ان التقدم نحو المساواة بين الجنسين هو ضرورة اقتصادية لتحسين مستوى مشاركة المرأة في القوى العاملة ورفعه. في لبنان، ترغب المرأة بالعمل بشكل عام طالما تتوفّر لها البيئة المؤاتية لذلك: أي البيئة التي تأخذ في الاعتبار التحديات المختلفة التي تواجهها المرأة التي عليها أن تنتقل بين العمل والمسؤوليات الرعائية الملقاة على عاتقها بينما تتنافس أيضا مع الرجال على المناصب القيادية. في الواقع، 4% فقط من الشركات في لبنان لديها مديرة. وقد أصبح دعم هذه البيئة المؤاتية للمرأة أولوية حكومية، كما من المقرر عقد دورة برلمانية في آذار/مارس2020، للمرة الأولى في لبنان، تكون مكرّسة لمعالجة القوانين التمييزية ضد المرأة.
إن التحديات القانونية التي تواجه المرأة عديدة وتتراوح بين الافتقار إلى التشريعات التي تكافح التحرش الجنسي في الأماكن العامة وفي العمل، والتمييز في السياسات المتعلقة بالضمان الاجتماعي والحماية الاجتماعية، وعدم المساواة في الأجور عن العمل ذي القيمة المتساوية وما إلى ذلك من تحدّيات. ولا تزال الفوارق قائمة رغم المادتين 7 و 12 من الدستور اللبناني اللتين تنصان على المساواة بين جميع المواطنين. ناهيك عن الكثير من القوانين المتعلقة بالنوع الاجتماعي العالقة في البرلمان.
ومما يضاعف من هذه التحديات القانونية التوقعات والمعايير المجتمعية التي تحيط بالأدوار التقليدية المرتبطة بالنوع الاجتماعي عندما يتعلق الأمر بمسؤوليات الأسرة المعيشية، فضلا عن تفضيل كلّ من النساء والرجال إبقاء رعاية الأطفال داخل الأسرة. فعلى سبيل المثال، يبينّ تقييم جرى على صعيد لبنان بشأن مشاركة الأزواج في العمل، أن 70 % من الأزواج اشاروا إلى أن الزوجة هي التي تقوم بالأعمال المنزلية وأن معظم النساء العاملات يافعات، والغالبيّة منهنّ دون سنّ الـ 35، ولم يتزوجن بعد. ولذلك، يُعتبر الوصول إلى توافق آراء يؤدي إلى إصلاح هذه القوانين تحديًا في سياق تعزّز فيه القواعد التقييدية القوانين التمييزية التي تضرّ بالمرأة ومن ثمّ تستمر بسبب الوضع القانوني الراهن. لذا لا بدّ من كسر هذه الحلقة.
وتقوم الحكومة، بدعم من برنامج تمكين المرأة في المشرق، وبالتعاون مع الوزارات والوكالات الحكوميّة الأخرى ذات الصلة، بمعالجة هذه الحلقة من خلال مقاربة تقوم على أساس تهيئة بيئة مؤاتية أولا، ثم تعزيز قاعدة الأدلة وبناء القدرات، وفي نهاية المطاف زيادة فرص حصول المرأة على الفرص الاقتصادية. هذا جزء من التزام لبنان بتحسين مشاركة المرأة في القوة العاملة على النحو المفصل في خطة العمل اللبنانية التي يدعمها برنامج تمكين المرأة في المشرق. وتوفّر خطة العمل خارطة طريق للأنشطة الرامية إلى تحريك العمل من أجل تمكين المرأة اقتصاديًا في لبنان. وعلى نحو تعاوني، تدعو الحكومة إلى إصلاح التشريعات التمييزية بين الجنسين من خلال التحالف مع النواب، والوكالات الحكومية المعنية (وزارة العمل، ومجلس الخدمة المدنية، واللجنة الوطنية للمرأة اللبنانية...)، ومنظمات القطاع الخاص، ومنظمات المجتمع المدني (الرابطة اللبنانية لسيدات العمل، المجلس اللبناني للسيدات لقياديات)، والأوساط الأكاديمية (الجامعة الأمريكية في بيروت/ مشروع كليّة عليّان "المعرفة قوّة"، والمعهد العربي للمرأة في الجامعة اللبنانية الأمريكية).
وتستجيب الدورة البرلمانية التي ستعقد في آذار/مارس 2020 والتحضيرات اللازمة لها للالتزام الوطني ضمن برنامج تمكين المرأة في المشرق، وهي أول مرحلة في طريق بناء بيئة مؤاتية تهدف إلى تيسير وصول المرأة إلى عالم العمل والمشاركة فيه. فالإصلاحات القانونية وحدها غير كافية. وفي إطار برنامج تمكين المراة في المشرق، وخلال السنوات القليلة المقبلة، سيجري إطلاق حملة وطنية متعددة القطاعات في مجال الاتصالات والتوعية لتسليط الضوء على التأثير الإيجابي للمرأة في القوى العاملة، ومعالجة العديد من المواضيع الفرعية مثل المرأة المحركة للابتكار والتغيير، والمساهمة التي يمكن أن تقدمها المرأة في النمو الاقتصادي العام في البلاد، وسياسات العمل المراعية للأسرة والمرنة، إلخ.
وعلى سبيل المثال، في لبنان، في حال جرى سدّ الفجوة بين الجنسين في العمل بنسبة 25%، يؤدي ذلك إلى زيادة الناتج المحلي الإجمالي اللبناني بنسبة 9٪!
وسينصب التركيز المباشر للحملة على التحرش الجنسي في مكان العمل الذي يشمل مواد مختلفة يتم تسليط الضوء عليها من خلال التوعية على وسائل التواصل الاجتماعي بشأن الحاجة إلى مثل هذا القانون والآثار السلبية للتحرش الجنسي؛ وتوعية القاعدة الشعبية لإشراك الشباب على المستوى الجامعي والبلدي لمناصرة هذا القانون؛ وإشراك الشركات في اعتماد مدوّنات سلوك بوجود إطار قانوني أو في غيابه. ولكن هذه مجرد بداية. وتتراوح المواضيع الإضافية التي سيجري إستكشافها أيضا بين مكافحة العنف القائم على نوع الجنس والرسائل الإيجابية، مثل إبراز الإنجازات التي حققتها المرأة من خلال أمثلة يحتذى بها، وتعزيز المواقف الإيجابية للرجال والفتيان تجاه عمل المرأة، وأهمية المساواة في الأجر لساعات العمل المرنة في القطاع الخاص؛ الخ.