بكين، 22 يوليو/تموز - يقول تقرير جديد إن الصين يمكن أن تقدم لمواطنيها رعاية صحية أفضل بأسعار مناسبة إذا أعادت هيكلة نموذج تقديم الخدمات ليركز على توفير الرعاية الصحية الأولية المتكاملة للسكان الذين تتزايد بينهم نسب المسنين بشكل سريع، وإصلاح المستشفيات العامة حتى تركز أساسا على علاج الحالات المعقدة والحادة.
وفقا للتقرير الذي أجراه البنك الدولي ومنظمة الصحة العالمية، ووزارة المالية والهيئة الوطنية للصحة وتنظيم الأسرة ووزارة الموارد البشرية والضمان الاجتماعي في الصين، سيساعد التحول إلى "الرعاية المتكاملة التي يكون محورها الإنسان" على الحفاظ على ابقاء الرعاية الروتينية للمرضى خارج المستشفيات، وسيساعد الصين على خفض تكاليف الرعاية الصحية بنسبة تصل إلى 3 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي. أما استمرار الوضع على حاله فمن شأنه أن يزيد الإنفاق على الرعاية الصحية بنسبة 9.4 في المائة سنويا من عام 2015 إلى عام 2020، وهي نسبة أعلى من نسبة نمو الناتج المحلي الإجمالي المتوقع التي تبلغ 6.5 في المائة سنويا.
وقال رئيس مجموعة البنك الدولي جيم يونغ كيم "منذ عقود، أظهرت ابتكارات الصين في مجال الصحة مثل المعاونين الطبيين والرعاية الصحية التعاونية للعالم أنه يمكن تحسين الصحة وتحقيق زيادة كبيرة في متوسط العمر المتوقع لمئات الملايين من الناس. واليوم، يمكن للصين أن تقود الطريق مرة أخرى عن طريق إصلاح عصري لنظام الرعاية الصحية الأولية المتطورة التي تضع المريض أولا وتبتعد عن الرعاية الصحية المكلفة في المستشفيات التي لا تقوم في كثير من الأحيان سوى بالقليل لتحسين صحة الناس. وإذا أرست الصين هذه الإصلاحات، فإننا نعتقد أنها ستؤدي إلى تحسين نظام الرعاية الصحية لجميع الصينيين - أو لكل شخص واحد من بين كل ستة أشخاص في العالم".
ويعد تقرير تعميق إصلاح القطاع الصحي في الصين التقرير الأكثر شمولا الذي تم إعداده حتى الآن عن اصلاح النظام الصحي في الصين. ويعتمد التقرير، الذي استغرق أعداده عامين، على 20 دراسة مرجعية وأكثر من 30 دراسة حالة وزيارات إلى 21 اقليما في الصين وسلسلة من ورش العمل الفنية وفريق متنوع من صانعي السياسات والممارسين والباحثين والأكاديميين من جميع الشركاء الثلاثة.
النجاح والتحديات في أنظمة الرعاية الصحية في الصين
يأتي هذا التقرير في الوقت الذي تشرع فيه الحكومة الصينية في تطبيق إصلاحات صحية في إطار خطة التنمية الخمسية الثالثة عشر، تشمل تشريعات من شأنها وضع معايير ومحددات للقطاع الصحي.
ويبنى التقرير توصياته على نجاح الصين الباهر في مجال الرعاية الصحية على مدى العقدين الماضيين. وفي ظل استثمارات ضخمة في البنية التحتية الصحية، فقد حققت الصين تغطية شبه شاملة للتأمين الصحي بسرعة غير مسبوقة، حيث تمت تغطية أكثر من 95 في المائة من سكانها بالتأمين بحلول عام 2011. وقد ساعد ذلك على خفض معدلات وفيات الأطفال والأمهات؛ فالطفل الذي يولد في الصين اليوم يمكن أن نتوقع أن يعيش لفترة أطول بما يزيد عن 30 عاما عما كان عليه الوضع منذ 50 عاما.
ولكن تكاليف الرعاية الصحية في الصين ظلت تنمو بمعدل أعلى من الناتج المحلي الإجمالي منذ عام 2008، ويرجع ذلك أساسا إلى النمو الاقتصادي القوي وما ينطوي عليه من تغطية شبه شاملة للتأمين الصحي. وبعد انتشال أكثر من 600 مليون مواطن من براثن الفقر في ظل نمو بنسبة لا تقل عن 10 في المائة في العقود الثلاثة الأخيرة، فإن الصين تواجه الآن تباطؤا في النمو وتحديات ناشئة تظهر عادة في المجتمعات الميسورة.
