتأمين حصول الفئات السكانية الأكثر احتياجا على الخدمات؛ (3) العمل على صون استقرار الاقتصاد الكلي على المدى الأطول، وبناء الثقة، والتواصل بشكل واضح، وإعادة التفكير في سياسات تعيد بناء أنظمة أقوى تعمل لصالح البشر والاقتصاد.
وتبرز التأثيرات العميقة لهذه الأزمة الحاجة الملحة إلى تحقيق تغطية صحية شاملة، وإقامة أنظمة تعليمية قوية، وتوسيع نطاق الحماية الاجتماعية، وضمان وضع برامج وسياسات قابلة للتعديل لكي تستطيع البلدان الحد من تأثيرات هذه الصدمة وإرساء الأساس لبناء القدرة على مواجهة الصدمات في المستقبل.
تنفيذ مشروع رأس المال البشري
مشروع رأس المال البشري هو جهد عالمي يستهدف تسريع وتيرة زيادة الاستثمارات في البشر كماً وكيفاً من أجل تعزيز العدالة والنمو الاقتصادي. وبنهاية السنة المالية 2020، شمِل المشروع 77 بلداً من مختلف المناطق ومستويات الدخل، وهو ما يعكس وجود اعتراف واسع بأهمية رأس المال البشري بوصفه أحد المحركات الرئيسية للنمو الاقتصادي والحد من الفقر وتحقيق الرخاء المشترك. ويعمل المشروع على حشد الشركاء لتحسين نواتج رأس المال البشري، لكي تنمو جميع الفتيات والفتيان وهم يحصلون على تغذية جيدة وعلى استعداد لتلقي العلم، مع حصولهم على تعلُّم حقيقي داخل المدارس، ودخولهم سوق العمل كبالغين يتمتعون بالصحة والمهارة والقدرة على الإنتاج.
وتلتزم مجموعة البنك بمساعدة البلدان على تحسين رأس المال البشري عبر مختلف خدماتها الاستشارية والتحليلية والتشغيلية والبحثية. وفي حين تعمل البلدان على معالجة التأثيرات الناجمة عن فيروس كورونا، فإننا نكثِّف مساندتنا من خلال تعبئة الموارد البشرية والمستلزمات الحيوية والتمويل وتوجيهها نحو التدخلات الصحية العامة، وخدمات التغذية، وشبكات الأمان، والخدمات الأساسية في إطار الاستجابة لحالات الطوارئ، مع بذل جهد خاص للوصول إلى الفئات الأكثر احتياجا مثل المسنين والعاملين بالقطاع الصحي ومَن فقدوا سبل كسب أرزاقهم. ونواصل مساعدة البلدان على تحسين نواتج رأس مالها البشري وتسريع وتيرة التقدُّم المحرز من خلال:
- تنفيذ جيل جديد من عمليات سياسات التنمية متعددة القطاعات تركِّز على تحسين رأس المال البشري من خلال إزالة المعوِّقات المتعلقة بالسياسات والمؤسسات في بلدان من بينها مدغشقر وباكستان وبيرو ورواندا.
- زيادة التركيز على فقر التعلُّم (النسبة المئوية للأطفال في سن العاشرة الذين لا يمكنهم قراءة نص قصير وفهمه)، واتخاذ تدابير لمعالجة الخسارة في التعلّم، لاسيما في ظل إغلاق المدارس أثناء الجائحة.
- توسيع نطاق التغطية الصحية الشاملة، أي تقديم خدمات ذات جودة للجميع دون مكابدة مشقة مالية ويشمل ذلك الجوائح مثل فيروس كورونا، مع التركيز على توفير خدمات الرعاية الأولية لمليار شخص آخرين بحلول عام 2023.
- وضع النساء والفتيات في بؤرة الجهود المبذولة من خلال تحسين سبل حصولهن على خدمات التعليم والرعاية الصحية والفرص الاقتصادية وتمكينهن.
- إعطاء أولوية للاستثمارات الأساسية في السنوات الأولى من عمر الأطفال لتعزيز التأثيرات التي تدوم مدى الحياة وتنتج عن تلقي الرعاية الصحية الجيدة، والتغذية الكافية، والتحفيز والتعلُّم المبكر، وتقديم الرعاية التفاعلية، والسلامة والأمن.
