هناك نطاق واسع يضم مختلف البلدان. وكيف تقدر تقارير المناخ والتنمية الاحتياجات الاستثمارية؟
تستخدم هذه التقارير منهجيات مختلفة حسب ما يلائم كل بلد على أفضل نحو. وهذا النهج يضع تقارير المناخ والتنمية كعنصر داعم في المناقشات بشأن السياسات وتحديد الأولويات في البلد المعني، على الرغم من أنه يزيد من صعوبة تجميع النتائج ومقارنتها.
وهناك بعض نقاط الانطلاق المشتركة لجميع تقارير المناخ والتنمية: تمثل الاحتياجات الاستثمارية التي نحددها استثمارات إضافية مطلوبة بحلول عام 2030 لتعزيز القدرة على الصمود، وتمويل التكيف، وتمكين البلدان من تحقيق تنمية منخفضة الانبعاثات الكربونية. ولكن المرجع المستخدم في تحديد "الاحتياجات الإضافية" لهذه الاستثمارات هو الذي يختلف من بلد إلى آخر، لأن هذا يتوقف إلى حد كبير على سياق التنمية في كل بلد على حدة. ويرجع ذلك إلى أن هذه التقارير لا تركز على تغير المناخ فحسب، بل أيضا على التفاعل والتداخل بين تغير المناخ والتنمية.
وفي العديد من بلدان الشريحة العليا من البلدان متوسطة الدخل، مثل الصين و تركيا، حددنا الاحتياجات الاستثمارية الإضافية بأنها الفرق بين سيناريو مسار التنمية القادرة على الصمود ومنخفضة الانبعاثات الكربونية وبين مسار سيناريو التنمية المعتاد. وتستند هذه الاحتياجات إلى الأولويات الإنمائية للبلد المعني، ولكن بدون الأهداف نفسها فيما يتعلق بالقدرة على الصمود وانبعاثات غازات الدفيئة. وعلى جانب التخفيف، تشتمل التقديرات على استثمارات في حلول أكثر خضرة، مثل الطاقة المتجددة، و"التكاليف السلبية" الناتجة عن الاستثمارات التي لم تعد مطلوبة، مثل محطات توليد الكهرباء باستخدام الفحم أو البنية التحتية للغاز الطبيعي. وعلى جانب التكيف والقدرة على الصمود، تشمل التقديرات التكلفة الإضافية لإقامة بنية تحتية أكثر قدرة على الصمود، وليس التكلفة الكاملة للأصول. وتشير الاحتياجات الاستثمارية الإضافية الصغيرة نسبيا من أجل تنمية قادرة على الصمود ومنخفضة الانبعاثات الكربونية في البلدان متوسطة الدخل إلى أن المواءمة بين التنمية والمناخ في هذه البلدان تزيد من التحديات التمويلية التي تواجهها، ولكن بدرجة معتدلة.
وفي معظم البلدان منخفضة الدخل وبلدان الشريحة الدنيا من البلدان متوسطة الدخل، مثل باكستان أو بلدان منطقة الساحل، تتجه الاستثمارات المحددة لتعزيز القدرة على الصمود وسد الفجوات القائمة في مجالات التنمية والبنية التحتية، مثل عدم إمكانية الحصول على مياه محسنة أو طاقة حديثة، باستخدام أفضل التكنولوجيات المتاحة للقيام بذلك. فعلى سبيل المثال، لا يوضح تقرير المناخ والتنمية الخاص ببلدان منطقة الساحل كيفية توفير القدرة على الحصول على الطاقة الخضراء على نحو قادر على الصمود لنفس العدد من الناس، كما هو الحال في سيناريو الوضع المعتاد، بل الاستثمارات اللازمة لتزويد المزيد من الناس بإمدادات الكهرباء الخضراء والقادرة على الصمود في وجه الصدمات. وتتجه تقارير المناخ والتنمية القطرية في البلدان منخفضة الدخل والشريحة الدنيا من البلدان متوسطة الدخل إلى مقارنة الاحتياجات الاستثمارية من أجل مسار منخفض الانبعاثات الكربونية وقادر على الصمود في مقابل مستويات الاستثمار الحالية، ولكن مع تحقيق نواتج إنمائية أفضل بكثير من مجرد استمرار الاتجاهات الحالية. ولذلك، تشمل "الاستثمارات الإضافية" استثمارات في حلول أكثر خضرة وأكثر قدرة على الصمود، والاستثمارات اللازمة لسد الفجوات القائمة في مجالات التنمية والبنية التحتية (وهي ليست بالصافي مقابل الاستثمارات غير المطلوبة). وتظهر الاحتياجات الاستثمارية الإضافية الكبيرة في البلدان منخفضة الدخل والشريحة الدنيا من البلدان متوسطة الدخل التحديات المالية الكبيرة التي تواجهه هذه البلدان لتحقيق أهدافها الإنمائية على نحو قادر على الصمود ومستدام.
