Skip to Main Navigation
عرض مختصر2022/08/03

التنقّل في سوق العمل على مدى دورة الحياة: شواهد من عقدين من الزمن بيانات سوق العمل في مصر

بقلم جينجيوان دينج، ونيللي الملاخ، ولوكا فلابي، وروبرتا جاتي*

تشكل الأزمة الصحية الحالية الناجمة عن جائحة كورونا صدمة كبيرة لأسواق العمل في جميع أنحاء العالم. وفي البلدان المتقدمة، وعدد منبقلم جينجيوان دينج، ونيللي الملاخ، ولوكا فلابي، وروبرتا جاتي* البلدان المتوسطة الدخل على حد سواء، أصبحت الشواهد المنهجية على تأثير الجائحة على أسواق العمل متاحة على نحو متزايد، وذلك بفضل المسوح عالية التواتر، وتوفر البيانات الإدارية، والدراسات الطولية. وعلى الصعيد العالمي، تشير الشواهد الآخذة في الظهور إلى آثار مهمة على تشغيل الشباب، وزيادة التسرب من القوى العاملة، وفقدان الوظائف والأجور والدخل، لاسيما بين العمالة غير الرسمية والعارضة والمنزلية، والتأثير الكبير على تشغيل المرأة نظرا لارتفاع تمثيلها في قطاع الرعاية الصحية وارتفاع الطلب على عملها في مجال الرعاية (منظمة العمل الدولية، 2020؛ ويبر ونيوهاوس، 2021). لكن بسبب نقص البيانات في أجزاء كبيرة من العالم النامي، وخاصة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فإن فهمنا لتأثير جائحة كورونا على أسواق العمل لا يزال محدودا.

 لمحة سريعة عن سوق العمل 

لتقييم تأثير جائحة كورونا على أسواق العمل، من الضروري فهم عمل أسواق العمل قبل الصدمة، ويفضل أن يكون ذلك على المدى الطويل. وننشئ هذه المقارنة من خلال دراسة ديناميكيات سوق العمل في مصر على مدى عقدين من الزمن. وبالتركيز على السكان في سن العمل الأولى - البالغين الذين تتراوح أعمارهم بين 20 و59 عاما - نعرض لمحات سريعة عن سوق العمل في مصر باستخدام أربع جولات من البيانات المقطعية من المسح التتبعي لسوق العمل بمصر.

 ويبين الشكل 1 عدة نتائج ذات صلة. أولا، بينما يشارك معظم الرجال في سوق العمل بغض النظر عن مستواهم التعليمي، فإن ذلك منتشر أساسا بين النساء الحاصلات على التعليم بعد المرحلة الثانوية فقط. وفي الواقع، فإن نسبة النساء خارج قوة العمل مرتفعة دائما، وقد زادت بالفعل بين عامي 1998 و2018. ثانيا، انخفضت العمالة في القطاع العام على مدى العقدين الماضيين، بين النساء والرجال على حد سواء. ويتزامن هذا التراجع مع زيادة حجم القطاع الخاص غير الرسمي. ومن المهم ملاحظة أنه على الرغم من أن القطاع غير الرسمي الكبير في مصر يماثل من حيث الحجم مثيله في البلدان الأخرى متوسطة الدخل مثل المكسيك وكولومبيا - يضم نحو 60% من إجمالي العمالة - فإن مصر لديها قطاع عام أكبر بكثير. ففي عام 2020، شكل القطاع العام في المكسيك 13٪ من العمالة ، وما يزيد قليلا على 4٪  في كولومبيا، وهو ما يتضاءل أمام القطاع العام المصري الذي شكل أكثر من ربع العمالة في عام 2018. كما أن هناك بلدانا أخرى مماثلة مثل إندونيسيا وماليزيا لديها قطاع عام أصغر بكثير، إذ يمثل 8% و15% من إجمالي العمالة على التوالي. ثالثا، نجد أن معدلات البطالة أعلى باستمرار بين الأفراد الأكثر تعليما، لاسيما إذا كانوا من النساء، وإن كان ذلك الاتجاه آخذا في التراجع. وأخيرا، نجد أنه كلما ارتفع مستوى التعليم لكل من الرجال والنساء، ارتفعت نسبة توظيف الذكور والإناث في القطاع الرسمي، سواء في القطاع العام أو الخاص، وتراجعت مشاركتهم في القطاع الخاص غير الرسمي.