إذ تواجه الصين تحديات ناشئة لتلبية احتياجات الرعاية الصحية لمواطنيها، وذلك بسبب ارتفاع نسبة المسنين في المجتمع بشكل سريع والعبء المتزايد للأمراض غير المعدية مثل السرطان وأمراض القلب. يوجد الآن 140 مليون شخص تزيد أعمارهم عن 65 عاما في الصين، ومن المتوقع أن يرتفع هذا العدد إلى 230 مليونا بحلول عام 2030. وقد حلت الأمراض غير المعدية محل الأمراض المعدية بوصفها أكبر تهديد للصحة، حيث أصبحت مسؤولة عن أكثر من 80 في المائة من 10.3 مليون وفاة كل عام. وتتفاقم خطورة تلك الأمراض بسبب السلوكيات عالية الخطورة مثل التدخين وأنماط الحياة التي تتسم بقلة الحركة وتعاطي الكحوليات، فضلا عن العوامل البيئية مثل تلوث الهواء. وفي نفس الوقت، فإنه في ظل ارتفاع معدل النمو الاقتصادي ودخول الأفراد، فإن الناس يصبحون بحاجة إلى المزيد من الرعاية الصحية الأفضل.
لقد شكل ذلك ضغطا على نظام الرعاية الصحية. ووفقا للتقرير، فقد تباطأت المكاسب الصحية، ولكن الإنفاق على الرعاية الصحية ظل ينمو بمعدل من 5 إلى 10 نقاط مئوية أعلى من معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي منذ عام 2005. وقد تراجع الانفاق الشخصي بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة، ولكن في ظل إنفاق بنسبة 32 في المائة من الإنفاق الكلي في عام 2014، فإن المعدل لا يزال أعلى من المتوسط الذي تبلغ نسبته 21 في المائة بين الاقتصادات ذات الدخل المرتفع.
وإدراكا منه للتحديات، فقد اقترح رئيس مجلس الدولة الصيني لي كه تشيانغ الدراسة خلال لقاء مع رئيس مجموعة البنك الدولي ومدير عام منظمة الصحة العالمية في عام 2014.
ويحدد التقرير مجموعة من التوصيات بشأن الإجراءات العملية والملموسة اللازمة لبناء نظام للرعاية الصحية في المستقبل، من خلال تحسين الخدمات وخلق بيئة مالية ومؤسسية لتحسين الرعاية.
الرعاية المتكاملة التي محورها الإنسان
يأتي في صلب التوصيات الواردة في التقرير الاعتماد الكامل لنموذج للرعاية المتكاملة التي محورها الإنسان. ويعد حجر الأساس لهذا النموذج هو نظام قوي للرعاية الصحية الأولية يتكامل مع رعاية أكثر تقدما، وخاصة للمرضى الذين يعانون من أمراض مزمنة مثل السرطان والسكري.
وتتمثل طريقة أخرى تمت التوصية بها لتحسين نظام الرعاية الصحية في الصين في إصلاح المستشفيات العامة بحيث لا تصبح مكانا واحدا يقدم جميع الخدمات الصحية، ولكن بدلا من ذلك يتم استخدامها لرعاية الحالات الأكثر حدة، مع قيام مقدمي خدمات الرعاية الصحية الأولية بتقديم خدمات الرعاية الروتينية.
ومن شأن نظام أكثر فعالية أن يغير أيضا الحوافز المقدمة لمقدمي خدمات الرعاية بحيث تتم مكافأتهم على النتائج الصحية الجيدة التي يحققونها للمرضى بدلا من حجم الرعاية، الذي يمثل أحد الأسباب الرئيسية لارتفاع تكاليف الرعاية الصحية.
ويوصي التقرير بتعزيز وضع مقدمي الرعاية الصحية الأولية بحيث يحصلون على مساندة ومقابل أفضل، لضمان وجود قوى عاملة صحية تتمتع بالكفاءة يمكن للناس أن يثقوا فيها.
كما أنه يساند أيضا السماح لمقدمي الخدمات الصحية المؤهلين من القطاع الخاص بمنافسة القطاع العام على قدم المساواة لتقديم خدمات فعالة من حيث التكلفة.
وأخيرا، يشجع التقرير إنشاء هيئة وطنية للإشراف على تحسين الجودة على مستوى النظام بالكامل.
ويحث التقرير الصين على إدراج التغييرات المقترحة بطريقة منسقة ومدروسة. وذكر التقرير أن الأمر قد يستغرق من الصين حوالي 10 أعوام لكي تطبق الإصلاحات المقترحة بشكل كامل.