هل يمكنك أن تتعمق قليلا وتشرح كيف تقارن تقديرات تقارير المناخ والتنمية القطرية مع التقديرات العالمية لاحتياجات تمويل الأنشطة المناخية؟
بالتأكيد، دعونا نركز على التقديرات العالمية من منظور تقديرات تقرير ما بعد الفجوة وتقرير حديث لمجموعة الخبراء المستقلة رفيعة المستوى المعنية بتمويل الأنشطة المناخية.
ويستخدم تقرير مجموعة الخبراء بيانات على مستوى البلد المعني من بهاتاشاريا وآخرين (2022) وكذلك دراسات من القمة إلى القاعدة للفئات الرئيسية من الاستثمارات المناخية لتقدير الاحتياجات الاستثمارية في الأسواق الصاعدة والبلدان النامية. وهو يعتمد على التقييمات السابقة، بما في ذلك عمل الوكالة الدولية للطاقة ولجنة التحول في مجال الطاقة، وكذلك على عمل برنامج الأمم المتحدة للبيئة على بشأن جوانب التكيف. ويخلص التقرير إلى أن هناك حاجة إلى نحو تريليون دولار سنويا في عام 2025، و2-2.8 تريليون دولار في عام 2030، بالنسبة للأسواق الصاعدة والبلدان النامية غير الصين. وهذه استثمارات إجمالية (تتضمن الاحتياجات الإنمائية والاحتياجات المتصلة بالمناخ) في حين تقدر الاستثمارات الإضافية (الاحتياجات المتصلة بالمناخ فقط) بما يتراوح بين 1.2 و1.7 تريليون دولار سنويا في عام 2030 (مع نسبة مماثلة، تضع الاحتياجات المتصلة بالمناخ لعام 2025 عند 600 مليار دولار).
وبالإضافة إلى هذه الفجوة، يتم تقدير التكلفة الإجمالية لسد الفجوات في خدمات البنية التحتية في عام 2030 في قطاعات المياه والصرف الصحي والنقل والكهرباء والري والحماية من الفيضانات. ويتسق أحد السيناريوهات التي تم تحديدها مع صافي الانبعاثات الصفرية بحلول عام 2050، ويتضمن إصلاحات طموحة على صعيد السياسات للحد من الاحتياجات الاستثمارية وتعظيم كفاءة الإنفاق. وفي هذا السيناريو، سيكلف سد فجوة البنية التحتية 1.5 تريليون دولار سنويا في عام 2030 من الاستثمارات الرأسمالية في البلدان النامية (أو 4.5% من إجمالي الناتج المحلي في المتوسط). وبدون الإصلاحات المستهدفة والمصاحبة لذلك في هذا الإطار، ستزيد التكلفة الإجمالية إلى 8% من إجمالي الناتج المحلي.
والتحدي هو أنه لا يمكن مقارنة هذه التقديرات مباشرة بتقديرات تقارير المناخ والتنمية لأنها عالمية، في حين أن عينة البلدان في هذه التقارير ليست ممثلة للاحتياجات العالمية، كما إنها تستخدم نطاقات، وخطوط الأساس، وسيناريوهات تخفيف وتكيف مختلفة.
