شكرا لكم سيادة الرئيس كارديناس، السيدة كريستين لاغارد، السادة الوزراء، الأصدقاء الأعزاء.
السيدات والسادة، إنه لشرف كبير لي أن أرأس مُنظَّمة رائعة.
لقد عمل موظفونا المتفانون بدأب ومثابرة، وساروا بخطى حثيثة، والأهم من ذلك أنهم أنجزوا.
إنِّي أشكرهم على تركيزهم دوما على احتياجات البلدان المتعاملة معنا.
وأود أيضا أن أشكر كل البلدان الأعضاء على إعادة تعيينهم لي، إنهم بذلك يُظهِرون مساندتهم لعملنا، ولكل ما نحاول تحقيقه معا.
إن لنا طموحات وآمالا واحدة، نريد جميعا تحقيق التقدُّم، ونريد جميعا إنهاء الفقر المدقع في حياتنا. ونعلم جميعا أنه أمر يمكن بلوغه.
ونحن نسعى جادين من أجل أهدافنا المشتركة، فإن المهمة ستزداد صعوبة وعسرا، لأن الوصول إلى الفقراء فقرا مدقعا سيزداد صعوبة.
إننا نعيش في زمن محفوف بالتحديات.
ويجب أن تكون مجموعة البنك الدولي مستعدة دائما للتحرُّك بسرعة، والتحلي بالمرونة، وتقديم أفكار جديدة، وتطوير استجابتنا حسب الحاجة في بلد تلو الآخر.
وفي ولايتي الأولى كرئيس، عملنا لتحويل مجموعة البنك الدولي إلى منظمة قادرة على معالجة بعض من أشد التحديات تعقيدا التي يواجهها جيلنا.
وهذا ما طلبتموه منَّا.
واليوم، أود أن تعرفوا أنَّنا جديرون بتحقيق هذه الغاية.
ونحن على أهبة الاستعداد.
إن الفرص السانحة هائلة، لكن نجاحنا في اغتنامها سيعتمد على قدرتنا على العمل بعضنا مع بعض ومعكم.
والوقت ليس في جانبنا. ونحن جميعا نشترك في الإحساس بضرورة التحرُّك بسرعة.
لقد وضعنا أهدافا طموحة، لكن موظفينا أظهروا أننا على قدْر المهمة.
والآن، أود أن نتوقف لبرهة لنتأمل إلى أي مدى وصلنا.
في العام الأول لي في منصبي، وافقتم على هدفين طموحين جديدين للمؤسسة: وهما إنهاء الفقر المدقع بحلول عام 2030، وتعزيز الرخاء المشترك - من خلال زيادة نمو الدخل في فئة الأربعين في المائة الدنيا من السكان في جميع البلدان النامية.
وسعياً لبلوغ هذين الهدفين، اتفقنا على إستراتيجية لمجموعة البنك الدولي حدَّدت معالم خطة أساسية للإصلاح.
ولم تكن الإصلاحات سهلة، لكن الأمور العظام نادرا ما تكون سهلة.
واليوم، أرى أن لدينا الهيكل المناسب لتحقيق المزيد والمزيد من النتائج بفعالية من أجلكم.
إن المعارف تنساب حاليا عبر المُؤسَّسة، وتصل إلي البلدان المتعاملة معنا، فتُحفِّز على الإبداع والابتكار.
ولأضْرِب لكم مثلا كيف أننا نقلنا بنجاح المعارف والخبرات فيما بين المناطق.
ومن خلال هيكلنا الجديد لقطاعات الممارسات العالمية، أصبح تبادل المعارف فيما بين البلدان أيسر وأسرع من ذي قبل. وعلى سبيل المثال، حينما لجأت الحكومة الهندية إلى البنك الدولي لإعداد برنامج رئيسي لتوسيع خدمات الصرف الصحي للفقراء، استطعنا نقل المعارف والخبرات من مشروع الصرف الصحي في المناطق الريفية بمصر وتطبيقه في الهند.
وأسفر ذلك عن مشروع سواش بارات للصرف الصحي في المناطق الريفية بالهند الذي تبلغ تكلفته مليار دولار، وطبَّق المعارف الخاصة بتقديم الخدمات الجيدة -في مجالات الإدارة المحلية والشفافية والمساءلة أمام المواطنين- التي تم بالفعل توسيع نطاقها في مصر. وبفضل قطاعاتنا للممارسات العالمية، نعمل الآن من أجل تبادل المعارف المستخلصة من هذين المشروعين على مستوى العالم.