التنقل في سوق العمل على مدى دورة الحياة

بالاعتماد على البعد التتبعي للبيانات، نقترح دراسة تطور التحولات في سوق العمل على مدى دورة الحياة. فنحن نتتبع الأفراد ذاتهم من عام 1998 إلى عام 2018، حيث يظهر انتقالهم عبر أربع حالات محتملة لسوق العمل: القطاع العام، والقطاع الخاص (مقسم إلى القطاع الرسمي وغير الرسمي)، والبطالة، والخروج من القوى العاملة.

ونتناول بالبحث الرجال والنساء الذين تتراوح أعمارهم بين 20 و39 عاما في عام 1998، ونستخدم أشكال سانكي البيانية التفاعلية لتمثيل التحولات. وأشكال سانكي البيانية هي رسم بياني للتدفقات، حيث يتناسب عرض الأسهم مع معدلات التدفق. وعند خط الأساس، يعمل 24٪ من الرجال في القطاع العام، و44٪ في القطاع الخاص غير الرسمي، و8٪ في القطاع الخاص الرسمي (الشكل 2). ومع حدوث انتقال على مدى دورة الحياة، زادت نسبة الأفراد العاملين في القطاع العام من 24٪ في 1998 إلى 33٪ في 2018. وبالفعل، فإن 12% من الرجال الذين كانوا يعملون في القطاع الخاص غير الرسمي، و23% ممن خارج القوى العاملة، و13% من العاطلين عن العمل، و10% ممن في القطاع الخاص الرسمي عند خط الأساس في عام 1998 انضموا إلى القطاع العام في عام 2006.

واستمر عدد أكبر من العاملين الذكور في القطاع الخاص، سواء في القطاع الرسمي أو غير الرسمي، في الانتقال إلى القطاع العام على مدى دورة الحياة. فالانتقال من القطاع الخاص الرسمي إلى القطاع العام الرسمي أكثر تواترا من حيث النسبة المئوية مقارنة بالانتقال من القطاع الخاص غير الرسمي إلى القطاع العام. ومن المثير للاهتمام أيضا أن نلاحظ أن الانتقال داخل القطاع الخاص، بين القطاعين الرسمي وغير الرسمي، أكثر تواترا بكثير من الانتقال من القطاع الخاص إلى القطاع العام. وعلى العكس من ذلك، نادرا ما ينتقل من يبدأون في القطاع العام إلى القطاع الخاص الرسمي أو القطاع الخاص غير الرسمي، وإن كانوا أكثر عرضة للانتقال إلى القطاع غير الرسمي منه إلى القطاع الرسمي على مدى دورة الحياة.

وتختلف الصورة اختلافا كبيرا بالنسبة للنساء (الشكل 3)، حيث إن الغالبية العظمى منهن خارج قوة العمل عند خط الأساس وفي نهاية دورة حياتهن في عام 2018 (71٪). ولا يزال القطاع العام هو رب العمل الرئيسي للنساء طوال دورة حياتهن. والواقع أن 12% من النساء عند خط الأساس كن يعملن في القطاع العام، وهي نسبة زادت قليلا على مدى دورة الحياة. ويظهر تحليل دورة الحياة أن وضع المرأة من القوى العاملة ثابت للغاية: إذ لم تتمكن سوى 3% و2% و1% من النساء من القوى العاملة في أعوام 1998 و2006 و2012 على التوالي من الانتقال إلى القطاع العام من خلال الجولة التالية من المسح التتبعي لسوق العمل بمصر. من ناحية أخرى، من المرجح أن يحدث انتقال من خارج القوى العاملة إلى القطاع الخاص غير الرسمي أو إلى البطالة. وفيما بين النساء اللائي خرجن من القوى العاملة في 1998 و2006 و2012، انتقلت 15% و6% و10% على التوالي إلى القطاع الخاص غير الرسمي، في حين انتقلت نسبة 3% و4% و2% إلى البطالة في الجولة التالية من المسح. فالانتقال إلى خارج القطاع العام أمر نادر، وإن كنا نلاحظ تسرب النساء من القوى العاملة مع ارتفاع أعمارهن خلال مدة الدراسة وهي 20 عاما. وأخيرا، نلاحظ أن نسبة كبيرة من النساء ينتقلن من القطاع الخاص غير الرسمي إلى خارج القوى العاملة على مدى دورة الحياة: تسربت 41% و64% و55% من العاملات في القطاع الخاص غير الرسمي في 1998 و2006 و2012 على التوالي خرجن من القوى العاملة في الموجة التالية.