واستنباط النتائج من تقارير المناخ والتنمية باستخدام متوسط الاحتياجات الاستثمارية في عام 2030 لكل فئة دخل يحقق بعض النتائج المثيرة للاهتمام. ومع هذا النهج البسيط، ومع مراعاة الفروق في المنهجيات، نقدر الاحتياجات الاستثمارية السنوية ذات الصلة بالمناخ لجميع البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل بخلاف الصين بنحو 783 مليار دولار سنويا من الآن حتى عام 2030. وهذه التقديرات أعلى من تقديرات مجموعة الخبراء المستقلة رفيعة المستوى المعنية بتمويل الأنشطة المناخية لعام 2025 (600 مليار دولار)، لكنه أقل بكثير في عام 2030 (1.2-1.7 تريليون دولار). كما أنها أقل من تقديرات ما بعد الفجوة (1.5 تريليون دولار بحلول عام 2030). فلماذا نرى هذا الفرق بين التقديرات المستندة إلى تقارير المناخ والتنمية والتقديرات العالمية؟ هناك بعض الأسباب:
أولا، هناك اختلافات في النطاقات وخطوط الأساس. وتركز تقديرات تقرير مجموعة الخبراء المستقلة رفيعة المستوى المعنية بتمويل الأنشطة المناخية و تقديرات تقرير ما بعد الفجوة على التكاليف الاستثمارية الكاملة لتحقيق الأهداف الإنمائية والأهداف المناخية. وكما ذكرنا من قبل، تركز هذه التقارير على التفاعل والتداخل بين المناخ والتنمية، وتستخدم خطوط أساس مختلفة، تبعا لما يبدو أنه أكثر فائدة وأهمية في مختلف البلدان.
وتختلف تقارير المناخ والتنمية القطرية عن التقارير العالمية بدرجات طفيفة فيما يتعلق بالبلدان منخفضة الدخل والشريحة الدنيا من البلدان متوسطة الدخل حيث ستكون معظم الاحتياجات الاستثمارية الإضافية المحددة في تقارير المناخ والتنمية مطلوبة مع تغير المناخ أو بدونه. ويساعد ذلك على تفسير سبب قرب التقديرات الخاصة بهذه البلدان (5.1% في الشريحة الدنيا من البلدان متوسطة الدخل و8%في البلدان منخفضة الدخل) من تلك المحددة في التقارير العالمية، لكنها تختلف بدرجة أكبر بالنسبة للشريحة العليا من البلدان متوسطة الدخل (1.1%).
ثانيا، هناك اختلاف في الطموحات على مستوى السيناريوهات. وتحلل تقارير المناخ والتنمية القطرية السيناريوهات الخاصة بكل بلد على حدة، استنادا إلى أولويات والتزامات هذه البلدان، وتأخذ في الاعتبار ما يعتبر مجديا من النواحي الفنية والاقتصادية والسياسية. وبالتالي، فإن الطموح على مستوى سيناريوهات التخفيف والتكيف يختلف عن معظم الدراسات العالمية التي تطبق نهجا أكثر اتساقا من القمة إلى القاعدة.
وفيما يتعلق بخفض الانبعاثات، تعرض المجموعة الأولى من تقارير المناخ والتنمية مسارات توضيحية تحقق نحو 70% من خفض الانبعاثات في البلدان المعتبرة المشمولة في الدراسة في عام 2050، ويبلغ إجمالي الانبعاثات المتبقية 5 جيجا طن من مكافئ ثاني أكسيد الكربون (انظر الشكل 2 الذي يبين مسارات الانبعاثات لمجموعة فرعية من تقارير المناخ والتنمية القطرية). ومن ناحية أخرى، فإن التقييمات العالمية، مثل تقرير مجموعة الخبراء المستقلة رفيعة المستوى المعنية بتمويل الأنشطة المناخية وتقرير ما بعد الفجوة، عادة ما تكون مدفوعة بالطلب ومن القمة إلى القاعدة: فهي تحسب ما هو مطلوب لتحقيق صافي الانبعاثات الصفرية ولكن دون درجة التركيز نفسها على قضايا القدرة الاستيعابية، وتحديات التنفيذ، والرغبة السياسية والجدوى. وإذا قمنا بالتوسع خطيا في الاستثمارات السنوية البالغة 783 مليار دولار لتحقيق خفض صافي الانبعاثات بنسبة صفر بدلا من خفض الانبعاثات بنسبة 70% ، مع ملاحظة أن التكاليف الإضافية للنسبة البالغة 30% الأخيرة من المرجح أن تكون أعلى، فإن الاحتياجات الاستثمارية السنوية لجميع البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل بخلاف الصين ستتجاوز تريليون دولار، وهو ما يقترب كثيرا من التقديرات العالمية.