والتغييرات التي أجريناها كان هدفها مساعدتنا على تحسين تقديم النتائج لكم على الأرض.
وينبغي ملاحظة أنكم، ونحن ننفِّذ هذه الإصلاحات، أظهرتم مساندتكم من خلال إعادة تجديد موارد المؤسسة الدولية للتنمية (IDA) بمبلغ قياسي قدره 52 مليار دولار.
وشجَّعتمونا على تعزيز القدرات الإقراضية للبنك الدولي للإنشاء والتعمير (IBRD) من خلال برنامجنا "هوامش للمناورة". ومن دواعي فخري أن أقول أن عوائد قروض البنك الدولي للإنشاء والتعمير ستفوق التكاليف الإدارية في السنة المالية القادمة للمرة الأولى منذ وقت طويل.
وفي إطار مراجعة الإنفاق، خفَّضنا التكاليف الإدارية بمقدار 400 مليون دولار، وأعدنا استثمار الوفر المالي الذي تحقق في أنشطة البنك الدولي. وتُتيح لنا عمليات إعادة الاستثمار تحقيق النتائج للبلدان المتعاملة معنا بسرعة أكبر.
ومنذ توليت منصبي، لبَّيْنا طلبات الإقراض بمستويات لم تُشهَد في أوضاع عدا الأزمة المالية، إذ قفزت المساندة التي يقدمها البنك الدولي للإنشاء والتعمير والمؤسسة الدولية للتنمية إلى أكثر من 160 مليار دولار خلال السنوات المالية الأربع المنصرمة. وقدَّمت مؤسسة التمويل الدولية (IFC) والوكالة الدولية لضمان الاستثمار (MIGA) 70 مليار دولار و13 مليار دولار على الترتيب.
إن قدرة موظفينا على تعبئة التمويل جديرة بالإشادة. فمقابل كل دولار يساهم به أحد المانحين، سترتبط المؤسسة الدولية للتنمية بتقديم ثلاثة دولارات. وكل دولار تستثمره مؤسسة التمويل الدولية يؤدِّي إلى تعبئة ما لا يقل عن أربعة دولارات من المساهمات من آخرين. وتبلغ نسبة تعبئة أموال الوكالة الدولية لضمان الاستثمار واحد إلى 14.
ولعل أكثر الأمور إثارة للإعجاب هو السجل الممتاز للبنك الدولي للإنشاء والتعمير. فقد بلغ رأس المال المدفوع للبنك الدولي للإنشاء والتعمير 15 مليار دولار فحسب من كل البلدان المساهمة منذ تأسيسه قبل أكثر من سبعين عاما، وقام البنك بتعبئة ما يربو على 600 مليار دولار من القروض للبلدان متوسطة الدخل في أنحاء العالم. إن قوة البنك الدولي للإنشاء والتعمير كانت – وستظل - ركيزة من ركائز هيكلنا المالي العالمي.
إنَّكم طلبتم منَّا تقديم المزيد من الأدوات والآليات المالية المبتكرة، وقد وفَّينا. ونحن بحثِّنا خطى هذه المبتكرات نتحدَّى أنفسنا لإيجاد سبل جديدة لتعبئة موارد على النطاق المطلوب وجعل تلك الموارد تحقِّق نتائج أفضل.
لقد استخدمنا خبرتنا الاقتصادية ومعارفنا التنموية في تصميم عدة مبتكرات مالية. واستنادا إلى الدروس المستفادة من أزمة الإيبولا، أنشأنا في وقت سابق من هذا العام أول صندوق للتمويل الطارئ لمواجهة الأوبئة.
لقد زدنا مساعدات المؤسسة الدولية للتنمية إلى أكثر بلدان العالم فقرا. وكم يسعدنا أن المؤسسة حصلت على تصنيف ائتماني من الفئة الممتازة AAA، وهي خطوة مهمة لتمكينها من الوصول إلى أسواق رأس المال. وهذا التصنيف دليل على متانة حقوق الملكية المتراكمة والإدارة القوية للمؤسسة، وهيكل حوكمة البنك، وقوة المساندة من المانحين، وقدرتنا على تحقيق النتائج.
