بغداد 28 يناير/كانون الثاني 2015 – ذكرت مجموعة البنك الدولي أن الأزمة الحالية في العراق ستزيد الأوضاع سوءا للمواطنين وخاصة الفئات الأشد ضعفا، واشترطت إرساء وحفظ السلام والأمن لتحسين النمو الاقتصادي والرفاه.
جاء ذلك في تقرير أصدرته المجموعة حديثاً ويسلط الضوء على العوائق الرئيسية التي اعترضت سبيل الحد من الفقر وجهود الاحتواء في العراق بين عامي 2007 و2012.
ويؤكد التقرير، الذي صدر بعنوان الوعود التي لم يحققها النفط والنمو: الفقر والاحتواء والرفاه في العراق 2007-2012، على ضرورة الحفاظ على النمو الاقتصادي وإدارة عائدات النفط وتنويع الاقتصاد لصالح الأنشطة التي يقودها القطاع الخاص والقطاع غير النفطي، وذلك من أجل خلق مناخ موات لأنشطة الأعمال والاستثمار وخلق فرص عمل ستشتد الحاجة إليها مستقبلا.
ويوصي التقرير بتطبيق سلسلة من السياسات والإجراءات ذات الأولوية بهدف تعزيز رفاه المواطنين، وهو يشكل بذلك أول تحليل متعمق للتنمية الاقتصادية والاجتماعية في العراق منذ 2006-2007، وهي فترة تميزت بالانتعاش في قطاع النفط، وارتفاع العائدات النفطية ارتفاعا كبيرا، والجهود المكثفة من قبل الحكومة لتلبية الطموحات الكبيرة للمواطنين.
وخلص التقرير إلى أنه في عام 2012، عاش 20 في المائة من سكان العراق تحت خط الفقر، وكانت نسبة كبيرة من الشعب العراقي عرضة للسقوط في براثن الفقر. ورغم أن البلاد شهدت نمواً اقتصاديا مرتفعاً بلغ 7 في المئة سنوياً في المتوسط بين عامي 2008 و 2012، فإن معدل الفقر لم ينخفض إلا بنسبة 4 نقاط مئوية في تلك الفترة، وحصدت الفئات الأكثر ثراء من السكان النسبة الأكبر من المكاسب.
لقد شكل العراق نقطة ترابط بين الصراع والهشاشة على مدى عقود من الزمن، ولازال يواجه أزمة أخرى اليوم، سيكون لها تداعيات كبيرة على رفاه شعبه. وستستغرق معالجة هذه الأزمة وقتاً وستحتاج إلى جهد منسق؛ ومع ذلك، فقد تكون هناك دروس مهمة مستفادة من الفترة الأخيرة من السلام النسبي، الذي ساد خلال الفترة 2007-2012، والتي يمكن أن تساعد في تحديد ومعالجة الأسباب الجذرية للفقر والإقصاء واستمرار العنف وانعدام الأمن.
ومن جانبه قال روبرت بو جودة المدير القطري للبنك الدولي في العراق: "هذا التقرير يتضمن تحليلاً حاسماً عن العلاقة بين ما تحقق من نمو في الماضي وبين الحد من الفقر في العراق. ويستعرض التقرير آثار السياسات من أجل وضع أو إعداد عملية نمو أكثر شمولاً، وهو يعد دليلا لضمان تحقيق الأهداف الاجتماعية والاقتصادية، كما يحدد الأولويات والتدابير اللازمة لرفاه المواطن العراقي."
ويبين التقرير، الذي يعتمد على جولتين من المسوح الأسرية القطرية والشاملة بين عامي 2007 و2012، أن تشكيل حكومة مدنية منتخبة في الفترة 2005-2006 قد أعقبته فترة من النمو الاقتصادي القوي. ومع ذلك، فإن الفقر لم ينخفض إلا بشكل طفيف فقط، واستمرت أشكال الحرمان الشديد في أبعاد غير نقدية. حيث أن ما يقرب من نصف السكان في العراق حاصلين على تعليم أقل من المستوى الابتدائي؛ وما يقرب من ثلث الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين صفر و خمسة أعوام يعانون التقزم؛ و أكثر من 90 في المائة من الأسر في بغداد والمحافظات الوسطى والجنوبية تحصل على الكهرباء لمدة تقل من 8 ساعات في اليوم؛ وثلث الرجال و 90 في المائة من النساء في الفئة العمرية 15-64 عاماً لا يعملون ولا يبحثون عن عمل؛ ويأتي أكثر من 60 في المائة من السعرات الحرارية التي يستهلكها الفقراء من برنامج لدعم الغذاء على الصعيد الوطني.
كان هذا هو الوضع قبل الأزمة الحالية.
من جانبها، تقول نانديني كريشنان، وهي خبيرة اقتصادية أولى بالبنك الدولي والمؤلفة الرئيسية لهذا التقرير "تعكس نتائج التقرير أيضاً إرثاً صعباً من العنف والهشاشة والضعف المؤسسي في العراق، الذي يواجه تحديات هائلة على المدى البعيد قد تستغرق وقتاً طويلاً للتغلب عليها".
لقد أسهم ما شهدته أجزاء من البلاد بين عامي 2003 و2012 من استمرار العنف الداخلي وانعدام الأمن في تعميق التشرذم الاقتصادي والاجتماعي: حيث فقد العراق أكثر من 100 ألف مدني بسبب أعمال العنف واستمرت المناطق شمالي وغربي بغداد في حالة من الصراع - بين الطوائف والأعراق والقبائل.
وبين عامي 2007 و2012 حاولت الحكومة إعادة توزيع العائدات النفطية عبر التحويلات العامة والتوظيف في القطاع العام. وكانت النتائج متباينة. ولذلك تهدف توصيات التقرير إلى وضع استراتيجية أكثر احتواء تستطيع أن تدعم العلاقة بين المواطن والدولة. وفي حين أن ذلك سيؤتي ثماره على المدى المتوسط والبعيد، يجب غرس البذور الآن. فمن شأن تطبيق نظام فعال وشامل لشبكات الأمان أن يعالج أوجه الحرمان والضعف المتعددة للسكان مع تصحيح العجز في رأس المال البشري. وفي حين أن الاستجابة الفورية والفعالة للأزمة اليوم أمر لازم والعراق يتطلع للمستقبل، فعليه أن يتصدى للتحديات الإنمائية الجوهرية لبناء اقتصاد ومجتمع يتسمان بالاحتواء.
وتعقيبا على التقرير، قال الدكتور مهدي العلاق، مدير مكتب رئيس الوزراء ورئيس اللجنة الفنية لاستراتيجية الحد من الفقر في العراق "هذا التقرير الذي يحلل أوضاع الفقر تحليلا متعمقا يقدم فهما واضحا للتحديات الإنمائية التي تواجه العراق ويمثل الأساس لإعداد سياسات إنمائية جديدة تستهدف تحسين مستوى المعيشة بصورة واسعة وشاملة... وقد لعب البنك الدولي دورا نشيطا في تزويد وزارة التخطيط بالمساعدة الفنية. ونأمل بأن تستمر هذه المساندة خلال الاستعداد للاستراتيجية الجديدة التي تراعي حالات التشريد الداخلي الناجمة عن زيادة الفقر."
البنك الدولي في العراق
تتكون حافظة مجموعة البنك الدولي للعراق من 3 مشاريع تبلغ قيمتها 230 مليون دولار، وهي تتركز على البنية التحتية (المياه وتوليد الكهرباء)، وتوظيف الشباب، وبناء القدرات والمؤسسات.