من عِقْدٍ إلى عِقْد، ومن تحدٍ إلى تحدٍ، ساندت المؤسسة الدولية للتنمية البلدان في بدء فصول جديدة في مسار تطورها وتحقيق النتائج المرجوة. ومع استمرار المؤسسة في تحقيق النتائج والاستماع للأخرين والتطوُّر، فيما يلي نظرة إلى الوراء على بعض المنجزات التي أمكن تحقيقها:
الثورة الخضراء
ركزت المؤسسة الدولية للتنمية في سنوات نشأتها الأولى على مشروعات اللبنية التحتية الكبيرة، ولم يمض وقت طويل حتى أدركت إمكانيات الزراعة في تخفيض واردات الغذاء، وخلق الوظائف، ومساعدة البلدان على الخروج من دائرة الفقر. وفي أواسط ستينيات القرن الماضي على سبيل المثال، كانت الهند تستورد ما بين 10 ملايين إلى 12 مليون طن من الحبوب الغذائية سنويا. وكانت مشاركة المؤسسة الدولية للتنمية إيذانا بالنهضة الزراعية التي شهدتها الهند، بنشر "الثورة الخضراء" والمساعدة في حماية مئات الملايين من الناس من المجاعة.
الناس وسبل كسب العيش والمؤسسات
بمرور الوقت، أصبح النهج الذي تتبعه المؤسسة الدولية للتنمية أكثر شمولا وذا طابع إستراتيجي أكبر، فيما يُبيِّن الخبرات المكتسبة في هذا الصدد، والطبيعة المتغيرة للتنمية. وأدركت المؤسسة قيمة استثمارات رأس المال البشري وأهمية المؤسسات الفعَّالة، وزادت تدريجيا تركيزها على القطاعات الاجتماعية الرئيسية، مثل التعليم، والرعاية الصحية، والحماية الاجتماعية، والمياه والصرف الصحي، وكذلك الحكم الرشيد. واليوم، يُستثمَر 41% من موارد المؤسسة في القطاعات الاجتماعية ويذهب 14% إلى الإدارة العامة وإنفاذ القانون.
في الأعوام الأخيرة، برز خلْق الوظائف والنمو الاقتصادي المستدام باعتبارهما أولويتين للبلدان المؤهلة للاقتراض من المؤسسة الدولية للتنمية. وتذهب التقديرات إلى أن هذه البلدان تحتاج إلى إيجاد 20 مليون وظيفة سنويا خلال السنوات العشر القادمة، وذلك لمجرد مسايرة الأعداد المتزايدة من الشباب من النساء والرجال الذين يدخلون سوق العمل. وتعمل المؤسسة من أجل تهيئة فرص عمل أكثر عددا وأفضل نوعيةً في القطاع الخاص عن طريق بناء القدرات، وإنشاء الأسواق، وربْط العمال بالوظائف. فعلى سبيل المثال، تستخدم المؤسسة أدوات في مختلف مؤسسات مجموعة البنك الدولي لتحفيز استثمارات القطاع الخاص من خلال نافذة القطاع الخاص التابعة للمؤسسة الدولية للتنمية والتي تساند مؤسسة التمويل الدولية والوكالة الدولية لضمان الاستثمار في تخفيف مخاطر المشروعات القادرة على تحقيق آثار إنمائية كبيرة في الأسواق الهشة، والمشاركة في قطاعات منها على سبيل المثال لا الحصر المناخ، ومنشآت الأعمال الصغيرة والمتوسطة، والمساواة بين الجنسين، والبنية التحتية.
سرعة الاستجابة والتصدي للأزمات
عند نشوب الأزمات، كانت المؤسسة الدولية للتنمية دائما حاسمةً وسريعة التحرُّك في استجابتها. فعلى سبيل المثال، في عام 2008، حينما تأثَّرت البلدان بالأزمة المالية العالمية وأزمة غذائية، سارعت المؤسسة بالتعجيل بتقديم تمويل بمليارات الدولارات لمساعدة البلدان على مواجهة الأزمات، مع تقديم الإغاثة من خلال إمدادات غذائية ومستلزمات زراعية، وشبكات الأمان.