وأعلنا في الآونة الأخيرة عن إطلاق البرنامج العالمي لتسهيلات التمويل المُيسَّر، وهو جهد جديد لمعالجة آثار أزمات اللاجئين عن طريق تقديم التمويل المُيسَّر لعملية التنمية في البلدان متوسطة الدخل.
وبفضل مساندتكم، وسَّعنا نطاق عملنا في مجال تغيُّر المناخ، سواء من حيث نطاق تفكيرنا أو من حيث التمويل، بالإعلان في خريف 2015 عن زيادة التمويل للأنشطة المناخية إلى 28% من مجموع الارتباطات بحلول عام 2020.
ونحن نعلم أننا لن نتمكن من إنهاء الفقر إذا لم نعمل على حماية كوكب الأرض وسكانه. واستجبتم لهذه الحقيقة بالموافقة على الإطار البيئي والاجتماعي الجديد. وسيُشجِّع هذا الإطار على تحقيق نواتج أفضل لعملية التنمية واستدامتها.
لقد أذِنتم لنا بالتحلِّي بالجرأة والشجاعة.
وقد حفزتمونا على العمل. فلبينا النداء.
ولكن علينا اليوم أن نسأل أنفسنا: هل وصلنا إلى المستوى المطلوب؟
من المتوقَّع أن يبلغ النمو العالمي الآن 2.4% في 2016. ويُعزى هذا إلى تباطؤ التجارة العالمية، وضعف الاستثمار، والضبابية المتزايدة للأوضاع السياسية. ونعلم الآن أن لدينا أكبر عدد من البلدان النامية التي تعاني الكساد منذ عام 2009.
ويقيني أنكم جميعا تشاطروني طموحي وإحساسي بضرورة سرعة التحرُّك – لقد كان هذا الطموح والإحساس في صميم كل شيء أنجزناه في ولايتي الأولى كرئيس لمجموعة البنك الدولي.
ومعاً نقوم بالتخطيط للمرحلة التالية من عمل مجموعة البنك الدولي.
لقد وضعنا استشراف آفاق المستقبل على مسار سنبني فيه على منجزاتنا. وهو يُشجِّعنا أيضا على التفكير من جديد في دورنا وغايتنا، وأن نحرص على أن يكون نظام حوكمتنا تعبيرا عن حقائق العالم اليوم.
وأريد منكم، وأنا أتطلَّع إلى ولايتي الثانية، أن تعلموا أننا ملتزمون أكثر من أي وقت مضى بإنهاء الفقر وتعزيز الرخاء المشترك.
وسنُحقِّق هذين الهدفين بثلاث طرق:
أولا: تسريع وتيرة النمو الاقتصادي المستدام والشامل للجميع؛
ثانيا: زيادة حجم وفعالية الاستثمار في البشر؛
وثالثا: تعزيز المرونة والقدرة على مجابهة الصدمات والمخاطر العالمية.
إن لنا هدفين واضحين، وأمامنا ثلاث طرق لبلوغهما.
وفيما يتعلَّق بالهدف الأول، يسود توافق تام بينكم جميعا على أن النهوض بنمو قوي مستدام يشمل الجميع ولا يقصي أحدا يجب أن يظل الأولوية القصوى لنا.
لقد سنحت لنا الآن فرصة هائلة. ولكن يجب علينا التحرُّك، ونريد منكم أن تُحفِّزونا على ذلك.
إن القطاع الخاص يبلغنا أن ضبابية السياسات والإجراءات الحكومية، والفساد، واللوائح التنظيمية الضريبية مازالت تخلق أشد العقبات في طريق الاستثمار.
ونحن نريد مواصلة العمل معكم لتحقيق تقدُّم حقيقي في سعيكم لمكافحة الفساد، وتقوية المؤسسات، وإصلاح النُظُم الضريبية من أجل إزالة المُعوِّقات في طريق استثمار القطاع الخاص، والتشجيع على تحسين مستوى تقديم الخدمات، والارتقاء بنظم الحوكمة.
ونريد أيضا أن نعمل معكم لزيادة جاذبية الاستثمارات من خلال تقليص المخاطر الحقيقية والمُتصوَّرة سواء في القطاعات الراسخة أو القطاعات الناشئة.
