أطلقت مجموعة البنك الدولي في عام 2019 خطة رأس المال البشري الأفريقي لدفع الاستثمارات والإصلاحات لتحسين رأس المال البشري في المنطقة. تصوير: © داسان بوبو / البنك الدولي
أطلقت مجموعة البنك الدولي في عام 2019 خطة رأس المال البشري الأفريقي لدفع الاستثمارات والإصلاحات لتحسين رأس المال البشري في المنطقة. تصوير: © داسان بوبو / البنك الدولي
مع غروب شمس كل يوم، تشق سلامات بانجورا طريقها إلى سواحل بونجا وارف على مسافة نحو 20 ميلا إلى الجنوب الشرقي من فريتاون في سيراليون. وهناك، تلقي التحية على السماء ذات اللون الوردي، والوجوه المألوفة للصيادين الذين يُعيرونها السمك الذي ستبيعه فيما بعد في السوق المحلية. في الأيام التي يحالفها الحظ، تستخدم ما تربحه من مال في إطعام أطفالها الأربعة، ولكن في الأيام الأخرى، فإنهم يخلدون إلى فراشهم جوعى، لأن سلامات لا تستطيع شراء ما تطهوه لهم كل يوم.
وكان الحال كذلك إلى أن أُتيح لها الاستفادة من برنامج (Ep Fet Po) لشبكات الأمان الاجتماعي.
وتقول وقد علت وجهها ابتسامة "منذ بدأ هذا البرنامج، أصبح بإمكاني شراء السمك لبيعه ولم أعد اضطر إلى استعارته. ويمكنني الآن أن أطهو الطعام كل يوم. وأستطيع إطعام صغاري قبل المدرسة وبعدها.“
لقد استطاعت سلامات بفضل تحويل نقدي قدره 15 دولارا كل شهر أن تتخلص من براثن الفقر المدقع، وأن توفِّر لأسرتها ظروفا أفضل للرعاية الصحية والتعليم، وهو ما يتيح للجيل التالي الفرصة للخروج من حلقة الفقر واكتساب المهارات اللازمة لشغل وظائف في المستقبل. في بلدٍ مثل سيراليون، ينوء تحت وطأة سلسلة من الصدمات، برز الاستثمار في البشر كأحد عوامل التغيير المهمة. بل إنَّ أهمية شبكات الأمان ازدادت أثناء أزمة جائحة فيروس كورونا، لأنها تحمي حياة الناس وسبل معيشتهم، وتساعدهم على اجتياز العاصفة. و.
فبناء رأس المال البشري -وهو ما يتراكم لدى البشر على مدار حياتهم من الصحة والمعارف والقدرات والمهارات والقدرة على الصمود - أمر ضروري لإتاحة الفرصة لجميع الشباب لاستغلال كامل قدراتهم وإمكانياتهم. ويصدق هذا إلى حد كبير في أنحاء أفريقيا أكبر مناطق العالم من حيث تعداد الشباب، والتي تشهد أيضا بعضا من أشد تحديات رأس المال البشري.
ولذلك، أطلقت مجموعة البنك الدولي في عام 2019 خطة رأس المال البشري لأفريقيا للتحفيز على الاستثمارات والإصلاحات لتحسين رأس المال البشري.
وفي معرض حديثها عن ذلك، قالت نائبة رئيس البنك الدولي للتنمية البشرية أنيت ديكسون: "كي يتسنى للجميع استغلال كامل قدراتهم وإمكانياتهم، يجب أن يكون بناء رأس المال البشري في صميم الأولويات الإنمائية لكل بلد، وألا يقتصر ذلك على المحظوظين الذين يُولَدون وهم يتمتعون بامتيازات نسبية من حيث الموقع الجغرافي أو نوع الجنس أو العرق أو الوضع الاجتماعي والاقتصادي."
وتضع الخطة أهدافا وارتباطات مالية مُحدَّدة في إطار مشروع رأس المال البشري، وهو جهد عالمي يستهدف تسريع وتيرة الزيادة في الاستثمار في البشر كما وكيفا من أجل تعزيز الإنصاف والنمو الاقتصادي. وبعد مرور عام على بدء هذه الخطة، حدث توسُّع كبير بل وتحوُّل أيضا في المساندة المقدمة من البنك الدولي للبلدان الأفريقية. فقد ارتبط البنك بتقديم ما يقرب من 7.5 مليار دولار تمويلا مُخصَّصا لمشروعات التنمية البشرية خلال الاثنى عشر شهرا الماضية (أكثر من ضعفي ما كان عليه في العام السابق)، وفي الوقت نفسه عزَّز مساندته لرأس المال البشري في قطاعات الزراعة والشمول الاجتماعي والمياه والصرف الصحي وغيرها.