- تسريع وتيرة الاستثمارات لتحفيز التحوُّل الاقتصادي، بحيث يمكن ترجمة الاستثمارات في رأس المال البشري إلى سبل لكسب الرزق قابلة للاستمرار وتوليد وظائف أكثر وأفضل.
- تقديم الدعم التحليلي لمساعدة الحكومات على تحديد أولويات الإنفاق في ظل قيود المالية العامة واتباع برنامج قياس قوي يشمل تتبُّع الاستثمارات والنواتج الرئيسية لرأس المال البشري.
ونعد أيضا مؤشرا محدثا لرأس المال البشري باستخدام أحدث البيانات المتاحة. ويشمل ذلك 17 موجزا قُطريا إضافيا مقارنة بإصدار عام 2018، والتوسع في التصنيف حسب نوع الجنس، وتوفير مسار لبيانات رأس المال البشري للبلدان على مدى عشر سنوات للاسترشاد بها في وضع السياسات.
وتمثل الشراكات الرامية إلى تعزيز التعاون وتبادل المعارف عنصراً محورياً في هذا المشروع. ويشمل ذلك شبكة مسؤولي التنسيق التي تربط المسؤولين الحكوميين حول العالم لتبادل الخبرات والتجارب، والحلول المبتكرة، والدروس المستفادة بما فيها تلك المستخلصة من جهود مكافحة فيروس كورونا. ونتواصل أيضا مع المناصرين العالميين للمشروع خلال الفعاليات الرئيسية، ومن بينها اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة واجتماعات الربيع والاجتماعات السنوية للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي، وكذلك مع أصحاب المصلحة الرئيسيين الآخرين. وللتصدي لأزمة التعلُّم العالمية، قمنا بحشد الشركاء ومن بينهم هيئة المعونة البريطانية، ومؤسسة بيل ومليندا غيتس، واليونسكو، واليونيسف. كما أنشأنا مظلة رأس المال البشري، وهي آلية تمويل متعددة الجهات المانحة تساند المبادرات التحفيزية لتسريع وتيرة نواتج رأس المال البشري.
التصدي لأزمة التعلُّم العالمية
يشهد العالم حاليا أزمة في التعلُّم. وحتى قبل تفشي فيروس كورونا، كان هناك نحو 260 مليوناً من الأطفال والشباب خارج دائرة التعليم. وأدى تدني جودة التعليم إلى ضعف التحصيل لدى الكثير من الطلاب. وكان الأطفال والشباب الأكثر حرماناً هم الأقل حظاً في الحصول على التعليم، والأعلى تسجيلاً لحالات التسرُّب، والأقل تعلُّماً وتحصيلاً.
وفي اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر/أيلول 2019، طرحت مجموعة البنك مفهوماً جديداً، وهو فقر التعلُّم، والذي وضعناه بالتعاون الوثيق مع معهد اليونسكو للإحصاء. وتوصلنا إلى أن معدل فقر التعلُّم في البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل يبلغ 53%، ما يعني أن أكثر من نصف مجموع الأطفال في سن العاشرة لا يمكنهم قراءة قصة بسيطة وفهمها. ولاستنهاض الهمم للعمل على تحقيق أهداف التعليم والتصدي لهذه الأزمة، أطلقنا هدفاً عالمياً جديداً في الاجتماعات السنوية لعام 2019 من أجل تقليص معدل فقر التعلُّم إلى النصف على الأقل بحلول عام 2030.
ويُعد البنك أكبر مموِّل خارجي لخدمات التعليم في البلدان النامية، حيث تنتشر عملياته في أكثر من 80 بلداً. ومن خلال تقديم التمويل والخدمات التحليلية والاستشارية، نساعد البلدان على بناء وتحسين الأنظمة التي توفِّر التعلُّم للأطفال والشباب ومَن يحتاجون إلى المهارات في مرحلة البلوغ. ونموِّل حالياً أكثر من 145 مشروعاً في قطاع التعليم تتراوح ما بين تنمية الطفولة المبكرة والتعليم الأساسي والثانوي وصولاً إلى تنمية المهارات والتعليم العالي.