ومع أنه لم يصل بعد إلى المستوى الذي نتمناه، فإنني متفائل بالعمل الذي نضطلع به الآن لاجتذاب استثمارات القطاع الخاص.
فالهند لديها واحدة من أكبر شبكات الطرق في العالم، لكن الطرق عاجزة عن أداء وظائفها- فاثنان بالمائة فحسب من الطرق البرية السريعة على الصعيد الوطني تستوعب 40% من حركة المرور، مُتسبِّبةً في اختناقات قد تضعف الإنتاجية وتبطئ النمو الاقتصادي.
وفي الهند، كما هو الحال في كل بلد نام آخر، تُشكِّل البنية التحتية عاملا رئيسيا في دمج الاقتصادات وتقديم الخدمات. وللمساعدة في تحسين الطرق في الهند، استثمرت مؤسسة التمويل الدولية 250 مليون دولار في شركة كيوب هاي ويز Cube Highways ومقرها سنغافورة. واستحوذت الشركة على حافظة من الطرق التي يجري تحصيل رسوم على استخدامها، وضخَّت تمويلا تشتد الحاجة إليه لشركات تطوير الطرق لإتمام مشروعاتها.
وفي غانا، عملنا مع الحكومة لترتيب تمويل قدره 1.5 مليار دولار من خلال البنك الدولي للإنشاء والتعمير والمؤسسة الدولية للتنمية ومؤسسة التمويل الدولية والوكالة الدولية لضمان الاستثمار لمساندة مشروع الغاز الطبيعي الذي تبلغ تكلفته 7.7 مليار دولار.
وهذا هو أكبر مشروع استثمار أجنبي مباشر في غانا.
وسوف يساعد على توفير ما يصل إلى ألف ميجاوات من الطاقة النظيفة التي يمكن التعويل عليها، أو ما يعادل نحو ثلث إمدادات البلاد الحالية من الكهرباء. وسوف يدر المشروع أكثر من ملياري دولار من الضرائب ورسوم الامتياز بالقيمة الحالية، ويُقلِّص انبعاثات غازات الدفيئة بنحو 1.6 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون سنويا.
وبالأمس فقط، أطلقت مؤسسة التمويل الدولية آلية إقراض جديدة، ستقوم في السنوات الخمس القادمة بتعبئة خمسة مليارات دولار من رؤوس الأموال الخاصة للاستثمار في قروض البنية التحتية في الأسواق الصاعدة. وسيُركِّز البرنامج المُوجَّه لمحافظ الإقراض المشترك على البنية التحتية، ويُمكِّن المستثمرين من المؤسسات من الاستثمار مع مؤسسة التمويل الدولية في محفظة مشروعات. وسيستفيد المستثمرون من تعزيز الائتمان الذي تقدمه مؤسسة التمويل الدولية والوكالة السويدية للتنمية الدولية. وتُظهِر أول شراكة تم التوقيع عليها هذا الأسبوع مع شركة أليانز احتمال أن تقوم هذه الآلية بتعبئة استثمارات مؤسسية لسد فجوة تمويل مشروعات البنية التحتية.
وهذه خطوة مهمة نحو إرساء مشروعات البنية التحتية في بلدان الأسواق الصاعدة كفئة من فئات الأصول.
السادة المحافظين والزملاء، أود أن تعلموا أننا في تشجيعنا المستمر على زيادة الاستثمار في البنية التحتية من أجل تعزيز النمو، نعلم أيضا أنه يجب علينا أن ندرس بدقة أنواع البنية التحتية التي ستحتاج إليها البلدان لتكون قادرة على المنافسة في اقتصاد اليوم والغد.
ويجب علينا أيضا أن نولي عناية فائقة لضمان أن تعود تلك الاستثمارات بالنفع على أشد الفئات فقرا وتهميشا.
لقد أدَّت مبتكرات التكنولوجيا بالفعل إلى قيام صناعات جديدة، بينما انحسرت صناعات أخرى. ويُؤدِّي هذا إلى تغيُّر طبيعة الكثير من الوظائف والمهارات المطلوبة في المستقبل.
ويصل بنا هذا إلى ركيزتنا الثانية وهي زيادة حجم وفعالية الاستثمارات في رأس المال البشري.
ومن الصعب المغالاة في تقدير الحاجة الملحة لزيادة الاستثمارات الفعالة في البشر.
