بغداد، 9 نوفمبر/تشرين الثاني، 2022 - حذّر تقرير صدر حديثاً عن البنك الدولي من أنَّ تَغيٌّر المناخ، لاسيما تفاقم شح المياه، يهدد العقد الاجتماعي في العراق في ظل نموذجٍ للنمو يعتمد بدرجة أساسية على النفط وأنتج تقلباتٍ اقتصادية. ويشير تقرير المناخ والتنمية الخاص بالعراق إلى أن البلاد تواجه تحدي التحوُّل من الاعتماد الكامل على النفط إلى اقتصادٍ أكثر تنوُّعاً يقوده القطاع الخاص ويتميز بقدرته على خلق فرص العمل وتنمية رأس المال البشري، وفي الوقت نفسه بناء القدرة على الصمود لمواجهة آثار تغير المناخ.
يهدف التقرير إلى مواءمة الأهداف الإنمائية للعراق مع ما يطمح إلى تحقيقه على مستوى العمل المناخي وعرض الخيارات المتاحة على صعيد السياسات لتنويع الأنشطة الاقتصادية وتحقيق التحوُّل المنشود.
ويفيد التقرير بأن العراق يندرج ضمن البلدان الأكثر عرضةً لصدمات تغير المناخ، سواء من حيث التداعيات المالية أو المادية ومنها ارتفاع درجات الحرارة، وشح المياه. ويشهد البلد تناقصاً سريعاً لموارده المائية: وعلى افتراض سيناريو بقاء الوضع على ما هو عليه، من المتوقع أن تتسع الفجوة بين المتوفر من المياه (العرض) والطلب عليها من نحو 5 مليارات متر مكعب إلى 11 مليار متر مكعب بحلول عام 2035. وقد يؤدي شح المياه وتدني جودتها إلى تراجع كبير في المحاصيل الزراعية، كما يتوقع ان يؤثر على أنظمة الأغذية الزراعية، مُعرِّضاً الأمن الغذائي للخطر، ومُؤثِّراً بشكل سلبي على إجمالي الناتج المحلي.
لقد ازدادت انبعاثات الكربون في العراق إلى أكثر من الضِعف على مدار العقد الماضي. وسجَّل العراق واحداً من أعلى معدلات كثافة انبعاثات الكربون (نسبة الانبعاثات إلى إجمالي الناتج المحلي) بالمقارنة مع نظرائه من حيث الدخل من البلدان الأخرى في المنطقة. وتساهم قطاعات الكهرباء، والنفط والغاز، والنقل في نحو ثلاثة أرباع الانبعاثات في البلاد. ويُمكِن أن يؤدي اتخاذ المسارات الملائمة في خفض انبعاثات الكربون في قطاع الكهرباء إلى مكاسب إضافية كبيرة في مستويات النمو والإنتاجية.
وعلى الرغم من أن العراق يعتبر من أكبر منتجي النفط في العالم، وأن إنتاجه قد ازداد إلى الضِعف تقريباً في العقد الماضي، إلا أن مؤشراته الإنمائية مشابهة للمستويات السائدة في البلدان منخفضة الدخل. ويؤدي تغير المناخ إلى زيادة التفاوتات وخطر وقوع اضطرابات في مجتمع يعاني بالفعل من تداعيات سنوات من النزاعات والعنف.
وتعليقاً على التقرير، قال جان كريستوف كاريه المدير الإقليمي لدائرة المشرق في البنك الدولي: "في ظل غياب الإصلاحات الهيكلية الرئيسية، من الصعب أن ينجح العراق في انتهاج مسارٍ للنمو متنوعٍ وشاملٍ وقادر على الصمود. إن التأخر في تنفيذ تلك الإصلاحات من شأنه أن يعيق من تخفيف الآثار المادية والمالية السلبية الناجمة عن تغير المناخ، وتلبية احتياجاته الاستثمارية المتزايدة، بما في ذلك في قطاعي المياه والكهرباء"، أشار السيد جان كريستوف كاريه المدير الإقليمي لدائرة المشرق في البنك الدولي معلقاً على التقرير.
