تتميز تونس بدرجة عالية من العمران الحضري، إذ ان نحو 70 في المائة من المواطنين البالغ عددهم 11 مليونا يعيشون في البلدات والمدن. والقطاع الحضري في تونس هو أنشط قطاعات الاقتصاد الوطني وأكثرها حيوية، ويبلغ نصيبه أكثر من 85 في المائة من إجمالي الناتج المحلي.
ومع ذلك، في ظل النظام السابق الذي اتسم بالمركزية الشديدة في اتخاذ القرارات، لعبت المجالس البلدية دوراً محدوداً نسبياً في التنمية المحلية. ولم تتعد حصتهم من إجمالي الإنفاق العام 4 في المائة. وبحكم القانون، فقد تولت المجالس البلدية مسؤوليات وظيفية محدودة.
وفي أعقاب ثورة عام 2011، اضطرت السلطة السياسية الانتقالية في تونس إلى إعادة التفكير بشكل جدي في دور الدولة ومركزية القرار، وتقييم دور المجالس البلدية في التنمية الحضرية. وجاء الدستور الجديد، الذي تم إقراره في وقت سابق من هذا العام، ليتضمن التزامات واضحة بدعم اللامركزية. وترسم وثيقة الدستور رؤية تتمتع فيها دوائر الحكم المحلي بسلطات واسعة، مع تحملها مسؤولية توفير الخدمات المحلية على أساس مبادئ الشفافية ومشاركة المواطنين والخضوع للمساءلة أمامهم.
ولقد أشارت الحكومة الانتقالية إلى عزمها وضع المجالس البلدية في صلب عملية التنمية الحضرية، من خلال جعلها أكثر فعالية ونشاطاً في تخطيط وتنفيذ وتوفير مرافق البنية التحتية والخدمات البلدية. وثمة إجماع واسع حالياً على أن مجالس البلدية المنتخبة ورؤساء البلديات يجب أن يكونوا أكثر من مجرد "متفرجين سلبيين" في التنمية الحضرية، وأن يصبحوا أكثر شفافية وخضوعاً للمساءلة أمام المواطنين. وأخيراً، تُدرِك إدارات الحكومة المركزية الرئيسية (مثل صندوق القروض ومساعدة الجماعات المحلية، والإدارة العامة للجماعات العمومية المحلية) الحاجة إلى الإصلاح وإعادة تنظيم الطريقة التي يجري بها تقديم المساندة لدوائر الحكم المحلي.
وفي هذا الإطار، أطلقت الحكومة برنامجاً للاستثمار البلدي مدته خمسة أعوام لتقوية مجالس الحكم المحلي وتلبية احتياجات المناطق المحرومة. أحد محاور التركيز الرئيسية لهذه الخطة، والتي تبلغ تكلفتها 770 مليون دولار، يتمثل في إصلاح إدارة الأموال العامة المخصصة للبلديات والمسؤولية عنها. وتماشياً مع الأولوية الوطنية في تمكين الدوائر المحلية من اتخاذ القرارات، فإن الهدف هو منح البلديات المسؤولية عن ميزانياتها، وتمكين مواطني المناطق المحلية من التعبير عن رأيهم في كيفية إنفاق الأموال العامة.