وفي حين نساعد على معالجة تأثيرات تفشي فيروس كورونا، تسعى استجابة عملياتنا إلى الحد من الأضرار الناجمة عن هذه الجائحة، والاستفادة من الاستثمارات التي تمت لأغراض التعلّم عن بُعد خلال الأزمة كمنطلق لتسريع وتيرة التقدم المحرز نحو إقامة نظام تعليم أكثر إنصافا وقدرة على الصمود ويلبي الاحتياجات الشخصية للطلاب. ولمساندة البلدان أثناء إغلاق المدارس، تحركنا بسرعة لمساعدتها على إنشاء أنظمة للتعلُّم عن بُعد أو تحسين الأنظمة القائمة، بما في ذلك من خلال الاستخدام الفاعل لأجهزة الطباعة والراديو والتلفاز وتكنولوجيا الهاتف المحمول. ونقدم أيضا المساندة لتوفير خدمات التغذية لمن فقدوا سبل الحصول على الوجبات المدرسية. ولمساعدة البلدان على إدارة مواصلة التعليم مع إعادة فتح المدارس والحد من تسرب الطلاب، نشجع على استئناف عملية التعلُّم مع ضمان قدرة المدارس على العمل بشكل آمن من خلال تطبيق البروتوكولات الصحية وتحسين ممارسات النظافة العامة؛ وتدشين حملات للتشجيع على إعادة الالتحاق بالدراسة ومنع التسرُّب من التعليم من خلال الاستعانة بأنظمة الإنذار المبكر؛ وبرامج التغذية المدرسية؛ والمزج بين طرق التعلّم الشخصي والتعلّم عن بُعد من خلال التكنولوجيا؛ والتدريب لمساعدة المعلِّمين على تقييم الخسائر في التعلُّم واستعواضها.
ولتحسين مستوى التعلُّم وتسريع وتيرته بعد إعادة فتح المدارس، نساعد البلدان على إعادة بناء أنظمة تعليمية قادرة على الصمود بضمان أن يكون بالإمكان التعلّم من أي مكان؛ واستخدام البيانات لجعل المدارس أكثر إنصافا؛ وإتاحة أسلوب التعلّم المتوافق مع الاحتياجات الشخصية؛ وتقديم دعم أكبر لأولياء الأمور والمعلِّمين والطلاب بما في ذلك الدعم الاجتماعي والوجداني.
وفي هذا الصدد، نعمل بشكل وثيق مع مجموعة من الشركاء من بينهم اليونيسف واليونسكو وكلية التربية في جامعة هارفارد ومنظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي. ومن خلال إعادة هيكلة المشروعات وعمليات التمويل الإضافي وتنفيذ مشروعات جديدة في نحو 60 بلداً، قمنا بتعبئة أكثر من 2.5 مليار دولار لقطاع التعليم لمواجهة تأثيرات تفشي فيروس كورونا. وفيما يلي بعض الأمثلة:
- في تركيا، مشروع طارئ بتكلفة 160 مليون دولار لمساعدة الحكومة على تطوير المحتوى الرقمي للقنوات التلفزيونية والقنوات عبر الإنترنت، بالإضافة إلى دورات تكميلية وبرامج للتدريس والتعلُّم المدمج. وستُقدَّم جميع المواد التلفزيونية مصحوبة بلغة الإشارة ومدعومة بالترجمة مع دبلجة صوتية للطلاب ضعاف السمع أو البصر. وسيموِّل المشروع أيضا توسيع النظام الحالي للتعليم عبر الإنترنت، وكذلك استشارات الصحة النفسية.
- في باكستان، خطة مشتريات لمساعدة وزارة التعليم العالي على توفير أجهزة لجميع الطلاب لكي يتمكنوا من المشاركة في فرص التعلُّم عن بُعد.