، وتتحمل النساء والفتيات وطأة هذه التداعيات. مهما يكن من أمرٍ، فإنه خلف هذه الأرقام المثيرة للقلق، تكمن أيضا قصة تبعث على الأمل ورسالة قوية للعالم وواضعي السياسات، مؤداها: إن الاستثمار في تمكين المرأة من خلال تيسير الحصول على التعليم الجيد، وفرص العمل، والرعاية الصحية الجنسية والإنجابية- أصبح الآن أكثر أهمية من أي وقت مضى.
وقال نائب رئيس البنك الدولي لشؤون منطقة أفريقيا حافظ غانم: "إن الاستثمار في النساء والفتيات ضروري لتحقيق وعد التنمية. الأمر بهذه البساطة. ولذلك، ساعدنا البلدان المتعاملة معنا بما تزيد قيمته على 2.2 مليار دولار من المشروعات الجديدة التي يمولها البنك الدولي بالاستثمار في صحة النساء وتعليمهن وفرص العمل."
وتعالج هذه المشروعات العديد من المعوقات التي تواجهها النساء والفتيات بوسائل منها مكافحة زواج القاصرات من خلال النهوض بتعليم الفتيات، والتركيز على خدمات تنظيم الأسرة وتوفير أطر قانونية قوية تكفل حماية النساء والأطفال. ويُمكِن أن يساعد هذا كله البلدان الأفريقية في جهودها لتسريع وتيرة تحوُّلها الديموجرافي، وهو تحوُّل من ارتفاع معدلات المواليد ووفيات الأطفال الرضع إلى انخفاض هذه المعدلات.
ومن الأمثلة على هذه المشروعات مشروع تمكين المرأة والاستفادة من العائد الديموجرافي في منطقة الساحل. ومن خلال تعبئة جهود رجال الدين، يساعد هذا المشروع على إحداث تغيير في الأعراف والسلوكيات الاجتماعية التي تُؤثِّر على النساء والفتيات من أمثال لميمة بنت الحضرمي التي تعيش في منطقة الساحل.
لميمة من موريتانيا، وقد تزوجت حينما بلغت الثالثة عشر من العمر. ثمّ تسرَّبت من المدرسة لأن حملها كان صعبا. وأنجبت بعد ذلك بنتين، قبل أن يهجرها زوجها.
تقول لميمة "لقد رفضْتُ تزويج ابنتي لسبب بسيط ووجيه: فأنا أريد تمكين ابنتي. ولا أريد لها أن تمر بنفس الصعاب التي مررتُ بها. أتمنَّى أن تحصل على وظيفة جيدة. أن تصبح وزيرة أو طبيبة أو قابلة."
وبتكلفة قدرها 675 مليون دولار، يساعد مشروع تمكين المرأة والاستفادة من العائد الديموجرافي في منطقة الساحل البلدان الأفريقية على تمكين النساء والمراهقات، وزيادة فرص حصولهن على خدمات جيدة للصحة الإنجابية وصحة الطفل والأم، ووضْع جدول أعمال للسياسات يجعل العوامل السكانية ونوع الجنس محورًا للنمو.
تتركَّز تحديات رأس المال البشري والفقر على نحو متزايد في بيئات تعاني من الهشاشة. ويعني ذلك، أنه فعلى سبيل المثال، تمر ليبيريا بمرحلة التعافي من صراع دام عشر سنوات، وفي عهد أقرب، من أزمة الإيبولا التي أودت بحياة قرابة 5000 شخص.
ولأن أكثر من 60% من السكان تقل أعمارهم عن 24 عاما، فإن التركيز ينصب على زيادة فرص العمل بأجر. ويساعد برنامج منشآت الأعمال الصغيرة على تغيير الحظوظ المحتملة وآفاق المستقبل للشابات الليبيريات اللاتي تأثَّرن بجائحة الإيبولا، وذلك بتقديم دعم لتوليد الدخل، وتدريبهن على سبل خلق فرص العمل الحر، والتعلُّم بعضهن من بعض.
في هذا الصدد، قالت ربيكا توتيمه، وهي أحد الموجِّهين بالبرنامج "نقوم بتوعيتهن بشأن إدارة الأعمال، وكيفية إمساك الدفاتر، وتوفير المال. وقد قررتُ تقديم المساعدة لأنني أريد أن أرى الفتيات يعملن ويرتقين بأوضاعهن."
بحلول عام 2030، سيعيش نصف فقراء العالم فقرا مدقعا في بيئات هشة في عدد قليل من البلدان معظمها في أفريقيا جنوب الصحراء. و ولتحقيق هذه الغاية، قام البنك بإعداد استثمارات جديدة بقيمة 2.5 مليار دولار في بلدان هشة في السنة المالية 2020، مع التركيز على التأثيرات المختلفة على النساء والرجال.
