صاحت أم ماجد، وهي تطل من شرفتها لتتأكد هل ما سمعته لتوها حقاً هو الماء ينساب في الأنابيب، قائلةً "المّي المّي رجعت المّي!". وأسرعت هي وجيرانها إلى داخل شققهم السكنية لملء أحواض الاستحمام وأية أوعية يجدونها قبل أن ينقطع الماء مرة أخرى. فلم تصل إليهم قطرة ماء واحدة منذ ثمانية أيام.
إذا كان هناك شيء واحد يتفق عليه اللبنانيون فهو ما وصل إليه وضع المياه من سوء. وحتى الكهرباء (التي تتعرض أيضا لانقطاعات) غالبا ما تُذكَر في سياق هل ستكون متاحة حينما تعود المياه حتى يمكن تشغيل الغسَّالات الكهربائية مثلاً، أو تتمكَّن ناقلات الصهريج الخاصة من ضخ المياه في الخزانات فوق أسطح المباني.
ولا يفهم أحمد سبيتي –وهو بقَّال يعيش في بيروت- كيف لبلد مثل لبنان مشهور بأنهاره وينابيعه أن يعاني من شح المياه. وهو يقول إنه يدفع نحو 1200 دولار للحصول على المياه من صهاريج نقل المياه سنويا، و600 دولار أخرى ثمنا لمياه الشرب المعبأة. يُضاف إلى ذلك 170 دولاراً رسوماً موحدة تدفع سنويا عن الوحدة السكنية الواحدة لمصلحة إمدادات المياه البلدية، وينفق أحمد جزءاً ليس بالقليل من دخله على أهم الاحتياجات وهي الحصول على المياه إلى منزله.
ويعاني لبنان منذ سنوات طويلة، من مشكلة نقص المياه في الصيف والخريف، ولكن في عام 2014، تفاقمت المشكلة بسبب جفاف بالغ الشدة والضغوط التي يضعها أكثر من مليون لاجئ سوري على مرافق البنية التحتية للبنان. ولا يخزن لبنان سوى ستة في المائة فحسب من إمدادات مياهه العذبة، مع أن المتوسط في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أكبر من ذلك كثيرا. ولذلك، فإن نسبة كبيرة من إمدادات لبنان من المياه العذبة تضيع سدى.
ويُضاعف من هذه المشكلة على الأمد الطويل، أن ما يُقدَّر بنحو 20 ألف بئر غير مرخصة تعمل في منطقة بيروت الكبرى، ويقوم معظمها بتزويد صهاريج نقل المياه الخاصة وتستنزف في وقت واحد احتياطيات المياه الجوفية. ويتردَّد نبيل الذي يملك ناقلة صهريج في الإجابة عن مصدر الماء الذي يملأ به خزانات مبنى سكنِّي في بيروت. ومن يستطيعون دفع ثمن المياه المعبأة يشربونها، ولكن من يعيشون على أقل من 4 دولارات يومياً وعددهم نصف مليون أو نحو ذلك فإنهم يغلون المياه للحد من المخاطر التي يسببها شرب مياه قذرة.
وللمساعدة في معالجة نقص المياه الذي يعاني منه المستهلكون اللبنانيون، وافق البنك الدولي على أكبر مشروع له في البلاد، وهو قرض قيمته 474 مليون دولار ل تعزيز إمدادات المياه البلدية. ويساهم البنك الإسلامي للتنمية والحكومة اللبنانية أيضا بتمويل مواز (قيمته 128 مليون دولار و15 مليون دولار على الترتيب) في التكلفة الكلية للمشروع والتي تبلغ 617 مليون دولار.
وسيستهدف مشروع تعزيز إمدادات المياه منطقة بيروت الكبرى وجبل لبنان حيث يعيش نصف سكان البلاد البالغ تعدادهم نحو أربعة ملايين. وسيقام سد على نهر بسري في جنوب لبنان لتخزين 125 مليون متر مكعب من المياه، التي تتكوَّن بشكل طبيعي في الشتاء والربيع لاستخدامها في فصلي الصيف والخريف. وسيعتمد تدفق الماء إلى بيروت على الجاذبية بشكل كامل، ولن يتطلَّب تكاليف ضخ عبر نفق طوله 26 كيلومترا، وفي الطريق يمر بمحطة معالجة.
وقامت الهيئة المشرفة على إدارة تنفيذ المشروع وهي مجلس الإنماء والإعمار بتشكيل لجنة من خبراء دوليين بشأن سلامة السد قامت بمراجعة كل جوانب التصميم والإنشاءات والعمليات. وشارك في هذه العملية بعض من أشهر الخبراء في العالم في علوم المياه والزلازل والجيولوجيا.
وفضلا عن ذلك، أدرك النظراء اللبنانيون أهمية العوامل البيئية والاجتماعية، واقترضت الحكومة المال لوضع برنامج لتقاسم المنافع من أجل القرى والبلدات التي ستتأثَّر بالمشروع.