- في رواندا، برنامج تعليمي تفاعلي يستهدف الوصول إلى 60% من مجموع الطلاب، بالإضافة إلى برنامج مموَّل من الشراكة العالمية من أجل التعليم بمبلغ 10 ملايين دولار لدعم التعلُّم عن بُعد من خلال التلفاز وموقع يوتيوب ومنصة التعلُّم الإلكتروني الحكومية. وعند إعادة فتح المدارس، سيدعم المشروع بعض البرامج التصحيحية أو التكميلية للطلاب بما في ذلك أولئك المعرَّضون لخطر التسرُّب من التعليم.
- في نيجيريا، إعادة هيكلة مشروع قائم لتقديم دروس إذاعية تفاعلية، وحِزَم من أنشطة الدراسة الذاتية الرقمية، وكتب قصصية، واختبارات تفاعلية عبر الهاتف المحمول لما يبلغ 325 ألف طالب، بالإضافة إلى تقديم الدعم لهم من المعلِّمين من خلال مجموعات تُكوَّن من طلاب الفصل عبر تطبيق واتساب. وسيقدم المشروع أيضا أدلة إرشادية رقمية خاصة بالدروس لتساعد أولياء الأمور على دعم التعلُّم في المنزل.
ضمان توفير رعاية صحية جيدة وفي متناول اليد
في مارس/آذار 2020، أعلنت مجموعة البنك عن إطلاق التسهيل سريع الصرف لمواجهة تفشي فيروس كورونا من أجل دعم استجابة البلدان للتصدي لهذه الجائحة. وركَّزت هذه الاستجابة المبكرة على تلبية الاحتياجات الصحية العاجلة للبلدان، بما في ذلك تقوية قدرات أنظمة الرعاية الصحية، والحد من تفشي هذه الجائحة، وتعزيز مراقبة الأمراض، ومساندة الأنشطة البحثية لتسهيل تطوير اللقاحات وطرق العلاج. كما نساعد البلدان على الحصول على المستلزمات الطبية التي تمس الحاجة إليها بالتواصل مع المورِّدين نيابةً عن البلدان.
في السنة المالية 2020، وافقنا بسرعة على عمليات في قطاع الرعاية الصحية لمساعدة أكثر من 100 بلد على مكافحة فيروس كورونا. ويأتي هذا في إطار تعهُّد مجموعة البنك بتقديم ما يصل إلى 160 مليار دولار على مدى 15 شهراً تنتهي في يونيو/حزيران 2021 لمساعدة البلدان على تلبية احتياجاتها الصحية وكذلك تعزيز التعافي الاقتصادي.
ويدعِّم تعاوننا مع الشركاء الدوليين الرئيسيين ما نبذله من جهود. ففي فبراير/شباط 2020، اشتركنا مع منظمة الصحة العالمية ومنظمات أخرى متعددة الأطراف في الخطة الإستراتيجية للتأهب والاستجابة ضد فيروس كورونا على المستويين العالمي والقُطري. وبوصفنا المؤسسة القيِّمة على تحالف ابتكارات الاستعداد لمواجهة الأوبئة، فقد شكَّلنا فريق عمل يضم العديد من أصحاب المصلحة ليقوم بتطوير لقاح لهذا الفيروس ويساعد في ضمان توزيع اللقاحات، حال توفرها، على بلدان العالم بشكل عادل.
وحتى قبل تفشي فيروس كورونا، كنا نساعد البلدان النامية على تقوية استعدادها لمواجهة الجوائح. وتعمل برامج تعزيز الأنظمة الإقليمية لمراقبة الأمراض في 16 بلداً بغرب ووسط أفريقيا على تدعيم القدرات على المستويين الوطني والإقليمي وفي قطاعات متعددة من أجل مراقبة الأمراض والتأهب لمكافحتها بشكل تعاوني. وفي أعقاب أزمة الإيبولا التي ضربت غرب أفريقيا في عامي 2014 و2015، ساعدنا على إنشاء المركز الأفريقي لمكافحة الأمراض والعديد من مؤسسات الصحة العامة الوطنية. وقدَّمت المؤسسة الدولية للتنمية 286 مليون دولار للتصدي للتفشي العاشر للإيبولا في جمهورية الكونغو الديمقراطية الذي بدأ في أغسطس/آب 2018. وساندنا أيضا مشروع شبكة مختبرات الصحة العامة في شرق أفريقيا الذي أنشأ شبكة تضم 40 مختبراً للصحة العامة مُجهَّزة تجهيزاً جيداً، مع تدريب الأطقم العاملة وتعزيز قدرات التشخيص والمراقبة بها، في بوروندي وكينيا ورواندا وتنزانيا وأوغندا. وتجري الاستفادة من هذه الشبكة حالياً في مواجهة تفشي فيروس كورونا.