اليوم، في إطار الاستجابة لتفشي جائحة فيروس كورونا، تُشكِّل التدابير التي تتخذها المؤسسة الدولية للتنمية جزءا من تدابير أوسع لمجموعة البنك الدولي تتراوح قيمتها من 150 مليار إلى 160 مليار دولار على مدى 15 شهرا، وتشتمل 50 مليار – 55 مليار دولار في شكل قروض بأسعار فائدة منخفضة ومنح تتركَّز على إنقاذ الأرواح، وحماية الفئات الفقيرة والأكثر احتياجا، وخلْق الوظائف وفرص العمل، وبناء تعافٍ أقدر على الصمود. وعلى مدار الاثنى عشر شهرا القادمة، ستُقدِّم المؤسسة ما يقرب من 10 مليارات دولار من المنح الجديدة للبلدان منخفضة الدخل التي تواجه زيادة احتمالات العجز عن الوفاء بأعباء مديونيتها.
الريادة في التصدِّي للتحديات العالمية
تضطلع المؤسسة الدولية للتنمية بدور رائد في التصدي لتحديات عالمية مثل تغيُّر المناخ والصراع وعدم المساواة بين الجنسين. وفيما يلي بعض الأمثلة كيف أحدثت المؤسسة تغيرات إيجابية في حياة 1.3 مليار نسمة يعيشون في أفقر البلدان:
يُشكِّل تغيُّر المناخ خطرا واضحا في الأمد القريب على الجهود العالمية للقضاء على الفقر. وتساند المؤسسة الدولية للتنمية البلدان على التكيف عن طريق تقديم حلول جديدة -مثل تحسين بيانات الطقس، والمحاصيل المقاومة للجفاف، والتأمين ضد الكوارث، وأنظمة الإنذار المبكر. وتساعد المؤسسة أيضا في إيجاد سبل مبتكرة لتوليد الطاقة وتقليص الانبعاثات الكربونية عن طريق زيادة كفاءة الصناعات واستدامتها. في فانواتو، على سبيل المثال، زوَّدت المؤسسة 30200 شخص يعيشون في مناطق نائية بمعدات جديدة أو مُحسَّنة لتوليد الكهرباء من خلال مصادر طاقة متجددة خارج الشبكة العامة أو الشبكات المُصغَّرة.
ما انفكت البلدان النامية تعاني من الهشاشة والصراع والعنف. وتعمل المؤسسة الدولية للتنمية بالتعاون مع مجموعة واسعة من الشركاء لتوسيع دورها في محور العمل الإنساني والتنمية وبناء السلام، ولتهيئة بيئة مواتية أكثر دعما للتنمية. على سبيل المثال، في منطقة الساحل الأفريقي، دخلت المؤسسة الدولية للتنمية في شراكة مع مجموعة الخمسة لمنطقة الساحل، وتحالف الساحل لمساندة السلام والاستقرار، ويعمل مشروع يجري تنفيذه للتحوُّل الرقمي على توسيع إمكانيات الحصول على الخدمات الرقمية في المجتمعات الريفية.
تعمل المؤسسة الدولية للتنمية لمعالجة التفاوتات بين الجنسين، وجعْل العالم مكانا أفضل للعيش فيه للفتيات والنساء. وتهدف المؤسسة إلى الحاق جميع الفتيات بالمدارس، ومساعدة النساء على الحصول على التمويل لبدء مشروعات أعمال صغيرة، وفي نهاية المطاف تحسين الآفاق الاقتصادية للأسر والمجتمعات المحلية. على سبيل المثال، بين عامي 2012 و2018، أكملت أكثر من 15500 امرأة إثيوبية التدريب على المهارات الفنية والمهنية وريادة الأعمال، وزاد متوسط دخلهن السنوي بنسبة 28%.
فصل جديد في تمويل التنمية
في عام 2016، حصلت المؤسسة الدولية للتنمية على أول تصنيفين ائتمانيين عامين لها من الفئة الممتازة Aaa/AAA. وتُشكِّل زيادة ميزانيتها العمومية عن طريق الاقتراض أحد أبرز التحولات الجذرية في تاريخ المؤسسة الدولية للتنمية. ففي عام 2018، دخلت المؤسسة رسميا سوق رأس المال العالمية. ومن خلال الجمع بين مواردها والاستدانة من سوق رأس المال، عزَّزت المؤسسة بدرجة كبيرة مساندتها المالية للبلدان المتعاملة معها. ومهَّد هذا السبيل إلى حزمة تمويل تاريخية بقيمة 82 مليار دولار من خلال العملية التاسعة عشرة لتجديد موارد المؤسسة في ديسمبر/كانون الأول الماضي.
على مدى العقود الستة الماضية، أظهرت المؤسسة الدولية للتنمية مقدرة هائلة على النمو والابتكار والإصغاء لاحتياجات البلدان، واستيعاب الدروس المستفادة من أجل تحسين تصميم المشروعات، بُغية تحقيق نواتج إنمائية قوية لأشد الناس احتياجا.