الآثار المترتبة على ما بعد الجائحة

يقدم التحليل الوارد هنا رؤى ثاقبة مهمة عن كيفية التصدي للتحديات البالغة الأهمية التي تشكلها الجائحة المستمرة. ويظهر التحليل القطاعي أن الرجال والنساء على السواء شهدوا زيادة في الخمول الاقتصادي على مر السنين. ولذلك، فإن الاضطرابات الكبيرة المرتبطة بالجائحة تزيد من تفاقم الاتجاهات القائمة من قبل، مما يضع ضغوطا إضافية على سوق العمل شديدة التجزؤ. ويبرز التقسيم في سوق العمل المصرية أبعادا متعددة: المساواة بين الجنسين أو الأبعاد القطاعية. ومن التحديات الرئيسية التي تجعل سوق العمل المصرية أقل قدرة على الصمود في استيعاب الآثار السلبية للجائحة اعتماد الاقتصاد المصري الكبير على التوظيف في القطاع العام، لاسيما للنساء، وصغر حجم القطاع الخاص الرسمي، وتزايد حجم القطاع الخاص غير الرسمي، والضعف الشديد لمشاركة المرأة في سوق العمل.

ومع ذلك، هناك بالتأكيد العديد من الدروس التي يمكن استخلاصها من هذا التحليل. والأهم من ذلك، نلاحظ أن التعليم يلعب دورا رئيسيا في تشكيل نواتج الأفراد عندما يتعلق الأمر بتحسين الانتقال في سوق العمل. فعلى سبيل المثال، وجد أن الأفراد الأفضل تعليما هم الأكثر احتمالا للانتقال من القطاع الخاص غير الرسمي إلى القطاع الرسمي، سواء في القطاع العام أو الخاص، والخروج من دائرة الخمول الاقتصادي أو البطالة إلى العمل. علاوة على ذلك، يتبين أن النساء والرجال الأفضل تعليما هم الأكثر عرضة لبدء العمل في القطاع الرسمي، مقارنة بالأقل تعليما الذين يعملون على الأرجح في القطاع غير الرسمي. ونظرا لأن العمال غير الرسميين عادة ما يكونون أكثر عرضة للمخاطر ويتحملون عواقب أشد وطأة مرتبطة بالصدمات، يجب تصميم شبكات الأمان بحيث تستهدفهم على نحو أفضل. وقد طرحت الجائحة مرة أخرى على جبهة السياسات ضرورة القيام بإصلاحات أساسية في سوق العمل مثل ضرورة تعزيز ومساندة خلق فرص العمل في القطاع الخاص الرسمي، وتصميم سياسات تدعم مشاركة المرأة في سوق العمل، بما في ذلك تقديم خدمات رعاية الأطفال، وتعزيز بيئة العمل الملائمة للنساء،  واحتمال فرض حصص للوظائف المخصصة للنساء.

وتستدعي الجائحة أيضا توفر بيانات عالية التواتر عن سوق العمل لتقييم تأثير الجائحة على أسواق العمل. وحتى الآن، تعد المسوح الهاتفية عالية التواتر المصدر الأكثر موثوقية للبيانات لدراسة تأثير جائحة كورونا على أسواق العمل في البلدان النامية (هوجيفين، ولوبيز-أسيفيدو، 2021، كرافت، أسعد، ومرواني، 2021أ؛ كرافت، وأسعد، ومرواني، 2021ب؛ كرافت، وأسعد، ومرواني، 2021ج؛ كرافت، وأسعد، ومرواني، 2022). ومع ذلك، فإن المسوح الهاتفية لها محاذير خاصة بها. فمن ناحية، لم تجر هذه المسوح إلا بعد الجائحة، وهو ما يعني أنه لا يمكن للمرء السيطرة إلا على النواتج الموجودة من قبل من خلال المعلومات التقييمية التي تم الإبلاغ عنها ذاتيا. ومن التحديات الأخرى التي يواجهها الاقتصاديون حسب التصميم عند استخدام المسوح الهاتفية اختيار المجيبين على المسوح الهاتفية، الذين لا يمثلون في العادة جميع السكان. وتعالج بيانات الدراسات الطولية الممثلة كلا من هذه المخاوف، وهي ضرورية بالفعل لفهم نواتج سوق العمل أثناء الجائحة وبعدها.

*نشر هذا المقال للمرة الأولى على موقع منتدى البحوث الاقتصادية باللغة الإنجليزية