ويُعد هدفنا الخاص بتحقيق التغطية الصحية الشاملة بالغ الأهمية لبناء رأس المال البشري. ونساعد البلدان على توفير خدمات صحية جيدة وميسورة التكلفة للجميع، بغض النظر عن قدرتهم المالية، من خلال تدعيم أنظمة الرعاية الصحية الأولية وتقليص المخاطر المالية المرتبطة باعتلال الصحة وزيادة مستوى الإنصاف.
ورغم التقدُّم الكبير في النواتج الصحية العالمية توصَّل تقرير الرصد العالمي للتغطية الصحية الشاملة لعام 2019 الصادر عن منظمة الصحة العالمية والبنك إلى أن هناك تحديات كبيرة لا تزال ماثلة. وتشير التقديرات إلى أن السكان في البلدان النامية ينفقون أكثر من نصف تريليون دولار سنوياً من أموالهم الخاصة على خدمات الرعاية الصحية، مما يتسبب في مصاعب مالية لأكثر من 925 مليون شخص ويدفع نحو 90 مليون شخص إلى السقوط في براثن الفقر المدقع. وقد أعدنا التأكيد على التزامنا بتعجيل خُطى التقدُّم في هذا المجال خلال أول اجتماع رفيع المستوى للأمم المتحدة بشأن التغطية الصحية الشاملة الذي عُقد في سبتمبر/أيلول 2019. وبوصفها أحد الموقِّعين الاثني عشر على خطة العمل العالمية بشأن تمتُّع الجميع بأنماط عيش صحية وبالرفاهية، ستستمر مجموعة البنك في مساعدة البلدان على الحد من أوجه القصور والوفاء بالتزاماتها الدولية في مجال الصحة.
ونقدم المساعدة للبلدان التي تعاني من ارتفاع نسبة المسنين بين سكانها وتنامي أعباء الأمراض غير السارية. وتتسبب هذه الأمراض في 70% من الوفيات عالمياً والتي يقع معظمها في البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل. وتُعد خدمات الرعاية الصحية الأولية بالغة الأهمية للوقاية من الأمراض واكتشافها مبكراً وإدارتها، وكذلك لتعزيز الصحة. وللوقاية من السرطان واكتشاف الإصابة به وعلاجه، نعمل على تقوية قدرات وزارات الصحة في بوروندي وكينيا ورواندا وتنزانيا وأوغندا من خلال برنامج إقليمي لسجلات السرطان.
لقد تسبب تفشي فيروس كورونا في حدوث اضطرابات كبيرة في توفير الخدمات الصحية الأساسية المُنقِذة للحياة ووصولها إلى النساء والأطفال، وهو ما يهدد بضياع ما حققته بلدان العالم من تقدُّم في خفض الوفيات النفاسية ووفيات الأطفال على مدى سنوات. ويقدم صندوق التمويل العالمي، وهو عبارة عن شراكة تحرِّكها اعتبارات البلدان المعنية وتستضيفها مجموعة البنك، تمويلاً تحفيزياً ومساندة فنية لحماية خدمات الرعاية الصحية والتغذية وتعزيز توفيرها بشكل آمن ومنصف للنساء والأطفال، وبناء أنظمة صحية أكثر قدرة على الصمود في وجه الأزمات. ومن خلال العمل في 36 بلداً من البلدان منخفضة الدخل وتلك المنتمية للشريحة الدنيا من البلدان متوسطة الدخل التي تسجِّل أعلى معدلات الوفيات النفاسية ووفيات الأطفال في العالم، يساعد الصندوق الحكومات على إعطاء الأولوية للخدمات الصحية الأساسية والتخطيط لاستمرار توفيرها أثناء هذه الجائحة، وتدعيم تقديم الخدمات على الخطوط الأمامية، ومعالجة القيود التي تعوق تقديم خدمات الصحة الجنسية والإنجابية وغيرها من الخدمات المُنقِذة للحياة. وفي زامبيا، تقوم الحكومة حالياً بدمج الخدمات الصحية الأساسية للنساء والأطفال ومكافحة العنف ضد المرأة في خطة الاستجابة الوطنية لمواجهة تفشي فيروس كورونا.
