بغداد، 24 نوفمبر/تشرين الثاني، 2021 - تحسنت آفاق الاقتصاد العراقي بشكل ملحوظ على خلفية الانتعاش الذي شهدته أسواق النفط العالمية. ومن المتوقع أن ينمو إجمالي الناتج المحلي للبلاد من 2.6% في عام 2021 ليتجاوز 6% في عامي 2022-2023. وما لم يتم التعجيل بتنفيذ الإصلاحات الاقتصادية، فقد تتسبب المخاطر غير المنظورة المرتبطة بالداخل العراقي وتلك المرتبطة بالمالية العامة في انحراف هذه التوقعات عن مسارها.
يَخلُصُ الإصدار الجديد من المرصد الاقتصادي للعراق الصادر عن البنك الدولي لخريف 2021 تحت عنوان "الطريق الزلق للانتعاش الاقتصادي" إلى أن الانتعاش الاقتصادي قد تحقق في جزء منه نتيجة لتحرك الحكومة تجاه تنفيذ الإصلاحات الموصي بها سابقاً. وكان للتحويلات العامة والبرامج التي تستهدف زيادة القروض الممنوحة للمؤسسات والشركات أثرها في توفير تحفيز اقتصادي محدود، مما قاد إلى نمو إجمالي الناتج المحلي بنسبة 0.9% في النصف الأول من عام 2021، بعد انكماشه بنسبة 16% في العام الذي سبقه.
كان ارتفاع أسعار النفط سبباً في تحويل رصيد المالية العامة إلى فائض بنسبة 2.2% من إجمالي الناتج المحلي وزيادة الاحتياطيات لدى البنك المركزي العراقي إلى حوالي 55 مليار دولار أمريكي في النصف الأول من عام 2021، أي ما يغطي 15 شهراً من واردات البلاد. لكن هذا التعافي واجه تعثراً لعدة أسباب منها انقطاع الكهرباء على نطاق واسع، والنقص الحاد في المياه عقب الانخفاض القياسي في معدل هطول الأمطار، مما كان له آثار سلبية على قطاعي الزراعة والصناعة. وفي الوقت ذاته، تدهورت خدمات الرعاية الصحية وسط الارتفاع الملحوظ في حالات الإصابة بمتحور "دلتا" من فيروس كورونا.
يتوقع التقرير أن ينمو إجمالي الناتج المحلي النفطي الذي يعد المحرك الرئيسي للنمو الاقتصادي على المدى المتوسط، وذلك بما يتماشى مع الإلغاء التدريجي لحصص إنتاج أوبك+. وبالنسبة للنمو في إجمالي الناتج المحلي غير النفطي، فمن المتوقع أن يكون أقل من 3% في الفترة ما بين 2021 إلى 2023. وفي الجانب السلبي، يمكن أن تشتمل المخاطر الرئيسية على الصدمات التي يسببها الانهيار في أسواق النفط العالمية، وحالات الجفاف، وتفاقم أزمة جائحة كورونا بسبب انتشار المتحورات الجديدة من الفيروس. أما المشاكل التي من المحتمل أن يواجهها الاقتصاد العراقي فتتمثل في مخاطر المالية العامة وما شابهها مثل تزايد الجمود في الموازنة العامة للبلاد، والتباطوء في تسوية المتأخرات، والانكشاف الكبير للبنوك المملوكة للدولة والبنك المركزي العراقي على الديون السيادية، ومعوقات إدارة الاستثمار العام التي تؤثر على مستوى تقديم الخدمات العامة. أما في الجانب الإيجابي، فإن التقدم الحاصل في التكامل الاقتصادي بين العراق وبين محيطه الإقليمي، فضلاً عن التحسن في الوضع الأمني بالبلاد، فمن شأنهما توفير زخم جديد للنمو والتنوع الاقتصادي.
إن التعامل مع المخاطر الناجمة عن ندرة المياه وتدهور جودة المياه الجارية في أنهار العراق ومياهه الجوفية له أهمية رئيسية بالنسبة للبلاد. لهذا يُفردُ التقرير فصلاً خاصاً عن "التغلب على ندرة المياه والآثار الناجمة عن تغير المناخ"، يدعو فيه إلى إصلاحات واسعة في قطاع المياه للاستغلال الأمثل لما توفره من فرص، وحسن إدارة ما يرتبط بها من مخاطر. وفي واقع الأمر، يمكن أن يؤدي خفض إمدادات المياه في العراق بنسبة 20%، وما قد يرافقه من تغيرات سلبية في غلات المحاصيل الزراعية نتيجة للتغيرات المناخية، إلى خفض إجمالي الناتج المحلي الحقيقي في العراق بنسبة قد تصل إلى 4%، أي ما يعادل 6.6 مليارات دولار أمريكي.
وتعليقاً على هذا، قال ساروج كومار جاه، المدير الإقليمي لدائرة المشرق بالبنك الدولي: "يوفر الاستثمار في ممارسات إدارة المياه المراعية للمناخ فرصة حقيقية لتحفيز النمو الاقتصادي الشامل والأخضر والتنمية بالعراق. وبدون اتخاذ إجراءات ملموسة، ستؤدي القيود التي يعاني منها قطاع المياه إلى خسائر كبيرة عبر قطاعات متعددة من الاقتصاد، وستؤثر على المزيد والمزيد من الفئات الأكثر احتياجاً من العراقيين".
يعتمد قطاع المياه في العراق على بنية مؤسسية شديدة المركزية، مما يخلق تحديات ترتبط بالتنسيق فيما يخص إدارة الموارد المائية وتقديم خدماتها في جميع أنحاء البلاد. فضلاً عن ذلك، يعاني هذا القطاع من نقص التمويل نظراً للقيود المرتبطة بحيز الإنفاق المتاح في المالية العامة هذه الآونة، وضعف مشاركة القطاع الخاص في هذا القطاع، ناهيك عن محدودية الإيرادات التي يتم تحصيلها من المشتركين في خدمات المياه. وبخصوص الخطوات المقبلة، يحدد تقرير المرصد الاقتصادي للعراق ثلاثةً من مجالات الإصلاح تهدف إلى تحسين قدرة العراق والعراقيين على الصمود أمام ندرة المياه والتأثيرات الناجمة عن تغير المناخ، ألا وهي: كفاءة استخدام المياه وإنتاجيتها وسياسات إدارة الطلب عليها؛ والحلول المؤسسية؛ والحلول الإقليمية الخاصة بمحيط العراق الإقليمي.