ويبدو واضحا أن الكفاءة الرقمية ستكون من المتطلبات ذات الأهمية المتزايدة التي يجب توفرها في الأيدي العاملة في المستقبل. ونشعر بالقلق أن المسار الاقتصادي التقليدي من زيادة الإنتاجية الزراعية إلى الصناعات الخفيفة، ثم إلى التصنيع الواسع النطاق ربما بدأ يتلاشى بالنسبة للكثير من البلدان الفقيرة.
ومهمتنا هي العمل معكم لفهم ما سيكون عليه اقتصاد المستقبل وهيكل استثماراتنا لنجعلكم في أفضل وضع للمنافسة.
وسنقف إلى جانبكم وأنتم تقومون بهذه الاستثمارات في البشر طوال دورة حياة المشروعات من أجل حفز النمو الاقتصادي وتزويد مواطنيكم بالمهارات اللازمة للمنافسة على نحو فعَّال في الاقتصاد العالمي.
اعتمدوا علينا، فسوف نسير معكم إلى آفاق المستقبل مهما كان ما يحمل في طياته.
إننا على أهبة الاستعداد وملتزمون بمساندتكم والوقوف إلى جانبكم.
ولكل منكم قصة خاصة به عن كيف تأثَّرت شعوبكم واقتصاداتكم بالأزمات العالمية العديدة التي نواجهها – التشرد القسري، وتغيُّر المناخ، والأوبئة.
ثمَّ ركيزتنا الثالثة هي دور مُوسَّع كثيرا لمجموعة البنك الدولي في أجندة المنافع العامة العالمية.
لقد عقدنا العزم على العمل معكم لتعزيز المرونة والقدرة على مجابهة بعض من أشد الصدمات التي تُنذِر بضياع ما تحقَّق من تقدُّم في مكافحة الفقر على مدى عقود.
ونريد أن يعلم الجميع أن المؤسسة الدولية للتنمية كانت من أهم الأدوات في التاريخ لبناء المرونة والقدرة على مجابهة الصدمات بين أشد الناس فقرا.
وفي العام الأول من العملية السابعة عشرة لتجديد موارد المؤسسة الدولية للتنمية، أدَّت عدة أزمات –الإيبولا والأعاصير في فانوتو وتوفالو والفيضانات في ملاوي وجزر سليمان وزلزال نيبال- إلى نفاد كل الأموال المخصصة لنافذة التصدي للأزمات. وقدَّمتم مساهمة إضافية قدرها 900 مليون دولار لتمكيننا من التصدِّي لأزمات شديدة في النصف الثاني من العملية السابعة عشرة.
فشكرا لكم.
واليوم، تشرَّد 65 مليون شخص عن ديارهم. وأصبح 21 مليونا في عداد اللاجئين. وتعيش الأغلبية الساحقة منهم الآن في بلدان نامية.
وأنتم تعرفون هذه البيانات وطلبتم منَّا تقديم يد العون، وقد فعلنا.
ولمساعدة البلدان على الاستعداد وإدارة تدفق البشر عليها، نقوم بإعداد نظم للإنذار المبكر حتى يمكننا التنبؤ أين سينتقل الناس ثم نتحرَّك بسرعة.
في اليمن، نعمل مع البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة لتمويل برنامج للأشغال العامة لمساعدة الناس على التغلُّب على الظروف الصعبة وكسب المال. ونعمل أثناء الأزمات لمساعدة البلدان المضيفة على تحسين مناخ أنشطة الأعمال واستخدام القطاع الخاص كمُحرِّك لحفز النمو الاقتصادي.
وفي الأردن، نساعد على إقامة مناطق اقتصادية خاصة لتهيئة أكثر من 200 ألف فرصة عمل جديدة للأردنيين واللاجئين السوريين، وفي لبنان نقوم بتخطيط مشروع تعليمي يتيح لمائتي ألف طفل سوري الالتحاق بالمدارس الحكومية اللبنانية.
ونتطلع الآن لإيجاد حلول أطول أجلا لعدد من البلدان منها أفغانستان وكينيا والصومال في قضايا تتراوح من زيادة الإنتاجية الزراعية في المناطق التي تستضيف اللاجئين إلى مساعدة اللاجئين على العودة إلى بلدانهم.