وقبل الجائحة، كانت البلدان التي تحظى بدعم من صندوق التمويل العالمي، تشهد بالفعل تحسناً في صحة النساء والأطفال. ففي ليبريا بين عامي 2017 و 2019، ازداد عدد الأطفال دون سن عام الذين تلقوا تطعيمات بنسبة 52%، وارتفعت عمليات الإنجاب بمساعدة طبية بنسبة 48%. وفي إثيوبيا بين عامي 2016 و 2019، ارتفعت حالات الولادة تحت إشراف كوادر صحية ماهرة من 28 إلى 50%، وارتفع عدد الأطفال دون سن سنتين الذين يحصلون على دعم تغذوي من 27 إلى 44%.
قاعدة البيانات هذه هي مورد عالمي لتتبُّع مدى التقدُّم المحرز على مؤشرات قطاع الصحة الرئيسية في البلدان من مختلف مستويات الدخل، ونُشرِت مجموعة البيانات الأولى في عام 2000. ويشتمل أحدث إصدار، جرى إطلاقه في عام 2019، على بيانات عن تغطية الخدمات الصحية والنواتج الصحية في 196 بلداً بناءً على 1204 مسوح استقصائية. كما يشتمل على بيانات عن الحماية المالية بخصوص 149 بلداً استناداً إلى 646 مسحاً استقصائياً تبحث مجموعة البلدان التي تنفق أكثر من 10% من إجمالي دخلها على خدمات الرعاية الصحية، وكذلك النسبة المئوية لمن يسقطون في براثن الفقر من السكان بسبب الإنفاق من أموالهم الخاصة على الرعاية الصحية.
حماية الفئات الفقيرة والأكثر احتياجا من خلال الحماية الاجتماعية
تساعد برامج الحماية الاجتماعية على حماية الأرواح وسبل كسب الرزق، وبناء رأس المال البشري والحفاظ عليه، وتمكين الأشخاص من انتشال أنفسهم وأسرهم من براثن الفقر، وبالتالي الإسهام في بناء مجتمعات أكثر عدلاً وإنصافاً وشمولاً. ومع ذلك، يُظهر "أطلس البنك الدولي للحماية الاجتماعية- مؤشرات القدرة على الصمود والإنصاف" أن الأشكال المختلفة للحماية الاجتماعية لا تغطي سوى 45% من سكان العالم، فيما لا تغطي شبكات الأمان الاجتماعي سوى واحد من بين كل خمسة فقراء في البلدان الأشدّ فقراً.
ومن المهم وجود أنظمة فاعلة لتقديم الحماية الاجتماعية خاصةً في أوقات الأزمات، لأنها تساعد الناس على إدارة المخاطر والتغلُّب على الصدمات. ووفقا للدليل المعني بأسس أنظمة تقديم خدمات الحماية الاجتماعية، يمكن لأنظمة التقديم المتطورة أن تتيح قدرا أكبر من التنسيق فيما بين البرامج، مما يكفل وصول الدعم إلى مستحقيه، ويساعد على تحقيق أقصى قدر من التأثير. وللتصدي لتفشي فيروس كورونا، سارعت مجموعة البنك إلى الاستفادة من أنظمة الحماية الاجتماعية القائمة بالبلدان لمساندة الأسر ومؤسسات الأعمال في استعادة مصادر الدخل والحفاظ على سبل كسب أرزاقهم. ونقوم بزيادة استثماراتنا في برامج التحويلات النقدية بما يُقدَّر بنحو 10 مليارات دولار على مدى 15 شهراً. كما ساعدنا البلدان على تعزيز جاهزية أنظمة الحماية الاجتماعية لديها وبناء القدرة على مواجهة الأزمات في المستقبل.