فعلى سبيل المثال، وفي الكاميرون، من المتوقع أن يؤدي المشروع المقترح للتعليم الثانوي وتنمية المهارات الذي تبلغ تكلفته 125 مليون دولار إلى زيادة إتاحة الوصول المنصف إلى خدمات ذات جودة للتعليم العام والتدريب الفني، لاسيما للفتيات.
يؤدي جعل البشر هم محور تدخلات التكنولوجيا والتدخلات الأخرى مثل تغيير السلوكيات إلي تحقيق النواتج المرجوة في مختلف أنحاء المنطقة. و في ولاية إيدو النيجيرية على سبيل المثال، يجري إعادة توجيه برنامج EdoBEST الحالي ليساعد في إعداد الطلاب للانتقال إلى مستوى الصف الدراسي التالي في سبتمبر/أيلول 2020، وذلك باستخدام تطبيقات الدراسة الذاتية، واختبارات تفاعلية قصيرة يتم توزيعها من خلال برنامج واتس آب، وأجهزة اللاسلكي، والهواتف المحمولة، وغيرها من قنوات الاتصال عبر الإنترنت. ومزيد من الدروس بشأن استخدام مبتكرات التكنولوجيا في الوصول إلى كل المتعلمين آخذ في الظهور في أنحاء المنطقة.
وقال ديفيد سينجه، وزير التعليم الأساسي والثانوي، وكبير مسؤولي الابتكار في سيراليون "في إطار استجابة سيراليون للتصدي لجائحة فيروس كورونا، نتسلَّح بإستراتجية وطنية للإبداع والحلول الرقمية. ولتلك الإستراتيجية ركيزتان: تصميم الهاتف المحمول أولا، والأنظمة الهجينة يشمل نطاق تغطيتهما جميع المستخدمين. ولا شك أن التكنولوجيا يجب أن تقترن بالتعاطف بين البشر، والتواصل، وإدراك أنه من مصلحة الجميع معالجة الأزمة العالمية الحالية في التعليم."
وفي الوقت نفسه، في الكاميرون، تستخدم جامعة يساندها مشروع مراكز التميز الأفريقية تقنيات الطباعة ثلاثية الأبعاد في طباعة أقنعة الوجه. وفي أنحاء كوت ديفوار وغينيا، يزيد مشروع التحديد الفريد للهوية من أجل التكامل الإقليمي والشمول من عدد الذين يمتلكون وثائق هوية تعترف بها الحكومة وتتيح لهم الحصول على الخدمات الأساسية لحماية وبناء رأس مالهم البشري. علاوةً على ذلك، تساعد تقنيات مثل البيانات المتسلسلة والذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي أيضا على تنفيذ المشروعات وتقديم الخدمات إلى الناس في مختلف أنحاء المنطقة. وتُقدِّم مبادرة التمكين المكاني للرصد والرقابة بيانات محددة مكانيا تتركَّز على البلدان الهشة، ويجري الآن استخدامها في 450 مشروعا في نحو 30 بلدا.
لحقت برأس المال البشري لأفريقيا أضرار شديدة من جراء جائحة فيروس كورونا. فقد أُزهِقت أرواح، وأُغلِقت مدارس، ومع الصعوبات التي تلقاها المستشفيات في مواجهة تدفق مرضى جدد، تناقصت معدلات التحصين، وازدادت معدلات الوفيات النفاسية. علاوةً على ذلك، تظهر بيانات أن وتأتي الجائحة أيضا في أعقاب مخاطر كبيرة تتتهدد الأمن الغذائي بالنظر إلى الانتشار الواسع للأمراض والضغوط الناجمة عن الآفات.
و وتساند الاستجابة الصحية الطارئة التي تجري بالفعل البلدان في جهود الوقاية من المرض وكشف الإصابة به ومعالجته، وفي هذا السياق، يقدم البنك الدولي تمويلا في منطقة أفريقيا من المتوقع أن يزيد على مليار دولار. و.
وكشفت الجائحة أيضا عن منافع الاستثمارات في وقت سابق في رأس المال البشري. على سبيل المثال، في إثيوبيا، تم على وجه السرعة تعبئة المشروع الثاني لإمداد المياه والصرف الصحي في المدن لمساندة الموظفين والموارد والنقل لمرافق إمدادات المياه خلال الجائحة. وفي كينيا، تحوَّل مستشفى الإحالة الطبية في مقاطعة واجير من وحدة صحية متواضعة ذات غرفة واحدة إلى منشأة على أحدث طراز هي الآن أحد المختبرات الخمسة المخصَّصة لاختبار حالات الإصابة بفيروس كورونا.
وتُظهِر هذه الأمثلة أن .
وقال نائب رئيس البنك الدولي حافظ غانم "إن أزمة كورونا تُحفِّزنا على مواصلة جهودنا حتى النهاية. ويجب ألا ندع التحديات الجسيمة في وقتنا هذا تصبح عبئا ثقيلا على الجيل القادم."