وبمساندتكم نعكف على إعادة التفكير جذريا في الطريقة التي نستخدم بها التمويل في التصدي للتشرُّد القسري وذلك بإنشاء البرنامج العالمي لتسهيلات التمويل المُيسَّر. وإذا كنَّا حقا نريد حل هذه المشكلة، فإن التمويل المُيسَّر يجب أن يراعي أوضاع اللاجئين لا أن يتقيَّد بالقواعد الصارمة التي تقتصر على مراعاة متوسط نصيب الفرد من الدخل القومي.
لقد قلتم لنا إننا يجب أن نتحلَّى بالمرونة، وإنكم تتوقَّعون منَّا أن يكون لنا تأثير حقيقي. وسوف نفعل ذلك.
لقد كشفت أزمة الإيبولا وفي وقت أقرب الفيروس زيكا مواطن الضعف القاتلة في قدرتنا على التصدِّي للأوبئة.
وثمة احتمال كبير أن يشهد العالم وباء شديدا خلال العشرة أعوام إلى الخمسة عشر عاما القادمة. وقد يؤدي هذا إلى ضياع آلاف الأرواح وخسائر بتريليونات الدولارات.
لقد طلبتم منَّا الاستجابة، ومرة أخرى فعلنا.
ولو كان صندوق التمويل الطارئ لمواجهة الأوبئة الذي دشَّناه هذا العام موجودا في عام 2014 أثناء تفشِّي وباء الإيبولا في غرب أفريقيا، لكان باستطاعتنا تعبئة 100 مليون دولار قبل أشهر من التدفق الفعلي للأموال حينما كان الوباء في عُشْر شدته. وبدلا من ذلك، فإن الاستجابة الطارئة، وجهود التعافي، والخسائر الاقتصادية في البلاد المتضررة بلغت تكاليفها عشرة مليارات دولار.
إن التأهُّب هو أفضل أشكال الاستجابة، وتكلفته أقل. ومن الكوارث الطبيعية، تعلَّمنا أن نسبة التكاليف إلى المنافع للاستثمار في نظم الإنذار المبكر لا تقل عن توفير خمسة دولارات مقابل كل دولار يُنفَق.
ولهذا فإن دوركم حيوي للغاية.
وبمساندتكم، سندرس كيف يمكن استخدام أدوات تمويل مبتكرة مثل صندوق التمويل الطارئ للتخفيف من أنواع المخاطر الأخرى من أجل تزويد الفقراء بالسبل التي تشتد الحاجة إليها للحصول على التأمين وغيره من أنواع شبكات الأمان.
إن تغيُّر المناخ خطر آخر يواجهه العالم، ويجب علينا تغيير الطريقة التي نعمل بها لمكافحته والسرعة التي نتحرك بها.
والنبأ الطيب هو أنه يجب على العالم الآن أن يضع موضع التنفيذ التعهدات التي قطعناها في باريس.
ولكن يجب علينا أن نتحرَّك بسرعة أكبر كثيرا، وإلا فسيُغلق الباب أمام منع ارتفاع حرارة الأرض عن 1.5 درجة مئوية.
لقد كان شهر أغسطس/آب أشد الشهور حرا منذ بدأ تسجيل هذه البيانات. وهناك احتمال وجيه إلى حد ما أن 2016 –العام الذي أعقب توقيع اتفاقية باريس التاريخية- سيكون أشد الأعوام حرا منذ بدأ تسجيل البيانات أيضا.
وفي كل أجزاء العالم تقريبا، أصبحت الظواهر المناخية الشديدة، سواء كانت أمطارا قياسية غزيرة، أو نوبات جفاف أكثر شيوعا.
والآن، نتوجه بخالص العزاء لشعب هايتي الذي أصاب الدمار بلاده هذا الأسبوع من جراء الإعصار ماثيو الذي حصد أرواح قرابة 300 شخص. وقد تجلَّت بالفعل الآثار الشديدة للإعصار في الكثير من البلدان الجزرية الصغيرة والضعيفة في أنحاء البحر الكاريبي.
وسنُرسِل فريق تقييم سريع للتنسيق مع شركاء هايتي في تقييم حجم الأضرار. وطلبت هايتي أيضا مساندة من صندوق الكاريبي للتأمين من مخاطر الكوارث الذي أقيم بمساعدة من البنك الدولي من أجل تقديم خدمات التأمين من الكوارث الطبيعية.