وفي إطار التصدي لأسراب الجراد التي تؤثر على البلدان في أفريقيا والشرق الأوسط، يقدم برنامجنا الطارئ لمكافحة الجراد، بقيمة 500 مليون دولار، المساندة من خلال شبكات الأمان الاجتماعي الموجَّهة إلى الأسر المعيشية المتضررة حتى تتمكن من التعافي وإعادة البناء. وتشمل هذه المساندة التحويلات النقدية، والنقد مقابل العمل، والإمدادات الغذائية الطارئة، والبذور والأعلاف التي يمكن أن يستخدمها المزارعون في استعادة محاصيلهم وتوفير الأعلاف لماشيتهم.
وتبرز هذه الأزمات أهمية أنظمة الحماية الاجتماعية التكيُّفية التي يمكن توسيع نطاقها بسرعة في أوقات الأزمات للوصول إلى المتضررين. وتساعد هذه البرامج أيضا في بناء قدرة الأسر المعيشية الفقيرة والأكثر احتياجا على الصمود من خلال تعزيز قدراتها على الاستعداد لمواجهة الصدمات وتجاوزها والتكيُّف مع تأثيراتها، ويشمل ذلك المخاطر المرتبطة بالمناخ والأوضاع الهشة أو المتأثرة بالصراعات. وفي الهند، سيساعد مشروع "رئيس الوزراء لرعاية الفقراء" على توسيع نطاق التحويلات النقدية والإعانات الغذائية لتغطي 800 مليون شخص، وتوفير حماية اجتماعية قوية للكوادر الأساسية المشارِكة في أنشطة التصدي لتفشي فيروس كورونا، وإفادة الفئات الأكثر احتياجا لاسيما المهاجرين والعاملين بالقطاع غير الرسمي.
ونساعد البلدان على زيادة التغطية بشكل كبير بحلول عام 2030 من خلال مساندة برامج شبكات الأمان، ويشمل ذلك التحويلات النقدية والأشغال العامة وبرامج التغذية المدرسية. ويساند برنامج للتحويلات النقدية المشروطة في الفلبين أكثر من 4 ملايين أسرة معيشية، وهو ما يمثل ربع نسبة الحد من الفقر في البلاد خلال السنوات السبع الماضية. وفي كينيا، وسَّع البرنامج الوطني لشبكات الأمان نطاق تغطية التحويلات النقدية بشكل كبير ليزيد عدد المتلقين لها من 1.7 مليون شخص في عام 2013 إلى 5 ملايين شخص في عام 2019، من بينهم 2.3 مليون من النساء.
ويشكِّل توسيع نطاق الحماية الاجتماعية ليشمل العاملين بالقطاع غير الرسمي تحدياً مستمراً، حيث يكسب ما يصل إلى 80% من الأيدي العاملة في البلدان النامية قوت يومهم من العمل بالاقتصاد غير الرسمي، كما يرتفع عدد العاملين الذين يفتقرون إلى توفير حماية كاملة لهم في البلدان مرتفعة الدخل. وإقرارا بالطبيعة المتغيِّرة للعمل، يقترح تقرير "حماية الجميع: تقاسم المخاطر من أجل التنوُّع في عالم العمل" نهجاً لتوفير الحماية والضمان الاجتماعي للعاملين مصمَّماً ليتلاءم بشكل أفضل مع التنوُّع والتغيُّر المتزايد في عالم العمل، حيث يدعو الحكومات إلى توفير الحماية الاجتماعية بغض النظر عن قطاع العمل. وبالنظر إلى التأثيرات المدمرة لجائحة فيروس كورونا على الفقراء لاسيما العاملين منهم في الاقتصاد غير الرسمي، يُعد هذا النموذج المقترح لحماية الأيدي العاملة ملائماً أكثر من أي وقت مضى.