يقترح تقرير المناخ والتنمية الخاص بالعراق نقاط الأولوية لمجموعة من الإجراءات في ثلاثة مجالات بهدف التصدي لتلك التحديات المجتمعة: (1) التكيف، مع التركيز على العلاقة بين المياه والزراعة والفقر، (2) التخفيف، مع التركيز على خفض انبعاثات الكربون في سلسلة قيمة الطاقة، و(3) إدارة تبعات التحول إلى اقتصاد منخفض الكربون على المالية العامة الكلية.
ويشير تقرير المناخ والتنمية الخاص بالعراق إلى أنه سيحتاج إلى استثمارات تبلغ قيمتها نحو 233 مليار دولار بحلول عام 2040 ليتمكن من سد الفجوات التنموية ذات الأولوية والشروع في مسار النمو الاخضر الشامل. ويُحدِّد التقرير ترتيب أولويات تلك الاستثمارات وتسلسلها على نحو يراعي الحاجة الملحة إليها، وتضافرها، والمفاضلة فيما بينها. وتتيح التدابير "المأمونة" المُوصَى بها في السنوات الخمس الأولى (ابتداء من 2022) للعراق فرصة لتلبية احتياجاته الإنمائية وإرساء الأسس اللازمة للعمل المناخي مع تحقيق تحول منخفض الكربون يعود بالنفع بتكلفة اقتصادية منخفضة نسبياً. وأمَّا التدابير المقترحة في الأمد القصير إلى المتوسط للسنوات العشر القادمة فهي ضرورية لبناء قدرة العراق على الصمود الاقتصادي والاجتماعي ووضع مسار لتحول أكثر اخضراراً.
اعتمد تقرير المناخ والتنمية الخاص بالعراق على نهج محوره الإنسان لإدراك الآثار المترتبة على تغير المناخ وإثراء التحليل والتوصيات بشأن السياسات. كما أجريت مناقشات ومشاورات موسعة مع فئات متنوعة من أصحاب المصلحة. وتم تشكيل مجموعة استشارية لتقرير المناخ والتنمية تتألف من ممثلين عن حكومة العراق والقطاع الخاص والمؤسسات الأكاديمية.
وسيجري قريباً التنظيم لعرض مفصل ومناقشة مستفيضة للتقرير مع مختلف الفئات من أصحاب المصلحة في العراق.
تقارير مجموعة البنك الدولي للمناخ والتنمية: التقارير القطرية عن المناخ والتنمية لمجموعة البنك الدولي هي تقارير تشخيصية جديدة تدمج اعتبارات تغير المناخ والتنمية. وستساعد هذه التقارير البلدان على تحديد الأولويات الخاصة بالإجراءات الأكثر تأثيرا للحد من انبعاثات الغازات الدفيئة وتعزيز التكيف مع تغير المناخ، فضلا عن تحقيق الأهداف الإنمائية الأوسع نطاقاً. وتعتمد هذه التقارير على البيانات والبحوث الدقيقة، وتحدد السبل الرئيسية إلى تقليص انبعاثات الغازات الدفيئة، ومواطن الضعف في مواجهة تقلبات المناخ، بما في ذلك التكاليف والتحديات وكذلك المنافع والفرص التي يتيحها اتباع هذا المنهج. وتقترح التقارير إجراءات مُحدَّدة للسياسات لدعم تحول منخفض الكربون قادر على الصمود. وتهدف هذه التقارير، بوصفها وثائق عامة، إلى إثراء معلومات الحكومات والمواطنين والقطاع الخاص وشركاء التنمية وتمكين المشاركة في أجندة التنمية والمناخ. وستمثل هذه التقارير مراجع لدراسات تشخيصية أساسية أخرى لمجموعة البنك الدولي، وعملياتها في البلدان المعنية، وعملياتها التي تستهدف المساعدة في جذب التمويل والتمويل المباشر للعمل المناخي عالي الأثر.