إن كوارث مثل هذه الكارثة تُذكِّرنا بضرورة مساعدة البلدان على اكتساب مزيد من المرونة والقدرة على مجابهة الصدمات التي أصبحت أكثر تكرارا من أي وقت مضى.
وعادةً ما يكون أشد الناس فقرا في العالم هم الأكثر ضعفا وعرضة لآثار تغيُّر المناخ، وهو ما يجعل التحرُّك في مجال تغيُّر المناخ في صميم سعينا لإنهاء الفقر المدقع.
ويجب علينا أن نتحلَّى بالكثير من الجدية في تمويل الوعود التي قدَّمتها البلدان، ولكن يجب علينا أيضا أن نكون أكثر إبداعا في كيفية استخدامنا للموارد المتاحة.
وفعلنا هذا حينما بدأنا دراسة أزمة اللاجئين، ويجب علينا الآن أن نفعل الشيء نفسه في مواجهة انبعاثات غازات الدفيئة. وكان نهجنا في مواجهة أزمة اللاجئين هو "تتبع اللاجئين"؛ ولكن مع تغيُّر المناخ يجب أن نتتبع غازات الدفيئة وأن نقوم بتمويل المشروعات التي تساعد على تقليصها بالمستوى المطلوب.
لقد حقَّقنا الكثير، ولكن مازال هناك أيضا الكثير الذي ينبغي عمله.
ويجب أن نرفع سقف طموحنا إذا أردنا حفز النمو الاقتصادي لأكثر البلدان والشعوب فقرا في العالم.
ومن الضروري أن نقوم بالاستثمارات الصحيحة في البشر حتى تكتسب البلدان القدرة على المنافسة.
ومع كل المخاطر العالمية التي نواجهها، يجب أن نقوم بإعداد التدابير التي سيكون تأثيرها بالقدر المطلوب.
لقد جعلنا البنك الدولي أفضل من ذي قبل. ونحتاج الآن إلى أن يكون أقوى من ذي قبل.
لعلكم تتذكرون أنني في كلمتي في الجلسة العامة الأولى في طوكيو استشهدت بكلمات زعيم الحقوق المدنية الأمريكي الدكتور مارتن لوثر كينغ الذي قال "قوس العالم الأخلاقي طويل لكنه ينحني نحو العدالة."
واليوم، أختم كلمتي باقتباس آخر للدكتور كينغ له صلة بما سمَّاه "أوهام الوقت ... الاعتقاد الخاطئ بأنه بمرور الوقت يوجد شيء سيعالج كل الشرور."
كان الدكتور كينغ يلقي كلمة على بعد عدة بنايات قليلة من هنا في عام 1963 حينما تحدَّث عن "الإلحاح الشديد للحاجة الآن" – الحاجة إلى تحرُّك فوري هادف لبلوغ هدف ذي أهمية حيوية.
وأنا أوجِّه الدعوة إلينا جميعا هنا للتحرُّك بنفس الاحساس بالإلحاح الشديد لبلوغ هدفنا – إنهاء الفقر المدقع.
والخلاصة هي أن طموحاتنا من أجل الفقراء يجب أن تلتقي بطموحات الفقراء أنفسهم. وإلا فسوف نبوء بالفشل والخسران.
لقد أوكلتم إلينا أعظم مهمة في العالم – وهي القضاء على الفقر المدقع وتعزيز الرخاء المشترك.
وعليكم حثُّنا للعمل من خلال هذه المؤسسة لجلب موارد جديدة لاسيما من القطاع الخاص إلى البلدان المتعاملة معنا.
اطلبوا منَّا أن نكون أكثر إبداعا في معارفنا، وأن نستجيب بسرعة أكبر لاحتياجاتكم.
ولكن أيضا، امنحونا المرونة التي نحتاج إليها لحل أهم المشكلات، وضمان أن تتاح لنا القدرات المالية اللازمة لتغيير العالم من أجل أشد الناس فقرا وأكثرهم تهميشا وحرمانا.
دعونا نتحلى بالجرأة والشجاعة، ونعمل معا، فبذلك سينحني لنا قوس التاريخ نحو العدالة، وسنعيد صنع التاريخ من أجل أنفسنا وأطفالنا وكل الأجيال القادمة.
شكرا لكم.